نظم المركز الدولي لعلوم الانسان في جبيل ورشة عمل بعنوان “دور وسائل الاعلام حيال الواقع الطائفي في لبنان” برعاية الاونيسكو، ناقش خلالها المشاركون، من مثقفين واكاديميين واعلاميين ورجال دين، على مدى اربع جلسات، العلاقة التي تربط بين الاعلام والدين وانعكاساتها على الوطن والمواطن.
الجلسة الاولى: “كيف يمكن الاختلاف الديني ان يؤدي الى خلاف بين المواطنين” كان عنوان الجلسة الاولى التي ادارها الاعلامي ميشال معيكي ، وحاضر فيها الشيخ ماهر حمود وقال: ان ” هذه المشكلة موجودة منذ بداية التاريخ البشري، وهي تكمن في الانسان وليس في الاديان. وسائل الاعلام اليوم وسائل اعلام دينية، وأصبح لكل مجموعة فضائيتها، مما يؤدي الى اتهام الآخر والغائه. خلق الله الناس مختلفين، ليكونوا اغنياء في تنوعهم. وعمر بن الخطاب قدم نموذجا نادرا من العدل. يقول الحديث الشريف ان السلطان والفرقان سينفصلان. بعد معاوية اصبح الخلفاء يمثلون السلطة، فيما العلماء يمثلون الدين وهذا الصراع بين العالم والسلطة هو صراع دائم، والصراع الاسلامي هو كذلك”.
واعتبر وليد عربيد في مداخلته ان لبنان الذي عاش الجمهورية الاولى والثانية يفترض ان يعيد تشكيل نظامه السياسي نحو جمهورية ثالثة تقوم على المواطنة وعلى دولة القانون والحق والعدالة الاجتماعية في فصل السلطات لاقامة مجتمع منصهر يخترق الطوائف والمذاهب والمناطق.
الدكتور علي خليفة رأى انه ” امام حتميات الاختلافات بين التمثيلات الاجتماعية للاديان، لا يظهر ان نموذج نهاية احدى التمثيلات لصالح اخرى جائز. يبقى ان التوجه نحو اختلاف دائم بين التمثيلات امر يمكن التسليم به وهو الاكثر اثباتا لصحته نظرا لحدوثه على نطاق واسع لسهولة نحول الاختلاف الديني الى خلاف، علنا نحوله الى قابلية للتعلم.
الجلسة الثانية: ناقش المحاضرون فيها موضوع ” الاعلام ورسالة بناء دولة المواطن” واعتبرت رئيسة الجلسة مرلين دياب “كون الاعلام رسالة فهذا يستتبع حتما بناء مؤسسات الدولة على اسس حديثة بعيدة عن الطائفية وعن النافخين فيها وابتعادها عن المحاصصة والمشاركين فيها والا وجب عندها استبعاد الحديث عن بناء دولة المواطن”.
ودعا ادغار طرابلسي الى الالتزام بميثاق الشرف الاعلامي الذي يعيد الاعتبار الى الوطن والمواطن، ويسمح بخلق حالة مواطنة تركز على حقوق الانسان وقيم الحرية والعدالة والمساواة والديموقراطية والانتماء للوطن، بدل الطائفة والعشيرة والحزب، الامر الذي يعزز الاستقرار السياسي للدولة، ويحفظ الوطن اللبناني بيتا آمنا ومعافى لجميع مواطنيه”.
واعتبر الصحافي امين قمورية ان لبنان يتمتع بوجود اعلام حر فاعل، يقابله ضعف كبير في قدرة الدولة الملغى دورها اصلا، مؤكدا ان الطريق الى المواطنة وبناء الاعلام الوطني تمر بالغاء الطائفية ، والطريق الى الوطن تمر باسقاطها. واذا كان الامل مفقودا من الطبقة السياسية الحاكمة والمتحكمة، فان كل الامل معقود على رواد يحملون حلم استعادة الامل بلبنان دولة لمواطنين، ومواطنين في دولة، شرط الا يعمل هؤلاء الرواد فرادى.
