حوار: ضحى عبدالرؤوف المل
يرتفع مستوى التخيل حين تزداد التفاصيل الواقعية التي تبرز من خلالها معاناة الإنسان، والدراما المثيرة للانفعالات الحسية التي تعطينا إيحاءات بقصص ومسرحيات، ومؤلفات بصرية نترجم من خلالها أحاسيسنا الفنية بحيث نشعر بتغيرات تلامس الوجدان والجوانب الإنسانية التي تحافظ على القيم البشرية وحقوق الإنسان المأزوم اجتماعياً، وهذا ما نراه في أعمال الفنان ” عباس مكي” وقدرته على صياغة رؤاه الثقافية ومفاهيمه الحياتية من خلال لوحات تحمل عناوين مختلفة من حيث الأبعاد الفلسفية الظاهرة في أعماله التشكيلية . حول اعماله الفنية كان لنا معه هذا الحوار..
1- ألالوان الداكنة في أعمالك غارقة بالدراما، بمفهومك الخاص كفنان ما هي خاصية الالوان الدرامية؟.
فيما يتعلق بالألوان الدرامية كما اسميتها في أعمالي، فإنه لا بد لي قبل الإجابة من أن أعرج على تعريف بسيط، ربما يوضح السؤال أو الإجابة على حد سواء، فاصطلاح الدراما بشكل عام، بالنسبة للمثقف، هو شكل من أشكال التعبير عن فكرة تمس الحياة الإنسانية على اختلاف جوانبها، وهو شكل تعبيري يحاكي الواقع ويعكسه بكل آلامه وأحزانه، أما بالنسبة للعامة، فالدراما هي تعبير عن الحزن والأحداث الحزينة. أما في الرسم فاللون يلعب هذا الدور في عملية عكس الواقع، بحسب رمزية اللون وعلاقة هذه الرمزية بثقافة المجتمع التي ينتمي إليها الفنان. فمثلا نحن اعتدنا أن الألوان القاتمة واللون الأسود هي ألوان الحزن بينما يرمز اللون الأسود إلى الأرض والخير في الفن المصري القديم. أما في أعمالي فالألوان ترمز إلى ما درجنا على فهمه في مجتمعنا.
2- في عمق اللوحة معاناة ذاتية مرتبطة بالمعاناة الإنسانية، ما السبب في ذلك؟
طبعا فالفن فعل وتعبير إنساني، وأنا برأيي هناك الكثير الكثير من القضايا التي تحيط بنا والتي لا يمكن إلا أن يتأثر بها الفنان، فالحروب والآلام والأفراح والأحزان ومشاعر الحب والفرح كلها تشكل مادة لي دون تكلّف.
3- في لوحاتك لغة صامتة توحي بالهدوء الشديد المرافق للتعتيم، بماذا تفسر ذلك؟.
قد أعجبني كثيرا تعبيرك “التعتيم”، نعم التعتيم والضبابية هما رمزان للمجهول، والمجهول غالباً ما يختبئ في الصمت والسكون لأنه عندما يتخذ شكلا متحركاً لا يبقى مجهولا.
4 – هل من مخاوف نفسية ترافق مراحل خلق اللوحة عند عباس مكي؟.
في الواقع لا توجد مخاوف نفسية بالمعنى الحقيقي للخوف في مراحل خلق اللوحة، ولكن يوجد نوع من التردد في كل مرة أقوم برسم لوحة، وهناك سؤال أطرحه دائماً على نفسي وهو:” ما الجدوى من رسم لوحة ما ؟” وطبعاً هناك إجابات عدة لهذا السؤال.
5- متى تمسك الألوان الزاهية ؟. ومتى تحتاج الألوان الباردة؟.
إن استعمالي للألوان الزاهية والألوان الباردة قد يكون في نفس الفراغ (فراغ اللوحة)، ولكن قد تهيمن لونية على أخرى لأغراض تشكيلية حيناً وتعبيرية حيناً آخر، وقد تتفاوت النسب في المساحات المخصصة لكل لون “والضدّ يظهر عكسه الضدّ” من إجل إحداث توازنات اللوحة. أما إذا كان المقصود من استعمال الألوان الزاهية التعبير عن الفرح فهذا أيضاً جائز.
6- لوحاتك غير محدودة بأطر إنسانية بل هي مفتوحة على تأويلات عديدة هل تقصد ذلك؟
حتى لو خرجت اللوحة عن كونها تصوّر مشهداً إنسانياً فإنها لن تكون بعيدة عن الإطار الإنساني، فالإنسان محور القضايا ومحور الوجود، وكل ما يدور في فلكه يتأنسن بإسقاطنا عليه من إنسانيتنا، ففي رسمنا للطبيعة تعبير عن الإنسان، فالفنان يستعير من الطبيعة ويوظف عناصرها لتحلّ محله فتكون البورتريه الآخر له من خلال ملامحها الجامدة التي لا تلبث أن تصبح إنسانا يضج بكل أشكال الحياة.
7- ما هو المفهوم الفني الذي تحمله وتحاول ترك رسالة من خلاله؟
إن مفهوم “عباس مكي” للفن يختصر في مدى تفاعله من خلال فنه مع المحيط، المحيط الكوني بكل عناصره، فالإنسان الفنان جزء لا يتجزأ من هذه المنظومة ويجب عليه محاولة فهمها والتفاعل معها بكل ما فيها من جمال وخير. الهدف دائماً هو المحاولة الدائمة لعدم الانغماس في المادة.
8- لوحاتك تحمل أنماطاً من مشاهد مسرحية وكأنها انتزعت من مسرحيات مكتوبة تنادي بحماية البشرية هل هذا نتيجة المخزون الثقافي عند عباس مكي؟.
لقد أعجبني سؤالك كثيراً خاصة أنني قد باشرت عملي على أطروحة الدكتوراة التي أتناول فيها هذا الموضوع، وهو علاقة الفن التشكيلي بالفن المسرحي وهي علاقة وثيقة فمصممو المشاهد المسرحية (السينوغراف) هم فنانون تشكيليون أيضاً يصيغون السيناريو من خلال تجسيده لونا وديكوراً وإضاءة في فراغ ثلاثي الأبعاد، بينما اللوحة وهي فراغ ثنائي الأبعاد لكنه تعبير لفراغ ثلاثي الأبعاد، وعلى اللوحة أن تكون هادفة كما المسرح فلوحة بلا قضية من وجهة نظري الخاصة هي كمسرحية بدون موضوع أي نها مجرد حركات غير مرمّزة.
9- متى تقف وترسم في الشارع بسرعة لتلتقط المشهد المأساوي أو المفرح؟.
عادة أقف في الشارع لألتقط الشارع بكل ما فيه، لكنني لا أرسم في الشارع، فالمحترف هو المكان الذي استعيد فيه وبكل عفوية ما بقي من مشاهداتي، ولي البصرية منها فقط، بل أذهب أبعد من ذلك.
10- ماذا تقول لمن يقرأ لوحاتك الفنية؟
كما كنت قد بدأت معك حديثي، هناك نوعان من قرّاء اللوحة: المثقفون والعامة، حتى أننا لا نستطيع أن نتصور قراءة واحدة للوحة واحدة، فالخلفيّة الثقافية ووجود الذاكرة المشتركة أو عدم وجودها بين الفنان والمتلقي قد يؤثر في كيفية قراءة اللوحة، واللوحة تقرأ بظاهرها وباطنها، لكني أدعو إلى قراءة العمل الفني على أساس أنه فعل إنساني وهو حصيلة تجربة إنسانية يعبر عنها فرد واحد وهو الفنان.