“بنات أحلامي” لعزة رشاد… بين عتمة المجهول وضوء الحقيقة

بقلم: جورج جحا

“بنات احلامي”  مجموعة قصصية جديدة للكاتبة المصرية عزة رشاد، صادرة حديثاً عن “مؤسسة كتاب اليوم” ضمن السلسلة الثقافية التي تنشرها aza-2“دار أخبار اليوم” في القاهرة (111 صفحة صغيرة القطع مع لوحة غلاف للفنان مصطفى حسين)، تجمع بين دفّتيها 11 قصة تتسم بدقة التفاصيل وبسرد جاذب ووقائع ملتبسة تراوح بين الوهم أو الحلم وبين الحقيقة.

ولعل الحقيقة في القصص تأتي محاطة بأجواء غامضة وبشعور من عالم اللاوعي يجعلها أقرب إلى الوهم والخيال، ويكون للخيالي فيها صورة مشتهاة حيناً أو صورة تهرب من الحياة الحقيقية حيناً آخر. في كثير من القصص، رغم بساطة العرض والوصف، أجواء سريالية تتردد في حالات كثيرة فضلا عن تفاصيل شبه كابوسية في مجالات عدة.

في القصص تجعلنا المؤلفة نعيش أحياناً مع النوازع البشرية المختلفة، وقد لا تأتي بهذه النوازع جلية بل هي عندها خبيئة تحتاج إلى جهد للكشف عنها أو التكهن بها. وفي أحيان أخرى أقل غموضاً نجدها ضبابية غائمة، إلا أن ذلك يزيد من فضول القارىء ويقوي عامل التشويق.

حب وكراهية

قدم الدكتور أحمد الخميسي للمجموعة القصصية، مركزاً  على تفاصيل بارزة فيها. يبدأ بتناول قصة معينة في مجموعة “بنات أحلامي” فيقول إن عزة رشاد “تقدم لنا عظمة ومأساة توارث الحب والكراهية والغيرة، وتلقي الضوء، كما في القصص الأخرى، على حياة البشر المتنوعة والثرية ومغزى وجودهم والعلاقات المرهفة والمعقدة بينهم، والذكريات التي تشكل أحياناً كل وجودهم وأحلامهم بمجتمع أكثر رأفة وعدالة والعذابات الروحية والمادية.

يقول: “لن تجد عند عزة رشاد موضوعاً زاعقاً أو صاخباً أو لافتاً للنظر. إن موضوعها هو الحياة البسيطة اليومية التي تمضي دون انتصارات استثنائية او انكسارات مدوية، حياتنا الاعتيادية التي يعد استمرارنا فيها عملا بطولياً. خلال ذلك تمسح عزة رشاد عن أرواحنا غبار الحياة اليومية لنواجه أنفسنا بالسؤال: أهذه هي الحياة التي ينبغي أن نحياها؟! أو أن نسأل ما قيمة أن أمشي بدون جناحين يحملانني إلى عوالم تعجز قدماي عن الوصول إليها؟! كما تساءلت بطلة قصتها “قطوف دانية”.

يضيف الخميسي: “إبداع الكاتبة يتسم “بالنبرة الخفيضة التي تشبه طفلة مختبئة خلف شجرة وارفة الظلال وتحاول أن تهمس إليك بالحقيقة بينما أنت تعبر الطريق.”

يوضح أن الطبيبة عزة رشاد تثبت بروايتها الأولى “ذاكرة التيه” وبمجموعاتها القصصية، خصوصاً  “بنات أحلامي”، قدرتها على السرد بكل أساليبه بروح شاعرية تنير بخفوت مواقع الأحداث ونفوس الشخصيات وتأسى لأحوالها بعطف جميل يمتاز به كل كاتب كبير حقاً.

آمال وخيبات

في قصة “الياسمين الشائك” تتحدث الكاتبة بهدوء حازم. ومع أن كلامها أحياناً يفيض دعابة وسخرية فهو لا يهدر ساعة الغضب، ولا يميل إلى الانطفاء عند وصف الخيبات والآلام. إنها قصة عائلة تعاني بعدما فقدت الاب والزوج المعيل وتسلط شقيقه العم على قسم كبير من دخل العائلة من دكان مشترك. البنت الكبرى هند يأتيها خطّاب وسرعان ما يخفق الأمر، لأن الأم تطلب شقة سكنية بناء على طلب الزوج الراحل ذلك منها في الحلم، ونتيجة اختلاف على “الشبكة” وغيرها من الذهب الذي يقدم إلى الفتاة كل مرة.

