نهاد شهاب، أميرة فن وتراث

بقلم: الوزير السابق جورج سكاف (نائب نقيب الصحافة في لبنان)

روعةُ الفولكلور اللّبناني في أشيائِه الحبيبة الغالية أن يكونَ له الجوار الأحبّ إليه، هو جوار القلب، ينعمُ بدفئها النعماء. والفولكلور اللبناني هو أغلى الغوالي تجلو في إطلالاته georges-skaffالمُشرقة باكورةٌ إثر باكورة، في أداءٍ تمجّده المسامعُ وما بعد المسامع بلّذة ومِتعة لا تنالُها مََلالة. في هذا المناخ اللبناني الفولكلوري الإبداعي تطالعنا نهاد شهاب في كتابها الذي يتيهُ كِبراً ويترنّح دلالاً ويتسامى قدراً.

على أَدراج هياكل الفن الشعبي الناهض صعدت الصبيةُ الحلوة محمّلة بأغمار مواويل الجبل واصداء البوالزلف وحداء أودية العتابا والميجانا ودبكات ساحات القرى في مواسم الاعياد.

بخُطى رشيقةٍ مُعبّرة، دخلت الأميرةُ الشهابية المسرح الرحباني تتماهى مع الأغاني الرقيقة العذبة والألحان الرائعة، حركات أجسام جزلى، تكتب الأَحرف الموسيقية تلويحة أيدٍ زائغة وليّ خصور ضامرة وخفقة أثواب مزركشة، فتروي قصصا من التاريخ عن أمجاد يُعتز بها وتراث أثيل لشعبٍ لا يزال يُبهر الألباب منذ آلاف السنين.

خطت نهاد شهاب بالفن الشعبي اللبناني خطواتِ أميرةٍ من الجبل، بطلّة شهامة وأناقة، وشمخة رأس وخبطة قدم.

قبل ان تبدأ مسيرتها الفنية عرفها الدكتور نايف المعلوف، المدير الممتاز لوزارة التربية ومركز التعليم العالي، وقد أمضت سنوات عديدة في الوزارة، فرآها تعمل في إعداد الأجيال لبناء وطنٍ مُوحّد الأهداف فتميزت، يقول، بعقلها المُنظم وبمواهب فنّية تجلّت في المعارض التشكيلية برسومها ومنحوتاتها وإعجابها الشديد بالفنون الشعبية اللبنانية. وكم ابدعت في هذا المجال في مهرجانات بعلبك وفي غيرها. إنها أميرة، يقول الدكتور معلوف: ليس فقط لانها تعود بنسبها الى الدوحة الشهابية، بل كذلك لأنها بَََنَت حياتها على الاستقامة.

رآها تنطلق من مهرجانات لبنان لتكون سفيرة الفن الشعبي اللبناني في بلاد الانتشار، حيث اقامت مهرجانات شعبية عديدة، تابعناها في الصحافة بفخر واعتزاز، وفي عيد الاستقلال عام 1969 صدّرنا صحيفتنا بصورة لها بالالوان وبعنوان كبير: نهاد شهاب تُلبنِنُ الجيلًَ الجديد من المغتربين، مع كلمة رائعة للزميل الأعز جميل ألوف تقول: نهاد شهاب سفيرة فوق العادة.

عندما عادت من جولتها الفنية العالمية منحها شاعرُنا الكبير سعيد عقل جائزته: “على نقلها الى عواصمِ الإنتشار اللبناني فنّنا الشعبي الجميل مُتجلّياً على الأخص بالرقص واللّباس والعظمة في اطلاع المناظر. وقال: بفضلِ هذه الفنانة الشجاعة والتي يضجُّ في دمها عنفوانُ رقصنا وبراءتُه كما تطوّرَ في أعياد القرى اللبنانية، أخذ الناس يشهدون في كندا والمكسيك والبرازيل فرقَ هُواةٍ بمستوى المحترفين. وأضاف: نهاد شهاب ترقصُ لبنانيّا وتُغنّي لبنانيّاً وتبعثُ في الزيّ روحَ ألبِسَةٍ لبنانية تؤلف بين الجَلال والبساطة او بين الأناقة وتعدّدية اللّون مما يردّك الى أيام المجد التي رصّعتها عذوبةُ الأَميرات اللبنانيات. وختم قائلا: هذه الأميرة من صميمِ الشعب التي أسهمت في جعلِ رعشةِِ الفن تلفحُ لبنان والعالم الجديد.guilaf al kitab

