بقلم: الأديب مازن ح. عبّود
“طفلي يا رضيعاً لم تلده أمه بعد، أتراك توافي بعد أيام !!! يا صغيري، آمل لو كنت أعلم ما ستكون عليه أو كيف ستكون؟؟ إني وأمك نحبك كيف ما أنت وكيف ما ستكون!!!
يا أمير بيتنا تنتظرك في مطارحنا كل الأشياء والزوايا. يا حبيبي ستعشقك حتما كل الحوائط والقراني.
أحلم يا بني، يا حبيب أمك، أن أعيش كي أراك تكبر في بيتنا الذي سيكبر، ويكبر البيت بصغاره فيلامس الخيال.
نعم، بيتنا من أحلام يا حبيبي. بيتنا من جمال يا صغيري. بيتنا تنطره الملائكة، بعيداً عن الساحرات يا أميري.
ويبحر البيت الصغير بك بعيداً. يبحر إلى حيث الومضات من نجمات. يبحر إلى حيث النغمات أريكة وسرير وحضن دافئ وحياة وغنوة. يبحر إلى حيث الغيمات تحملها الملائكة. أكبر هناك على مهلك. والعب في حقول الغيمات. استلقِ هناك يا حبيبي واقطف من الأحلام عبقاً. لا تكبر سريعاً يا بني فتعرف أنّ الحياة ملؤها مرارة. والمرارة خمير التحول والنضوج.
نعم، ستتعرف على الحياة يوماً يا حبيبي. فتتذوق من حلوها ومرها أطباقاً. نم يا ابني، يا نسري الذي أريد له أن يحلق فوق عقدي ووهناتي وضعفاتي وذكرياتي. إضحك. إلعب. إمرح. ادخل إلى إمارة الأحلام ولا تخرج منها إلا كبيراً.
ستدرك يوماً يا ولدي الذي لم يولد بعد أنّ والدك أخطأ كثيراً ووقع طويلا وبكى عميقاً. فامتدّ جرحه حتى قعر المغاور. انتفخت أحلامه أحياناً وتحطمت عند رؤوس القمم.
يا بني يا رسالة لم تتكشف مضامينها بعد. كن ما يتوجب أن تكون عليه. فكل بشري إنما يولد لرسالة.
أحبك يا ابناً كنت قبل أن تولد. واكبر في دلال أهلك”.
سمع “برهوم” يردد هذه الكلمات أمام النار التي أحب أن يخرجها من اليباس المطروح في الموقد. وقد عشق أن يتأمل النار تولد، فتكبر كي تدفئ وتنير الغرفة حيث يقبع مع أفول كل شمس. ويستكين.
وقبالتها كان يسترجع أعماله في كل يوم ويذريها على بيادر الضمير. هناك كان ينضج أفكاره على نار الحقيقة. وكان ينظر في الموقد الذي يطلّ من الأفياء على عوالم النار والنور والومضات.
أحبّ النور لأنه حياة !!! والموت ليل. تأمل عميقاً في بطن امرأته التي شارفت على الولادة. وراح يتتبع كل حركة فيه. فالقادم ابنه الذي سيزين حياتهما. ويعطيها معنى. فلا يعودان يعيشان لنفسيهما بعد اليوم بل له.
ثمّ راح “برهوم” يسجل كلماته على مفكرته. وكلماته تولد بفعل احتكاك الأقلام بالصفحات. روحها فكر وظاهرها حبر. فكل شيء في أساسه ومضة حتى الحكايات. وراح ينظر إلى النار التي ما انفكت تتراقص في تلك النافذة المتصلة بالسماوات بمدخنة. تأمل في سحرها طويلا وعميقاً، مضى إلى عوالم الخلق والومضات.
استفاق ووجد نفسه وحيداُ على الأريكة غارقاً في أفياء الليل. تركها ماضياً إلى سريره على أمل أن يخطفه النوم هرباً من الظلام.