في ذكرى 50 عامًا على اغتياله تستعيد الولايات المتحدة “أيام كنيدي الأخيرة”

بقلم: سليمى شاهين- دالاس

John_F._Kennedy_300عشرات الكتب والمجلات انطلاقًا من مجلة لايف تتصدّر واجهات المكتبات لتعرض بعض بعد خمسين عامًا مراحل اغتيال الرئيس الأميركي جون كنيدي. ولم يدع البروفسور بيل أوريلي هذه المناسبة الهامة تمر، فأصدر كتابًا بعنوان “أيام كنيدي الأخيرة”، وقد اعتبرته مؤسسة “نيويورك تايمز” أحد الكتب الأكثر مبيعًا.

تعود الذكرى بالأميركيين في هذه الفترة إلى عهد رئيس جمهوريتهم جون فيتزجيرالد كنيدي، الشاب الذي عقدت الأمة الأميركية آمالها عليه، وإذا بيد الغدر تغتاله في 22 تشرين الثاني من العام 1963، فيبكي الأميركيون ويبكي العالم بأسره معهم على تلك الإطلالة التي كانت تدغدغ أحلام الشباب وتعدهم بمستقبل زهر اقتصاديًا وعلميًا وأمنيًا.

خمسون عامًا

مرت خمسون عامًا على الأميركيين بسرعة البرق. وفي هذه الذكرة انطلقت الصحافة لتفتح ملفات تلك الفترة المؤثرة من تاريخ أميركا والعالم، وامتلأت الواجهات بالمجلات والكتب من مختلف الاتجاهات السياسية والاجتماعية، تضع المقالات وتعرض الصور وتحلل المواقف استنادًا إلى الواقع أحيانًا، واعتمادًا على نسج مخيلات رجال الأعلام أحيانًا أخرى.

لقد كان اغتيال الرئيس جون كنيدي لغزًا حيَّرَ الإدارة الأميركية لسنوات عدّة ولا يزال، وأربك الشعب الأميركي الذي ألّف عن مقتله روايات وسينارويات تفوق التصوّر وتتعدى الخيال.

ليس أوّل الكتب

رأى البروفسور الجامعي بيل أوريللي أنّ الفرصة سانحة لاغتنامها وهو الخبير في سرد الاغتيالات، فقد نشر سابقًا كتابًا بعنوان “مقتل لنكولن”، آخر بعنوان “مقتل كنيدي”، وثالث بعنوان “مقتل يسوع”، وها هو اليوم ينصرف إلى سرد محطات رئيسة من حياة كنيدي في كتاب دعاه “أيام كنيدي الأخيرة”.kenedy

وضع المؤلِّف كتابه في مقدّمة وأربعة أجزاء تتناول المرحلة التي تولى كنيدي فيها مسؤولية الرئاسة انطلاقًا من 20 يناير 1961 عندما أقسم المين مردّدًا حلفانه أمام رئيس القضاة، إلى 22 نوفمبر يوم اغتياله لي هارفي أوزولد في مدينة دالاس. ثم يأتي بعد ذلك على ما وثّقه من مراجع ونتائج تحقيق ومقابلات.

صناعة البطل

بسط جون فيتزجيرالد كنيدي يده وأقسم على خدمة وطنه وشعبه في العشرين من كانون الثاني 1961، فغدا الرئيس الخامس والثلاثين للولايات المتحدة.

لم يحظ كنيدي بأكثر من 49% من أصوات الناخبين مما يعني أنه لم يتمتع بأكثرية شعبية، لكنه عندما فاز غمرت الأميركيين موجة عارمة من مشاعر الفرح، ويعزى ذلك إلى عمره الشاب آنذاك إذ لم يتجاوز الثالثة والأربعين، وإلى حيويته البالغة، وإلى تقربه من وسائل الأعلام واستمالتها إليه، فبدا للجميع أن مستقبلاً جميلاً ولامعًا قد أطلّ على البلاد.

منذ أوّل إطلالة بعد استلامه كرسي الرئاسة، ضمّن خطابه تعابير وطنيّة نخلب الألباب وتزرع الطمأنينة في صدور مواطنيه، هو الذي سيمحي وسيحافظ سيدافع عن دستور بلاده. وكانت تقف إلى جانبه زوجته جاكلين التي سحرت قلوب الجماهير برقتها وحسنها ولياقتها في مخاطبة الناس.

بعد أن عرض كنيدي رؤيته الخاصة لمستقبل بلاده في خطاب رنان، دخل إلى مكتبه في البيت الأبيض واجتمع بمستشاريه للبدء بوضع خطط إبرازه كبطل وطنيّ يحظى بثقة شعبه ويتطلع إلى تأمين حياة كريمة لكل أميركيّ. وكانت خلفيّة عائلته ذائعة الصيت بغناها وتضحيتها وخدمتها لوطنها، كما كان هو أيضًا يحمل وسام الحرب ووسام الجرحى بسبب إصابته في معركة حربية في الحرب العالمية الثانية، وفوزه بجائزة بوليتزر عن كتاب وضعه في العام 1956 بعنوان “شخصات شجاعة” يستعرض فيه رجال السياسة الذين لم يتورعوا عن فرض آرائهم ولو اضطروا للمخاطرة بسمعتهم.