شهد على ذلك سفيرنا الأغلى فؤاد الترك الذي أمضى أربعين عاما في السلك الدبلوماسي يُلبنِن المغتربين، فاستقبل نهاد شهاب في كولومبيا لنشر الفولكلور اللبناني وتعليمه لأبناء المغتربين فتجلت مقدرتُها ومواهبُها الفنية وقال: ظلت الجالية اللبنانية تتغنى بالنجاح الكبير الذي حققته هذه الاميرة الشهابية، فكانت خيرَ سفيرةٍ لوطن الأرز.

اليوم تعيدنا نهاد شهاب في كتابها “مع الفن والتراث” الى أيام عز امارة الفن الشعبي اللبناني التي بسطت سيطرتها على محطات الشرق عامة وعلى بلاد الانتشار قاطبة. فتوقظ فينا عوالم من متعة المُشاهدة وعمرا من نشوةِ الطرب. تضعنا، بين دفتي كتاب، امام مسرحيات تنبض بالحياة وتتمايل على صفحاته حلقات شُبان شجعان وصبايا رشيقات في رقصات بهية تعيد اجيالا عديدة الى أيام الفتوة والزهو وكتابة الفرح بقوامٍ مضيئة وأنغام ساحرة.

في كتابها الوجداني الأنيق نرى نهاد شهاب تكتب أجمل سيناريو لمسرحية عاشتها بنفسها، عن أميرةٍ صغيرة، تصفها باسلوبها فتقول: انها نشأت زهرةَََ ليمونٍ في بساتين صيدا، وفراشة تتنقل في أحيائها، ما بين قصورها العريقة وقلعتها التاريخية ومنازل أهاليها الطيبين، وفي الصيف تطفر بين كروم جدتها تقطف عناقيدها قصصاً وحكايات. فتاة مسحورة بالحب في قرية تشارك باسرها في فرحة عرس بعونة تبني بيتا للسعادة، وعونة مباركة بمأكول الهناء قفف أرز وسكر، جوز ولوز…

نهاد شهاب أميرة فن شعبي جعلته تراثا لأمارة لبنانية لا تهزل ولا تشيخ. إمارة حيّة بفخر وعنفوان، بعزم وعزيمة، برأس مرفوع وصوت عال وأياد مشبكة. تصف أغاني الميجانا والعتابا والشروقيات وابوالزلف بانها تعبير صادق يتصاعد من الأعماق في الأعياد والمناسبات الفرحة. وتقول عن حلقات الدبكة الجميلة المغناج الثائرة يداً بيد ورِجلا مع رِجل تندفع الى الأمام معاً وتميل الى اليمين معا وتضرب الأرضَ معا كإنسان فرد، انها رمزٌ لوحدة الصفوف في صدّ الشر ووحدة القلوب في السرّاء والضراء ووحدة الأماني في الحياة الأخوية”

يا هالصبية الآتية من تراث لبنان الفن، إنك لصفحة مضيئة تشعّ من هذه التقاليد والعادات والأساطير والأمثال الشعبية، صورة حقيقية عنك عايشناها بفرح عظيم ونحياها بحنين دائم الى عصر ذهبي يشمخ في كتابك فلا يُخشى على الماضي البهي أن يزول وهو في حمى الأميرة يتألق مجلوّاً في رونقه وسناه.

******

قصر الاونسكو 21 نوار 2014

اترك رد