حالم ومغامر… سلاحه الكلمة وغايته الإنسان

بقلم:  الكاتب سليمان بختي (*)

untitledجوزف صايغ في كتابه “الوطن المستحيل” و “حوار مع الفكر الغربي”  شاعر كبير وناثر كبير، هو هو في شعره ونثره أرض لقاء، أرض حوار، وفي قلب المغامرة الكبرى للكائن الإنساني الناهد دوماً صوب المعرفة والحق والجمال والحرية.

جوزف صايغ في ” الوطن المستحيل ” حالم ومقاوم في آن معاً.

 حالم لأن الحلم الذي نخترعه فإنما نحاول من خلاله التغلب على وطأة الراهن الثقيلة، عبء الواقع،ضغط التاريخ. ولأنه يعرف أن الغد هو ما نبتكره لا ما ننتظره على ما يقول ستيف جوبز.

 ومقاوم لانه يرفض كل أشكال المساومة مع الوضع الغلط. ضد كل التسويات،  ضد كل ما هو ممكن وعادي وعابر ومبتذل. يروم المستحيل لينقذ الحاضر والمستقبل والإنسان . إن طلب المستحيل هنا هو طلب التحرر والعدالة والكرامة. وكل ما أتمناه له أن يبقى واقعياً ولا يتراجع أبداً عن طلب المستحيل، لأنه طلب لأجل حياة تستحق أن تعاش بحب وكرامة. ولأجل وطن يريده كالقصيدة مشرقاً مضيئاً موزوناً وحقيقياً وإن خانته المعاني وانكسر البيان. فالمهم أن تبقى الشعلة مضاءة على الطريق.watan-1

 أما كتاب “حوار مع الفكر الغربي” فبرأيي هو حدث ضياء في زمن العتمة. في زمن صدام الحضارات وتدمير الهويات. يحاور جوزف صايغ رموز وأقطاب وأركان المشهد الثقافي الفرنسي . يحاورهم بما يشبه غليان الضوء . يحاورهم محاورة الند للند في آثارهم وأفكارهم ومواقفهم وقضاياهم، وفي القضايا المشتركة بين شرق وغرب. ولكن قبل أن ينهض الحوار ثمة ما سبق.

 الحوار سبقه معرفة واستعداد واستيعاب عميق لتجارب الآخر. الحوار سبقه قبول حقيقي للآخر المختلف. الحوار سبقه قناعة بأننا حضارة واحدة في سياق تاريخي وحضاري وثقافي متراكم. حوار بين ثقافتين، بين لغتين، بين عالمين، يحمل فيه جوزف صايغ القوت الحضاري إلى فرنسا والعكس. وهذا القوت قوامه الحرية والمعرفة والتنوع ينهض به الى مرتجيات المصير وتفجر الحياة.

 ينتمي الكتاب إلى نوع النقد الحضاري، إلى الحوار الحضاري بين شرق وغرب، كما يمكن لنا أن نشتهيه مكللاً بقيم العقل والحرية والمساواة والتكافؤ. ينتمي إلى ثقافة السؤال . سؤال اللماذا قبل سؤال الكيف.

 يكتشف جوزف صايغ في كتابه أن المفاهيم والمصطلحات تختلف في معانيها وأبعادها بين فرنسا ولبنان مثلما بين الغرب والشرق. ولكن لبنان حيال فرنسا سيبقى، كما قال خليل رامز سركيس، سيرة قلب في قبضة العقل.

 يجعلنا جوزف صايغ ندرك في كتابه أهمية الحوار، أهمية الافكار في الحياة والعالم، أهمية أصحاب الكلمة ودورهم في تطوير المجتمعات والأمم، أهمية الكلمة حين تكتب أو تقال أو تعلن وتوقظ وعي أكبر كمية من اللاوعي، على حد قول البير كامو.hiwar

  يعتمد الكتاب على مقابلات وحوارات معمقة ومطولة، وفي ذلك يقول رولان بارت إن المقابلة كالارجوحة هي إلى حد ما فعالية معقدة، وإن كانت عصية على التحليل فهي ليست عصية على التقييم . والمقابلة بمعنى آخر هي خطاب متعدد يسمح بتعديل الأفكار والتصورات من خلال السؤال والجواب. وجوزف صايغ يدخل في أرجوحة الحوار ويدخل في الخطاب ويتقن فن صياغة السؤال وفن قطف الجواب. يجعل من محاوره ينطق أحياناً بالأسئلة بدلاً من الأجوبة. نسمع الآن توربن المفكر  الفرنسي يسأل: ” هل إن لبنان إذا وجد نفسه في وضع عصيب يستطيع أم لا أن يحافظ على وجود قومي؟” نسمع اندريه ميكل يقول رداً على سؤال ما إذا كان الأدب استطاع أن يطرد شياطين الماضي من روح النص، يقول: ” نعم على صعيد اللغة بالأقل. لا أحد يكتب مثل الجاحظ مثلاً”.

 وهكذا وعلى هذا المنوال، الحوار يجري مثل النهر تحت أشجار النخيل ومثل العاصفة فوق البراكين، وأحسب أن الطريق بين زحلة جوزف صايغ وباريس بوتفة الفكر لم ولن تنقطع مثلما بين لبنان وفرنسا. وأننا مقيمون في الحوار لأنه يغني النفس والوجود والأمل. ولأننا نكتشف من خلاله أنفسنا. ونكتشف أننا بدون الآخر فإنما في البعد الناقص من الحياة.

 وأخيراً في الكتاب رسالة : جسر حضاري، زهرة حب وحقيقة ، دعوة مفادها أن لا أفق للسلام والمعرفة والتقدم الا في عالم متصالح سلاحه الكلمة وغايته الإنسان في كل آن وآوان.

 وكذلك في كتاب “الوطن المستحيل” ثمة رسالة فحواها أن المثقف الحقيقي هو من يمارس نقده ضد السلطة ويرفع الحقيقة في وجهها.

 وإن المبدع الحقيقي هو من يرفض ويتمرد ويحمل بنبل وجرأة ووفاء قضية التقدم والتغيير وبناء الإنسان في المجتمع.

********

 (*) المشرف العام على دار نلسن للنشر

اترك رد