لمناسبة صدور كتاب “الإنتشار الماروني في العالم واقع ومرتجى 1840- 2010″، للدكتور جوزف أنطون لبكي، نظمت جامعة اللويزة احتفالا برعاية البطريرك الماروني مار بشاره بطرس الراعي وحضوره، في قاعة بشاره الراعي، تكلم فيه إلى البطريرك الراعي رئيس الجامعة الأب وليد موسى ونائب رئيس الجامعة للشؤون الثقافية سهيل مطر والدكتور جوزف لبكي.
كلمة البطريرك الراعي
1. يسعدني أن أكون معكم في رحاب جامعة سيدة اللويزة للاحتفال بتوقيع كتاب “الانتشار الماروني في العالم، واقع ومُرتجى 1840-2010″ للدكتور جوزف لبكي الذي أحيّيه من كلّ القلب شاكراً ومقدِّراً عمله الجبّار هذا. كما أحيّي جامعة سيدة اللويزة بشخص رئيسها الأب وليد موسى مع مجلس الأمناء والإدارة وهيئة الأساتذة والطلّاب والأهل، ومع كلِّ خرِّيجيها وأصدقائها العاملين فيها. نشكرها على نشر هذا الكتاب – الموسوعة عن الانتشار اللبناني والماروني، ونهنّئها بإغناء منشوراتها به، وبالإستناد عليه في أبحاث “مركز الأبحاث في الاغتراب اللبناني” الذي أنشأته الجامعة منذ عشر سنوات.
2. أيّها الصديق الأستاذ جوزف لبكي، شكراً كبيراً لك، على ما جُدت به من وقت وقوى وتضحيات، الله وحده يعرفها ويحصيها، وهو الكفيل بالمكافأة عليها من فيض كنوزه. كتابك، وهو موسوعة عن الانتشار اللبناني والماروني، يضاهي كلّ ما كُتب ونُشر إلى اليوم. فبعد أن أوجزت في الفصلَين الأوّلَين تعريفاً عن لبنان وجغرافيَّته ونظامه، وعن الموارنة وتأسيسهم ككنيسة بطريركية وعن هويّتهم، تناولتَ في الفصل الثالث موجات الهجرة وأسبابها من سنة 1840 حتى 2010، وفي الرابع رسمت جغرافيّة الانتشار اللبناني والماروني في جميع البلدان، وفي القارّات الخمس. فعرّفت بكلّ بلد وبأوضاعه الجغرافية والسياسية والثقافية، ومراحل الهجرة إليه مع إحصاءات، وذكّرت بأسماء العائلات اللبنانية في كلّ بلد وأهمّ الاشخاص الذين اشتهروا بعطاءاتهم فيه، وحقول العمل التي نشطوا فيها، وأهمّ إنجازاتهم الإنمائيّة في البلد المستضيف.
وتناولتَ في الفصلَين الأخيرَين ما هو بمثابة خلاصة فعرضْتَ مشاكل الانتشار الماروني وتحدِّياته ومرتجاه مدنيّاً ودينيّاً، وأظهرت ميزات الهجرة مع فوائدها ومضارها، واقترحتَ كيفية الحدِّ منها. وأضَفْت ملاحق مع لائحة كبيرة بالمصادر والمراجع التي استقَيْت منها، والتي يستفيد من ذكرها الباحثون.
3. كتابك – الموسوعة تفيد منه الدولة والكنيسة، كما اللبنانيّون والموارنة المنتشرون، والبعثات الديبلوماسية وكنائس الانتشار والدول المستضيفة. إنّه منجمٌ غنيّ للأبحاث، ودليلٌ لنا في الكرسي البطريركي للزيارات والتدابير الراعوية، وللتواصل بين الكنيسة الأمّ وكنائس الانتشار، بين الوطن اللبناني وأوطان أبنائه الجديدة، بين اللبنانيين المقيمين واللبنانيين المنتشرين. كلّهم يشكرونك ويدعون لك بالخير. لقد طبّقت في الموسوعة أكبر جزء ممّا أوصى به المجمع البطريركي الماروني في نصّه الرابع: “الكنيسة المارونية في انتشارها العالمي”.
هل يوضع لهذه الموسوعة من 869 صفحة، نقطة نهائية؟ نجيب: كلا! لأنّ الانتشار حركةٌ دائمة من الداخل إلى الخارج، وحركةُ تطوّر وتقدّم في أوطان الانتشار على كلِّ المستويات الدينية والمدنية، وحركة تقدّمية في إنشاء الهيكليات الكنسية، وفي إنجازات اللبنانيين المستمرّة والآخذة في الاتّساع. حركة الانتشار مثل موج البحر، المتجدّد موجة تلو الموجة، ونموّه كالأرز ارتفاعاً وبتفرّع أغصانه.
فيا أيُّها العزيز الدكتور جوزف، مكتوبٌ عليك أن تكتب دائماً في موسوعتك وتزيد عليها، وتجدّدها بالمضمون وتصحّحها، تماشياً مع حركة الانتشار ومستجدّاته. أنت بهذه الموسوعة وضعت أساساً قويّاً لبناء كبير آخذ في العلو بشكل دائم.
