على ضوء التطورات والمتغيرات الإقليمية الدولية: الحركات الإسلامية والمراجعة المطلوبة (*)

شهدت الأسابيع الأخيرة سلسلة تطورات ومتغيرات مهمة على الصعيدين الإقليمي والدولي، فالتطورات في مصر أدت لإنهاء حكم “الإخوان المسلمين” وبدء حملة قاسية ضدهم من خلال الاعتقالات وإنهاء الاعتصامات الشعبية وشن حملة إعلامية عليهم، وترافق ذلك مع التطورات الخطيرة في منطقة سيناء وتشديد الحصار على قطاع غزة تحت عنوان مواجهة التهديدات الأمنية.

 وفي سوريا وبعد الكشف عن استخدام السلاح الكيماوي والتهديد الأميركي بشن عدوان واسع جرى التوصل إلى اتفاق روسي ــ أميركي لمعالجة هذه الأزمة والعودة إلى الحوار السياسي بشأن الملف السوري.

كما برزت مؤشرات إيجابية حول الحوار الأميركي ــ الإيراني والإيراني ــ السعودي، إضافة لإطلاق مبادرة عراقية لمعالجة الأزمة السورية والإعلان عن ميثاق السلم الاجتماعي في العراق لمواجهة موجة العنف والتفجيرات والسيارات المفخخة والتي تطال مئات العراقيين يومياً.

وبموازاة ذلك نشهد حملة إعلامية وفكرية كبيرة ضد تجربة “الإسلام السياسي” في الحكم ومؤشرات عن استكمال ما جرى في مصر بالعمل لإسقاط حكم حركة حماس في غزة وتجربة حركة النهضة في تونس والتجارب الإسلامية في ليبيا والمغرب ودول أخرى. ويترافق ذلك مع استمرار المفاوضات الفلسطينية ــ الإسرائيلية رغم التهويد واستمرار الاستيطان وعمليات القتل للفلسطينيين. إذاً نحن أمام متغيرات عديدة دولية وإقليمية.

ولقد دخلنا في مرحلة جديدة تحتاج لإعادة قراءة ما يجري بهدوء وروية بعيداً عن الحسابات المذهبية أو الحزبية أو القطرية.
وإزاء ذلك فإن القوى والحركات الإسلامية أصبحت معنية بشكل أساسي بإعادة قراءة ما يجري وإجراء تقييم نقدي لتجربتها خلال السنتين الماضيتين والبحث عن الأخطاء التي ارتكبتها والتي سمحت للقوى والجهات الأخرى بالانقضاض على التجربة الإسلامية الفتية.

لقد شهدنا خلال السنتين والنصف الماضيين (منذ بدء الثورات العربية الشعبية) وحتى اليوم تطورات عديدة وحصلت متغيرات كثيرة وبرز الدور الكبير للقوى والتيارات الإسلامية، مما شكل فرصة كبيرة للإسلاميين لتقديم تجربة جديدة في الحكم وإدارة المجتمع، لكن للأسف كانت النتائج سلبية وتم خلط الأوراق بين معظم القوى، وتقدم الجانب المذهبي والقطري على الهم الإسلامي العام.

طبعاً لا يمكن أبداً إنكار الجهود التي بذلتها القوى المعادية للحركات الإسلامية لإفشال هذه التجربة الجديدة، لكن بالمقابل فإن أداء الإسلاميين لم يكن بالمستوى المطلوب أيضاً.
ولقد بدأنا نشهد حوارات ولقاءات ونقاشات معمقة بين الأوساط الإسلامية لدراسة هذه التجربة والبحث عن الأخطاء وتقييم ما حصل والتحضير للمرحلة المقبلة، وهذا يشكل عنصراً إيجابياً ودليل وعي وإدراك، والمطلوب استخلاص النتائج والبحث عن أفضل الوسائل لتدارك الأخطاء والخسائر.

قد يكون صحيحاً أن الإسلاميين خسروا بعض الجولات، لكن الفرصة لا تزال أمامهم لتقديم تجربة جديدة وليس صحيحاً أن كل تجارب “الإسلام السياسي” قد سقطت، لكن المطلوب الاستفادة من الأخطاء التي حصلت وإعادة تقييم ما جرى، من أجل وضع رؤية مستقبلية جديدة، وهذا ما ينبغي التركيز عليه حالياً.
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ}.

*****************

(*) مقدمة المقتطف 250 الصادر عن “مؤسسة الفكر الاسلامي المعاصر”

اترك رد