في ديوانه الثاني “حين تزهر الجراح”، أزهرت ريشة المونسينيور كميل مبارك صوراً شعرية للوالد الغائب-الحاضر، وراء غلالة الغيوم التي ترسم خيطاً بالغ الشفافية بين حضور الجسد وحضور الروح، وتجذر الغياب الكبير في الأرض الحبيبة الحافظة ذكريات لا تزول عن والد حضنها بساعديه ورواها بعرقه ففتحت له قلبها واحتضنته في بيته الأبدي.
أبي
يا أُمُّ لمْ يغِبِ
ولمْ يَذهبْ كَمنْ لا ذِكْرَ يُرجِعُهُ
بِلا حُبٍّ بِلا عَتبٍ
أبي ما زالَ في عينيكِ
شلّالًا من الذّهبِ
وما زَالتْ لنا عيْناهُ
طِيبَ مواسمِ العِنبِ
وعِزَّ عباءَةِ القصَبِ.
أبي يا أُمُّ لمْ يغبِ
لنا منه بِدُنيانا
هدايا الدِّفء والتّعبِ
***
أبي يا أمسيَ المسروقِ
يا دِفءَ الكوانينِ،
بعجقتِهِ
وثورتِهِ
أبي نارُ البَراكينِ،
برقَّتهِ وبسمتِهِ
أبي زهرُ البساتينِ
وغُمرٌ منْ رياحينِ.
أبي إن شئتَ
مَكْرُمَةً
فيا قمحَ الطواحينِ
وحبُ الناسِ فرحتُهُ
فملقاهُ وعشرتُهُ
أبي يا خمرَ تشرينِ
***
يُذَكِّرني هديرُ البحرِ
شيئًا من طبائعهِ
يُذكِّرني عنادُ الصخرِ
بعضًا من مزاياهُ،
وَدُنياهُ،
حدودُ الكونِ
ما قيسَتْ بدنياهُ،
يُذكِّرني؟!
معاذَ اللهِ
لا شيءٌ يذكِّرني،
له في داخلي رجلٌ
وفي عينيِ مُحيَّاهُ
له في خاطري حُلُمٌ
وبي عاشتْ حَكايَاهُ
أنا من طبعِهِ قبَسٌ
كأنِّي كنتُ إيَّاهُ،
يذكِّرُني، معاذَ الله،
“ما كنَّا” لأنساهُ.
كلام الصور
1- لوحة لعمر الأنسي
2- لوحة لجوزف مطر
3- لوحة لمصطفى فروخ