4. خلاص لبنان يأتي من الانتشار، لأسباب أربعة أساسيّة في عرفي:
أ. فاللّبنانيون المنتشرون بما هم عليه من موقع رفيع في أوطان الانتشار، اقتصاديّاً وتجاريّاً، صناعيّاً وزراعيّاً، ثقافيّاً وسياسيّاً، إعلاميّاً واجتماعيّاً، هم بالإضافة إلى البعثات الديبلوماسية، وجهُ لبنان الثقافي والحضاري والاجتماعي. كثيرون منهم لم يأتوا إلى لبنان مرّة، لكن حضارة لبنان وتقاليده وخصوصيّته تسري في عروقهم، جيلاً بعد جيل. وهم وجه لبنان الاجتماعي المنفتح على الآخر المختلف، الحريص على علاقات الصداقة والتعامل، المحبّ للحرية والحياة السعيدة، المتمسّك بالتنوّع. والعلامة هي إنشاؤهم في مدنهم أندية تحمل اسم لبنان وجمعيّات نسائية منعوتة باسم لبنان. علمه مرفوع، أرزه مزروع في الحدائق ومرسوم على الجدران، صور سيدة لبنان وسيدة إيليج في البيوت والنوادي والجمعيات.
ب. هؤلاء المنتشرون مُقدَّرون جدّاً من السلطات المدنيّة والكنسيّة لعطاءاتهم ولكونهم لبنانيِّين. يتقنون اللغات، خلّاقون ومبدعون في حقول عملهم، ومساهمون كبار في ترقّي ونموّ بلدانهم المستضيفة. أنا أعتقد أنّ عطف الدول على لبنان، والإرادة الدولية لحمايته، عائد إلى فضل المنتشرين. ولذلك نقول، من هذا القبيل، أنّ “خلاص لبنان يأتي من الانتشار”.
ج. كلّنا يعلم أنّ المنتشرين يمدّون يد المساعدة لأهلهم وبلدانهم في مشاريعها العمرانية الراعوية والإنمائية، الثقافية والاجتماعية والرياضية. وتُقدّر قيمة هذه المساعدات المالية السنوية بين خمسة وستة ميليار دولار أميركي.
د. يختبر اللبنانيون المنتشرون كيف أنّ بلدانهم المستضيفة تحترم القوانين والمؤسّسات العامّة، ولا تخضع، كما عندنا، لتأثير السياسيين النافذين الذين يخالفون القوانين ويعطّلون عمل المؤسسات، ويغطون مخالفات أنصارهم ومحازبيهم، لأغراض ومصالح خاصّة وفئوية. ويعرف اللبنانيون المنتشرون قيمة الديموقراطية واحترام الشعب وأولويّة الخير العام. ويدركون أنّهم تمكّنوا من تحقيق ذواتهم في البلدان المستضيفة لأنّها فتحت أمامهم الإمكانيات المادية والمؤسساتية والترتيبات القانونية، من دون ابتزاز أو عراقيل أو خوّات أو رشوات. ويختبرون ايضاً قيمة المؤسسات العسكرية الشرعية التي وحدها تحمي المواطنين ولا مجال لوجود سلاح غير شرعي يُمارس كما عندنا بمعزل عن السلطة السياسية وقرارات الحكم، وبغطاء سياسي لممارساته ولجرائمه. ويعرفون قيمة القضاء والقانون الذي يعلو الجميع ويحكم للجميع وبحق الجميع، ولا مجال لتأثير السياسيين النافذين عليه أو لتعطيله، كما جرى عندنا مؤخّراً.
لذلك نقول: “خلاص لبنان يأتي من الانتشار”، بحيث يتّخذ اللبنانيون المنتشرون مواقف رافضة للممارسات التي تعرقل الحياة السياسية في أهدافها، والنشاط الاقتصادي والسياحي، وتعكّر الحياة الأمنية، وتسطو على المؤسّسات الدستورية والعامّة. مواقف رافضة لتدخّل السياسيين في الإدارات العامّة والتعيينات، وفي القضاء ومؤسساته.
5. هنا تظهر أبعاد هذا الكتاب – الموسوعة عن الانتشار اللبناني والماروني في العالم، ويظهر دور هذه الجامعة في تفعيل التواصل مع المنتشرين، لخيرهم وخير لبنان، في ضوء الأبعاد الكنسية والاجتماعية والوطنية التي ذكرنا. فلا بدّ من أن تضع الجامعة برامج بهذا الخصوص. فخير لبنان والكنيسة منوط به وبنتائجه.
نأمل ان يبلغ هذا الكتاب – الموسوعة مبتغاه ويعطي ثماره في لبنان وعالم الانتشار، ويلقى الرواج الواسع الذي يستحقّه، مع تكرار الشكر والتقدير للدكتور جوزف لبكي ولجامعة سيدة اللويزة، ولكم جميعاً تحيّتي ومحبتي والدعاء.
