“شعر محمود درويش … إيديولوجيا السياسة وإيديولوجيا الشعر”، كتاب جديد صدر للباحث الفلسطيني شكري عزيز ماضي عن “المؤسسة العربية للدراسات والنشر” في بيروت وعمان (157 صفحة كبيرة القطع) يحذر فيه من أمرين بالنسبة إلى دارسي الشاعر محمود درويش ومحبيه هما : تحويله إلى أسطورة من جهة واختزاله في صورة مصطلحات معينة من جهة أخرى.
في الفصل الأول “الخيال السياسي والخيال الشعري” يقول الكاتب إن لتجربة درويش الشعرية ظواهر مهمة منها أنها “ولدت ونمت وتطورت في حضن صراع سياسي طويل ومعقد، وهو صراع له أبعاد فكرية وحضارية وإنسانية… وتنهض تجربته الشعرية على مجموعة من المرتكزات مثل: الشعر/ الإنسان/ الحرية/ المكان/ المتلقي/ المستقبل.”
يرى أن تجربة الشاعر الفلسطيني تجسد علاقة جدلية بين الشعر والحرية… فشعره ينبثق من الحرية ويسعى نحوها ويطمح، على الصعيد الفني، إلى التحرر من القولبة والتحديدات والأطر المتنوعة.
يضيف: “قصائده متطورة ومتجددة تبعاً لتطور مفهومي الشعر والحرية معاً. فتجربته الشعرية ليست كلا موحداً وإلا أصبحت قصائده نسخا متكررة… تنطوي قصائده على تفاعل وصراع بين السياسي والفني، أو بين الضرورة والحرية، أو بين صوت الإيديولوجيا السياسية وصوت الشعر، إذ يلمس المرء أن هناك تنافسا بين الخيال المقيد بإملاءات الأحداث التاريخية والخيال الشعري ذي الأفق الطليق، كما يلمس أن محمود درويش يطمح منذ البدء – وهذا من خلال قصائده- إلى أن يكون شاعراً لا سياسياً، وفناناً لا مؤرخا.”ً
انطلق ماضي من فرضية، هي تحول محمود درويش “من شاعر المقاومة إلى شاعر الحرية أو تحول شعره من إيديولوجيا السياسة إلى ايديولوجيا الشعر، وفي سبيل التحقق منها توقف البحث عند نصوص شعرية متنوعة، شملت معظم إنتاجه الشعري، بدءاً من أول ما كتب وانتهاء بآخر قصيدة ألقاها قبل رحيله “لاعب النرد.”
وتوصلً إلى استنتاجات من بينها: تجربة درويش الشعرية ولدت ونمت “في ظل سياق خاص، وهو سياق النصف الثاني من القرن العشرين الذي شهد الاحتلال والصراع وتجربة الكفاح المسلح وتعثرها “الجزئي” وتجربة الصمود “والبقاء” والاغتراب داخل الوطن وتجربة المنافي والرحيل الدائم”. لكن ذلك لم يكن “العامل الحاسم في شعريته وإبداعه”.
يتميز صوته الشعري بخصائص فنية وفكرية عامة من أهمها أن تجربته ترتكز على محاور أساسية هي… الشعر/ الإنسان/ الحرية/ المكان/ المتلقي/ المستقبل إضافة الى البحث الدائم عن نظام جديد في الكتابة الشعرية في سبيل التوصل إلى جماليات، تمكن من صوغ قصائد تكشف العلاقة بين جوهر اللحظة الزمانية والمكانية (التاريخية المعيشية) وجوهر الحياة أو مسوغ الوجود المتمثل في الكفاح الإنساني الشامل في كل زمان ومكان.
مفهوم درويش للحداثة خاص إذ يعني تجديداً مستمراً في نظام القصيدة، ولكنه تجديد يأتي تلبية للمتغيرات والأسئلة والتحديات المنبثقة عن حركة الزمان في سبيل تصويرها وتعليلها وتفسيرها فنياً، فهو تجديد يهدف إلى فهم العالم وحيازته جمالياً فكأن الحداثة لديه تعني… العمل على تحرير الذات الفردية والجمعية والإنسانية.
المتتبع لشعر درويش يلاحظ أنه نجح في تجسيد رؤية جماعية… رؤية فنية يستوي في مدى ارتياحه إليها وتأثره بها المثقف وغير المثقف. وهو من القلائل الذين اسهموا… في ترسيخ تجربة الشعر العربي المعاصر وتأكيد جدواها وفاعليتها.
إن تأكيد تميز شعر درويش وحضوره وتفوقه يجب ألا يسمح بأسطرته او تحويله الى أسطورة. فمثل هذا التحويل يجعله ويجعل تجربته عصية على الفهم والتفسير والدرس، إذ تعيد شعره إلى مصادر غير ملموسة وتبدد طاقات إبداعية كثيرة واعدة. ويبدو أن التعامل مع محمود درويش وشعره باعتباره أسطورة لم يقتصر على المرحلة التي سبقت رحيله أو التي أعقبتها وإنما بدأ منذ زمن بعيد.
وينقل الباحث قول درويش نفسه في هذا المجال “ولست قادراً على فهم لماذا لا يزال البعض هنا مصراً على الحاجة إلى أساطير. إنني أعتز بالمعاني التي أرمز إليها… أعتز بالقضية التي أحملها… أعتز بحب الناس الشرفاء وعطفهم على قضيتي. ولكن معاملتي كأسطورة تجرد قضيتي من جوهرها وحقيقتها وتحولها إلى حالة فردية وإلى بطولة فردية، ولست بطلا كما يظن البعض… الأبطال الحقيقيون هم الذين يموتون لا الذين يكتبون عن الموت.”