انصرف كنيدي إلى الإصلاحات الاجتماعية فوضع برنامج “البطاقة الغذائية”، ورفع بدلات العاطلين عن العمل. ثم انصرف إلى تعزيز القوى العسكرية فأطلق مشروعًا لتسليح يتضكن مضاعفة هدد الصواريخ النووية البالستية عابرة القارات (بولاريس)، وأنواع أخرى من الصواريخ الاستراتيجية. لكن نقطة سوداء بقيت تلطخ سيرته عندما فشل في احتلال “خليج الخنازير” واغتيال فيدال كاستروا، وكان يقول لبطانته إن وكالة الاستخبارات CTA هي التي ورطته في هذه المسألة.

صناعة قائد

مسؤولية رئيس الجمهورية ليست في البطولة فقط، بل تتجلّى في القيادة الحكيمة التي تدرك الأبعاد وتسترف المستقبل، وقد وصل جون كنيدي بسرعة إلى هذه المرحلة، وتابع إصلاحاته فعيّن الحدّ الأدنى للرواتب، ولاحق تطوّر الدراسات والاختبارات الفضائية فكان الرائد جون غلين أوّل من دار حول الأرض خارج نطاق الجاذبية، وقد أعلن كنيدي في جامعة رايس- هيوستن عن أمله في مشاهدة أوّل أميركي يطأ قدمه سطح القمر قبل انتهاء عقد الستينيات.kenedy 1

أما على الصعيد العنصري فقد أصدرت المحكمة العليا أمرًا لجامعة ميسيسيبي بقبول جايمس ميريديث، وهو أول طالب أسود من أصل أفريقي أميركي يدخل إلى هذه الجامعة بحماية الحراس الفدراليين. كما استقبل كنيدي في مكتبه مارتن لوثر كينغ إثر قيادته مظاهرة تطالب بالمساواة بين البيض والسود في حقوقهم المدنية.

لكنّ الحدث البارز الذي استدعى أنظار العالم وجعله يقف على مشارف الهاوية عة في اكتشاف طائرات التجسس الأميركية مواقع للصواريخ النووية أنشأها الاتحاد السوفييتي في كوبا. ولم يكن في استطاعته كنيدي إلاّ ضرب هذه المواقع مما سيؤدي إلى حرب نووية أو الخضوع لتهديد هذه الأسلحة القريبة من بلده.

بعد أسبوع من هذا الاكتشاف ألقى جون كنيدي خطابًا يعلن فيه رغبته في إقامة حصار بحري على كوبا يمنع من خلاله دخول شحنة صواريخ جديدة محملة على بوارج سوفياتية، وطلب من خروتشيف إزالة الصواريخ الموجودة. وقد أدى ذلك الموقف إلى القبول بإزالتها إن تعهدت الولايات المتحدة بعدم غزو كوبا.

الاغتيال

كانت سيارة الرئاسة تسير وسط الجماهير التي تتأهل برؤية قائدها الشاب في أحد شوارع دالاس عندما انطلقت رصاصة الموت واخترقت جسده فأردته قتيلاً.

لي هارفي أوزوالد، 24 عامًا، كان الشخص المتهم بقتل الرئيس الرابع الذي يذهب ضحية اغتيال والثامن الذي يموت وهو في منصبه، ولدى إلقاء القبض عليه عشية يوم الاغتيال نفى علاقته بالأمر وزعم أنه قد غرّر به. وبعد يومين بينما كان التلفزيون يصوره على الهواء، قام جاك روبي باغتياله مطلقًا عليه النار من مسافة قريبة.kenedy 3

لا تزال الشائعات حول مقتل جون كنيدي تتضارب بعد مرور 50 عامًا على اغتياله. فمنهم من يتهم الاتحاد السوفياتي بقتله، والبعض يرجعه إلى المنظمة الأميركية العنصرية كوكلوكس كلان، وآخرون يتهمون المافيا العالمية، أما الحقيقة فقد تكون بين أيدي أجهزة الاستخبارات التي لن تفرج عما توصلت إليه قبل العا 1917.

أما من قال في أول خطاب له: “أنتم، مثلي، أيّها الاميركيون، لا تسألوا عما يستطيع وطنكم أن يفعله من أجلكم، بل اسألوا أنفكسم عما تستطيعونه أنتم من أجل بلدكم”. فقد ووري الثرى في مقبرة أرلنغتون الوطنية وبقيت ذكراه في قلوب الأميركيين

اترك رد