الأب وليد موسى
اعتبر رئيس جامعة سيدة اللويزة الأب وليد موسى أن “الكتاب الذي نحتفل بولادته اليوم، وكأنه عرس الحمل، فهو، على قدر ضخامته، كثيف عميق شاسع، وكأنه بحد ذاته دائرة معارف حول “الانتشار الماروني في العالم”، منذ 1840.
وقال: “حوالي 900 صفحة، عبأها الدكتور لبكي، بالمعلومات الصحيحة حول انتشار الموارنة في العالم، مؤكدا أنه لم يستنفد كل شيء، بل يعتبر كتابه، كما يقول في المقدمة، مساهمة متواضعة في معرفة الانتشار، داعيا الباحثين والمؤرخين، ليكملوا الطريق بشكل أدق ومفصل”.
واضاف: “لهذا أعلنا، في المقدمة، أننا نهدي هذا الأثر إلى كل ماروني على هذه الأرض وفي دنيا الانتشار؛ إلى كل مؤمن بأن لبنان هو مساحة روحية، لا مساحة جغرافية فحسب؛ إلى كل طالب، من طلاب جامعة سيدة اللويزة، لعله يتعرف إلى حقيقة الآباء والأجداد”.
وشكر لكل المؤسسات العاملة من أجل الإغتراب والمغتربين، وقال: “إنطلاقا من هنا، أسست جامعة سيدة اللويزة مركزا لدراسة الانتشار اللبناني، وبفضل الدكتور لبكي، نصدر هذا الكتاب، وسنتابع الطريق، وسيبقى لبنان، بأجنحته في الداخل والخارج، نموذجا للوطن الذي لا تحده حدود”.
سهيل مطر
في كلمته توقف سهيل مطر عند أربع كلمات: الأولى، مارون الذي نحن “بحاجة إلى شفاعته، واستذكار رسالته”؛ الثانية مار بشاره بطرس الراعي الذي نحن بحاجة، في هذا الزمن، إلى حكمته وشجاعته وقيادته الروحية والوطنية، لبنان ينزف، طبقته السياسية، بوجوهها المختلفة، تعاني اختناقا واستسلاما وجنوحا نحو الفساد والانهيار؛ أما الكنيسة المارونية ففي وجع وقلق وفي انتظار كلمتكم وحضوركم”؛ أما الكلمة الثالثة فهي جوزف لبكي، الذي “رغم كل الأوضاع القلقة، رغم كل الصعوبات المريرة، راح يبحث، ينقب، يقمش ويجمع، فكان هذا الكتاب الذي اعترف، بكل بساطة، انه يثير الغيرة والحسد”؛ وأخيرا كلمة إنتشار، وبعد عودته إلى المعجم كل “المفردات تصح بالموارنة توزعوا وتفرقوا، نشروا وأذاعوا كتبا وأفكارا وحضارة. نشروا أعراض بعضهم البعض، وكانوا في معظم الأحيان، وهذا ما نشدد عليه وما نعتز به، عطرا ورائحة طيبة منتشرة في جميع أنحاء العالم. هؤلاء المنتشرون يتكوكبون، اليوم، في هذا الكتاب، ويجتمعون حولكم، وكلنا معا، نتابع الطريق، ولا نخاف ولا نيأس”.
جوزف لبكي
أما المؤلف الدكتور لبكي، فقال: “إن الطائفة المارونية تعرضت في سياق تاريخها، ولا سيما منذ أواسط القرن التاسع عشر حتى اليوم (1840-2010)، لهجرة واسعة شملت أبناءها إلى حد أن أصبح عدد الموارنة المنتشرين في جميع أصقاع العالم حوالى ثمانين بالمئة من عددهم الإجمالي. يعني هذا، في أبسط الأحوال تناقص عددهم في لبنان وإضعاف عافيتهم السياسية والحضارية، ما يجعل وجودهم وحضورهم ومفاهيمهم في خطر كبير، ويحول هجرتهم مع الزمن إلى قضية وطنية ودينية وقومية وكيانية وإجتماعية، تصيبهم كطائفة وكمواطنين لبنانيين يعيشون في وطن حر مستقل قائم، مبدئيا، على مفاهيم الحرية والديموقراطية واحترام حقوق الإنسان والاعتراف بالآخر”.
كما تحدث عن مضمون الكتاب وتقسيماته، وشكر للبطريرك الراعي الذي كان الداعم الأول له لنشر الكتاب الذي وضع مقدمته؛ ولجامعة سيدة اللويزة بشخص رئيسها الأب وليد موسى الذي “صمم على نشر الكتاب انسجاما مع رسالة الجامعة العلمية والحضارية والدينية والإنسانية، ولكل من ساهم وساعد وشجع في إنجاح هذا العمل.
كلام الصور
1- البطريرك الراعي يلقي كلمته
2- البطريرك الراعي مع سهيل مطر والوزير السابق ميشال إدة
3- الأب وليد موسى
4- الدكتور جوزف لبكي