الجو في المنزل يختصر في قول البنت الصغرى: “أراقب هند تتقلب في فراشها صامتة وأصغي إلى وقع خطوات ماما الهامس في الصالة، فأشعر بأننا شركاء في لعبة تتظاهر كل منا بأن كل شيء على ما يرام.”

في قصة “عن ترميم الأحلام” تصوير للظلم والاعتداء. يترجح السعي إلى الانتقام بين التمني والفعل. وفي حال المعتدى عليها جنسياً يبدو أن الشعور بالعدالة -نتيجة انتقام- هو عامل شفاء جسدياً ونفسياً.

في قصة “عن النجوم البعيدة” كلام عن سوء الفهم والأوهام التي تسيطر على عقل الإنسان خصوصاً عند وقوع موت في العائلة. العالم هنا وفي قصص الكاتبة، دائم المراوحة بين عتمة المجهول وأضواء الواقع… وبين هذه وتلك تتحرك الحياة.

في قصة “غزوة الأزرق” وصف دقيق وناجح وظريف لحالة كثيراً ما يتعرض الإنسان لمثلها. صراع بين ذبابة زرقاء وبين بطلة القصة أدى إلى تحطم كثير من الأشياء القيمة في البيت، انتهاء إلى ابتلاع الذبابة عن طريق خطأ بعد دخولها الفم المفتوح. حديث عن محاولات البطلة “تطهير” داخلها بزيت الخروع وغيره قبل وصول الضيف المهم إلى عمل زوجها.

وعند مجيء الضيف وزوجته لم تستطع البطلة لضعفها الناتج عن شرب زيت الخروع أن تفتح الباب لهما فانصرفا حانقين. ثم تأخر الزوج أيضاً بعدما  أدت ذبابة زرقاء حطت على زجاج سيارته الأمامي إلى اصطدامه بسيارة أخرى.

في القصة وصف دقيق وصريح وظريف لعبثية الجهد الإنساني، أحياناً، إزاء أمور تبدو لنا تافهة بل مقرفة. إنها حال تنتهي بالضحك كما حدث للمرأة عند وصول زوجها ومعرفة ما جرى لهما معاً. تقول واصفة صراعها مع الذبابة: “صفعت ذراعي بقسوة آملة في قتل الحقيرة. أمل لم يتحقق لسوء الحظ بل يبدو أنه استثارها واستفز همتها، إذ عمدت إلى مهاجمتي بشراسة. حتى قفاي لم تعتقه! أدركت أنني تسرعت في تقديرها وفي نعتها بالغباء. يجب أن نعطي كل ذي حق حقه وأن… نعدل استراتيجياتنا مع كل اكتشاف.”

في قصة “لو أنك وردة” لعب على حدود الاثنين: الحلم والواقع، ويصل إلى نتائج ملتبسة. الابنة العزيزة غير القادرة على القيام بشيء بنفسها تتحول في الحلم إلى سارقة ناجحة سرقت خزنة والدها ووضعت محتوياتها في حقيبة حمراء. سرقت مال أبيها الذي لا يبخل عليها بشيء، وهو في النتيجة مال سيكون لها وليست بحاجة إلى السرقة. العلاقة بين أمها وأبيها -كما اكتشفت- هي غير ما كانت تعرف. وفي اليقظة تعثر على حقيبة أمها الحمراء وتجدها محشوة بمال أبيها.

في قصة “ديوان المظالم” عالم حلم وفيه كما في قصص أخرى يبرز جو من الفقد.. الأم الغائبة مثلا والولد الباحث عنها… أو الأب الغائب الذي يخلف وراءه حزناً ولوعة. يبرز هذا الفقد في الواقع وفي الأحلام. ويشكل الهرب من عالم الواقع إلى الحلم عودة إلى فردوس مفقود هو عالم الجد والجدة وأيام الصغر. في القصة أجواء كابوسية وسريالية في أكثر من مجال كأن نشهد في الحلم كائناً معدنياً مخيفاً.

اترك رد