يقول ماضي: “وفي مقابل الأسطرة هناك من يختزل شعره ويختزل تجربته الشعرية بالقول إنه “شاعر المأساة” أو “شاعر القضية”. ويحسب المرء أن الاختزال يكاد يشكل ظاهرة في حياتنا الأدبية والنقدية العربية.”
سيرة في حياة
ولد محمود درويش عام 1941 في قرية البروة في الجليل قرب ساحل عكا، حيث كانت أسرته تملك أرضاً. مع نكبة 1948 انتقلت الأسرة مع اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان، ثم عادت متسللة عام 1949 بعد توقيع اتفاقيات الهدنة،لتجد القرية مهدمة وقد أقيم على أراضيها قرية زراعية إسرائيلية، فعاش مع عائلته في قرية الجديدة.
بعد إنهائه تعليمه الثانوي في كفرياسيف، عمل في صحيفتي الاتحاد والجديد وأصبح في ما بعد مشرفاً على تحرير الأخيرة، وشارك في تحرير جريدة “الفجر“.
في سينيات القرن الماضي اعتقلت السلطات الإسرائيلية محمود درويش مراراً بتهم تتعلق بتصريحاته ونشاطه السياسي حتى 1972 ، عندما توجه إلى الاتحاد السوفياتي للدراسة، وانتقل بعدها لاجئاً إلى القاهرة والتحق بمنظمة التحرير الفلسطينية، ثم انتقل إلى لبنان حيث عمل في مؤسسات النشر والدراسات التابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية، علماً أنه استقال من اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير احتجاجاً على اتفاقية أوسلو، وأسس مجلة “الكرمل” الثقافية. (1981).
تولى منصب رئيس رابطة الكتاب والصحافيين الفلسطينيين، وأقام في باريس قبل عودته إلى وطنه بتصريح لزيارة أمه. وفي فترة وجوده هناك قدم بعض أعضاء الكنيست الإسرائيلي العرب واليهود اقتراحا بالسماح له بالبقاء وقد سمح له بذلك.
في الفترة الممتدة من 1973 إلى 1982 عاش في بيروت وعمل رئيساً لتحرير مجلة “شؤون فلسطينية”، وأصبح مديراً لمركز أبحاث منظمة التحرير الفلسطينية. بعد الغزو الإسرائيلي للبنان ( 1982) غادر درويش بيروت وتنقل ببن سوريا وقبرص والقاهرة وتونس و باريس.
ارتبط محمود درويش بعلاقات صداقة مع شعراء من بينهم محمد الفيتوري من السودان ونزار قباني من سوريا ، فالح الحجية ورعد بندر من العراق، وغيرهم من أفذاذ الأدب في الشرق الأوسط، وكان أحد أعضاء الشرف لنادي أسرة القلم الثقافي في عمان مع مثقفين أمثال مقبل مومني وسميح الشريف…
توفي في الولايات المتحدة الأميركية في 9 أغسطس 2008 بعد إجراء جراحة قلب مفتوح في مركز تكساس الطبي في هيوستن، ودخل بعدها في غيبوبة أدت إلى وفاته، بعد ما قرر الأطباء في مستشفى Memorial Hermann Hospital نزع أجهزة الإنعاش بناء على توصيته.
أعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الحداد ثلاثة أيام في كافة الأراضي الفلسطينية، حزناً على وفاة الشاعرالفلسطيني، واصفاً درويش بـ “عاشق فلسطين” ورائد المشروع الثقافي الحديث، والقائد الوطني اللامع والمعطاء، وقد وري جثمانه الثرى في 13 أغسطس في مدينة رام الله، و سمي قصر رام الله الثقافي، “قصر محمود درويش للثقافة”.
جوائز ومؤلفات
نال محمود درويش جوائز عدة منها: جائزة لوتس (1969)، جائزة البحر المتوسط (1980)، درع الثورة الفلسطينية (1981)، لوحة اوروبا للشعر (1981)، جائزة ابن سينا في الاتحاد السوفيتي (198)، .جائزة لينين في الاتحاد السوفياتي (1983).
لقب محمود درويش بشاعر المقاومة الفلسطينة ، من أبرز مرلفاته: عصافير بلا اجنحة (شعر)، أوراق الزيتون (شعر)، عاشق من فلسطين (شعر)، آخر الليل (شعر)، مطر ناعم في خريف بعيد (شعر)، يوميات الحزن العادي (خواطر وقصص)، يوميات جرح فلسطيني (شعر)، حبيبتي تنهض من نومها (شعر)، محاولة رقم 7 (شعر)، أحبك أو لا أحبك (شعر)، مديح الظل العالي (شعر)، هي أغنية … هي أغنية (شعر)، لا تعتذر عما فعلت (شعر)، عرائس ، العصافير تموت في الجليل، تلك صوتها وهذا انتحار العاشق، حصار لمدائح البحر (شعر)، شيء عن الوطن (شعر)، وداعا أيتها الحرب وداعا أيها السلم (مقالات).
كلام الصور
1- غلاف الكتاب
2- 3- 4- محمود درويش
5- محمود درويش وياسر غرفات