في روايته الجديدة “1919” (دار الشروق في القاهرة)، يصطحب الكاتب المصري أحمد مراد قارئه في رحلة إلى الماضي ويقلب صفحات من كفاح بلاده نحو الاستقلال من خلال “أحمد” الثائر بقلب عاشق، المحب للحياة الذي تنتهي حياته بخيانة رفيق دربه.
بطل الرواية “أحمد عبد الحي كيرة” شاب مصري كان أبوه ضابطاً بالمدفعية وألقي القبض عليه وحوكم وأعدم رمياً بالرصاص لدوره في الثورة العرابية في القرن التاسع عشر.
حمل أحمد بين جنبيه شخصيتين: الأولى لموظف مثقف مرح يتقن الانكليزية وليس له شأن بالسياسة، وينكب يومياً على قوارير معمل الكيمياء الذي يعمل به بكلية الطب وله علاقات صداقة مع أساتذة ومديري الكلية.
الوجه الآخر لشخصية أحمد هو الثائر ضد الاحتلال البريطاني والمشارك في محاولة اغتيال حسين كامل، سلطان مصر، مع صديقه نجيب الأهواني الذي حكم عليه بالأشغال الشاقة المؤبدة، إذ سجن جراء إلقاء قنبلة تحت عجلات العربة السلطانية في 1915، ولكن أحمد كيرة خرج لعدم كفاية الأدلة ولعدم كشف الأهواني عن أعماله.
أحب أحمد الشابة نازلي ابنة عبد الرحيم صبري باشا، وكان محافظاً للقاهرة ثم وزيراً للزراعة. وبادلت نازلي أحمد الحب لكنها – نزولا عند رغبة والدها- تزوجت السلطان فؤاد الذي صار ملكا في ما بعد وأصبحت أم الأمير فاروق الذي سيصبح ملكاً بعد وفاة أبيه.
يصف مراد أحداث وشخصيات روايته بدقة، فيصف نازلي عندما كانت تزور صفية هانم زوجة سعد زغلول زعيم ثورة 1919 بالقول: “أفاقت صفية من خواطرها حين التقطت أذناها جلبة العربة عند مدخل البيت. لحظات ولاحت نازلي في فستان يتهادى تحت ركبتيها في خفة. رشيقة كالغزال. عقصت شعرها ضفيرة سميكة تدلت على كتفها قرب وجه تلوح فيه الروافد الفرنسية من أمها صديقة صفية العزيزة التي ماتت منذ سنوات بمرض عضال بعد أن أوصت عليها برعاية صغيرتها”.
يوم زفاف نازلي كان أحمد يصب لعناته عليها فيقول: “اللعنة عليك يا نازلي. لم ضحيت بي وبنفسك. لم اقتلعت جفوني بسكين بليد”. ثم ركن إلى استنتاج بالقول: “أنت يا نازلي الأفعى والتفاحة معاً”.
تابع أحمد حياته بعد نازلي، فأحب الأرمنية سيران التي غيرت اسمها إلى ورد لدى عملها في مجال البغاء المقنن آنذاك، ثم إلى لينا عندما كانت تعمل عند بديعة مصابني في حانة “كافيه إجيبسيان”، وتحولت ورد في ما بعد إلى الرهبنة وتركت عالمها القديم.
وعندما كان أحمد يجلس مع لينا كان يقول في نفسه:”أنا خايف أحبك”، ثم يتذكر نازلي فيشكو قائلا: “نازلي أهدتني ربطة عنق… ساعة جيب (زينيث) موديل السنة… ومنديل بأول حرف من اسمها… (حرف إن بالإنكليزية) الملعونة… قبل أن تأخذ روحي… ثقتي في الحب وفي نفسي… ولدغة لن ألدغها مرة أخرى، فأظن يوما أنني أهل للارتباط… اخرجي يا نازلي من رأسي… ابتعدي… فليأكلك هنيئاً مريئاً من زار شفتيك بعدي… سيكتشف بصماتي في أول قبلة… امنحيني الفرصة كي أحيا ثانية”.
من بين شخصيات الرواية “عبد القادر شحاتة الجن” الذي كان يعمل مع معسكر الاحتلال البريطاني في مدينة الإسماعيلية على قناة السويس، ثم تحول إلى مناضل وثائر، بعد مقتل أبيه الفتوة شحاتة الجن، على يدي الضابط آرثر وكيل حكمدار القاهرة الذي قتله أحمد.
وتورط عبد القادر- الذي أحب دولت عبد الحفيظ فهمي الصعيدية مدرسة اللغة الإنكليزية التي زاملته في منظمة (اليد السوداء) – مع أحمد في عملية اغتيال محمد شفيق باشا، وزير الأشغال، بقنبلة من صناعة أحمد، ورغم القبض عليه فإنه لم ينطق بكلمة عن أحمد وحكم عليه بالسجن المؤبد لكنه خرج في ما بعد. وكانت “اليد السوداء”، من أبرز المنظمات السرية المصرية التي تأسست بهدف المقاومة المسلحة للاحتلال البريطاني للبلاد.
لكن الطعنة تأتي من الأهواني الذي يشي بصديقه أحمد للإنكليز مقابل مكافأة مالية، ويموت بطل الرواية بعد تبادل لإطلاق النار في مواجهة زميله والإنكليز بعدما أصبحوا في الجانب نفسه.
وتنتهي الرواية بسرد نهايات أبطالها إذ “مات سعد زغلول في 23 أغسطس من عام 1927… اعتنقت نازلي المسيحية ثم توفيت في مايو 1978 في لوس أنجليس بأمريكا عن عمر يناهز 84 عاماً… عاش عبد القادر شحاتة حتى عاصر جلاء الإنكليز عن مصر في 1954 ولم ينس يوما دولت… أو يعرف مصيرها… لسنين طويلة انتظرت ورد ظهور أحمد… تركت الرهبنة في منتصف الثلاثينيات قبل أن تغادر مصر إلى مكان غير معلوم”.
ورواية “1919” رابع عمل لمراد الذي درس التصوير السينمائي وصدر له “فيرتيجو” التي نالت جائزة البحر الأبيض المتوسط الثقافية في إيطاليا، و”تراب الماس” و”الفيل الأزرق” التي نالت المركز الأول في مبيعات الكتب بمعرض القاهرة الدولي للكتاب 2013 ، وبلغت القائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر) لعام 2014 مع خمس روايات لكل من العراقيين إنعام كجه جي وأحمد سعداوي، والمغربيين عبد الرحيم الحبيبي ويوسف فاضل، والسوري خالد خليفة. وسيعلن اسم الفائز بجائزة البوكر في حفل يقام يوم 29 ابريل عشية افتتاح معرض أبوظبي الدولي للكتاب.
متميز للغاية
تحياتي وخالص احترامي