الجلسة الثالثة: عقدت تحت عنوان” الاعلام ومساحات الالتقاء الاديان والثاقفات الدينية” اكدت رئيسة الجلسة الدكتورة غادة ابراهيم ان “اعلام الانارة زال لمصلحة اعلام الاثارة، لا رسالة له سوى القدح والذم بالاخر في مقدمات النشرات الاخبارية”.
وعالج رئيس لجنة الحوار الاسلامي- المسيحي محمد السماك الموضوع من ثلاث زوايا: طبيعة دور وسائل الاعلام، صورة الواقع الطائفي في لبنا، والتداخل بين الدور والواقع ومن يؤثر في الآخر وكيف؟ واعتبر ان الحرية في الاعلام ليست في ان تنشر او تبث ما تريد، بل هي في ان يمارس هذا الحق من يختلف معك معك في الدين او المذهب او الاجتهاد السايس. والمجتمع المتعدد مذهبيا وطائفيا كالمجتمع اللبناني يحتاج الى اعلام يحترم ثقافة التعدد”.
ورأت مديرة الوكالة الوطنية للاعلام لور سليمان ان الآلة الاعلامية للحوار ما زالت تتعثر بسبب الخلط والتشابك بين الاعلام والسياسة وتوظيف حوار الاديان لخدمة الاهداف السياسية وبقاء حوار الاديان حبيس الغرف في المؤتمرات والندوات، واصبح الحديث عن حوار الاديان ينتهي بمجرد نهاية تلك الفعاليات. وقدمت تسعة اقتراحات تساهم في ابتكار مساحات للالقاء بين الاديان والثقافات الدينية.
واعتبر الاعلامي سعيد غريب ان الاعلام اليوم في ثورة تخطت كل الحدود، وفي ظل هذه المتغيرات تفلت الاعلام من قواعد العمل المهني الصحيح ولم يعد خاضعا لمصفاة تنقي من مواده الشوائب وفق مبادىء اخلاقية تردع اي تأثير مضر في المجتمع. لقد تخطت الساحة الاعلامية عتبة الحرية وها هي اليوم تسقط في الفوضى وتجر معها في ذلك الجماهير العريضة. علينا القبول بالتنوع الديني والاستفادة منه، والمطلوب اعلام نظيف وكفوء ومتخصص. فهل نحن قادرون؟ الاكيد اننا نسعى.
الجلسة الاخيرة: عقدت تحت عنوان “المجلس الوطني للاعلام في المساءلة والتصويب “اعتبر رئيس الجلسة مصطفى الحلوة ان ” دور اي مرجعية او او هيئة مسؤولة يتحدد من خلال عنصرين، الاول يتعلق بالمهام التي انتدبت لها، والثاني بالصلاحيات التي خولتها والمقدرات التي توضع بتصرفها كي تقوم باداء دورها خير قيام وبما يحقق الاهداف المتوخاة من وجودها”.
ثم تحدث رئيس المجلس عبد الهادي محفوظ فأكد ان ” ما نحتاجه هو اعلام نظيف واعلان نظيف. وطالب بتعديل قانون المرئي والمسموع لجهة اعطاء المجلس الوطني للاعلام صلاحيات تقريرية. واعلن عن معالجات في مشروع قانون الاعلام الموحد الذي انتهت اللجنة البرلمانية الاعلامية من التوافق حول بنوده والذي يلحظ حلولا تخرج الاداء الاعلامي من الاستساب السياسي والطوائفي ، وتعطي المجلس صلاحية التقرير ومنح القطاع الخاص العربي والدولي امكان التوظيف المالي بنسب محددة”.
وشدد الاعلامي كميل منسى على ضرورة الاتفاق على صيغة نهائية لقانون الاعلام المرئي والمسموع واعادة النظر في طريقة تعيين اعضاء المجلس الوطني وصلاحياته ليعمل على تنقية المشهد الاعلامي.
في الختام تحدث الاعلامي ميشال معيكي لافتا الى ان وضع الاعلام المرئي في لبنان انعكاس مباشر للواقع السياسي والاجتماعي الذي سمح للطوائف اقامو غيتوات اعلامية تجاوزت كل ضوابط الدولة، بحيث اصبح البلد يعيش تفلتا شبه كامل على مستوى الاعلام.