بقلم: مؤسسة الفكر الإسلامي المعاصر للدراسات و البحوث (22-8-2013)
مع كل مجزرة ترتكب في عالمنا العربي والإسلامي، ينتابنا الأسى والهول والخوف والقلق والحزن، وتصبح الكلمات عاجزة عن التعبير وعن الأدانة مهما بلغت قسوتها وحدتها وصراحتها، وتتراجع قدرتنا عن تفسير ما يجري أو على تقديم الأفكار والاقتراحات لمواجهة هذه المجازر ولوقف سفك الدماء.
والمجزرة الأخيرة التي ارتكبت في الغوطة الشرقية في سوريا والتي أدت إلى مقتل المئات من المواطنين السوريين ما بين رجل وطفل وامرأة تقشعر لها الأبدان، وهي مجزرة مُدانة ومرفوضة أي كان مرتكبها.
وهذه المجزرة هي جزء من سلسلة المجازر والجرائم التي ترتكب في عالمنا العربي والإسلامي ومنها التفجيرات التي حصلت في لبنان وأدت لسقوط المئات بين شهداء وجرحى، إضافة لما يجري من فظائع في مصر والعراق والبحرين وليبيا وتونس وباكستان وأفغانستان والصومال وميانمار.
والمؤسف أن معظم المجازر والأحداث التي ترتكب في العالم اليوم تحصل في الدول العربية والإسلامية، ما يجعلنا نستعيد بعض الأسئلة التي طرحناها سابقاً وكانت تطرح في بعض الأوساط الفكرية والبحثية، أين تكمن المشكلة؟ ولماذا يتقدم الغرب ولا يزال العرب والمسلمون متخلفين؟ ومن يتحمل المسؤولية عن كل ذلك؟ هل نحن مسؤولون؟ هل أنها المؤامرة الخارجية؟ وهل المشكلة في الفكر الديني أو في التسلط والظلم أو في ممارسات المتدينين؟ وما هي مسؤوليات الحركات الإسلامية بكافة تشكيلاتها وتنوعاتها عن كل ما يحصل؟ أم أن كل هذه الأسباب تقف وراء ما يجري؟ ولماذا يستشري العنف الدامي بين المجموعات الدينية أكثر مما نشاهده لدى العلمانيين والليبراليين؟ وهل يبرر العلماء صدور الفتاوى التي تبيح قتل المدنيين واستهداف المناطق السكنية والآمنة؟
نحن إذاً أمام مشكلة معقدة ومركبة ولا يمكن تقديم إجابات سريعة وسهلة عنها أو الاكتفاء بإطلاق مواقف مستنكرة وشاجبة مع ضرورة إدانة كل مجزرة أو عملية قتل أو ظلم تحصل اليوم.
لكن من أجل وضع خريطة طريق للتفكير المستقبلي علينا أن نستعيد الأسئلة القديمة حول الوجود والكون والخلق والدين.
فالله عز وجل خلق الكون من أجل البشر وسعادتهم، وأرسل الأنبياء والرسل والأديان لتحديد الطريق الأفضل للسعادة والعيش بهناء سواء في الدنيا أو الآخرة.
وإذا كانت طبيعة الإنسان تحمل الخير والشر، فإن الطرق إلى الخير والسعادة محددة، لكن للأسف فإن الذين تولوا التحدث باسم الله عز وجل أو باسم الدين والأديان والرسل هم الذين أساؤوا لله وللأديان والرسل، وها نحن أصبحنا أمام مجموعات تدعي التحدث باسم المسيحية أو الإسلام وهي تقف وراء عمليات القتل، كما حصل في تاريخنا المعاصر عندما بدأت الدول الاستعمارية تسيطر على مناطق، أو خلال حروب الفرنجة (الحروب الصليبية)، أو في فترة الاستعمار الحديث، وصولاً إلى اليوم حيث تنتشر المجموعات التي تتحدث باسم الإسلام وهي تقوم بعمليات القتل والتفجير والاغتيالات.
وإذا كانت الحركات الإسلامية تريد مواجهة الظلم والطغيان، فلا يحق لها ارتكاب الظلم بحق الآخرين.
وإذا كانت الحركات الإسلامية تريد الوصول إلى السلطة من أجل تأمين سعادة البشر وإقامة الدولة العادلة، فإنه لا يحق لهذه الحركات تخريب الأوطان والمجتمعات من أجل تحقيق أهدافها.
الظلم مرفوض، الطغيان مرفوض، القتل والاستبداد مرفوضان، لكن لا يحق أيضاً لمن يتحدث باسم الله وباسم الدين وباسم الأنبياء أن يرتكب الجرائم بحجة تخليص البشرية من الظلم والطغيان والقتل.
نحن أمام أحداث خطيرة ومؤلمة ووقائع وتطورات صعبة، ولذا علينا أن نستعيد التفكير بعمق فيما يجري، مع أهمية أن يرتفع الصوت بإدانة كل جريمة أو عملية اغتيال أو ظلم يرتكب بحق الناس بغض النظر عن انتماءاتهم أو عقائدهم أو الجغرافيا التي يعيشون عليها.