“‬‬ملكوت هذه الارض” لهدى بركات… حكاية شعبية لتاريخ لبنان

guilaf-malakout-11“ملكوت هذه الأرض” عنوان الرواية الصادرة حديثاً للروائية والإعلامية اللبنانية هدى بركات بالعربية  (351 صفحة من القطع الوسط )عن “دار الآداب” في لبنان، وباللغة الفرنسية عن دار Actes Sud  في فرنسا.حول الرواية كتب الناشر: “بين الخرافة السحرية والوقائع المدونة بخفة الحكاية الشعبية لتاريخ لبنان تعيش شخصيات عائلة “المزوّقية” في المرتفعات الشمالية، حيث يتحصن هؤلاء الموارنة من أعدائهم الكثيرين وحيث تمر الحروب على مدى قرن.

“يموت المزوّق الأب برداً على قمم ضهر الجرد الثلجية،  فيسير ابنه طنوس بالحكاية ثم تلتحق به اخته سلمى. بين أديرة الوادي المقدس وسير البطولات المحلية الآسرة يختلط حب الموطن بغياب الوطن.

في “ملكوت هذه الأرض” نقرأ عن أفراح هؤلاء الناس البسيطة، وعن شظف عيشهم، عن لهوهم السعيد، وأوهامهم الكثيرة، وعن حكايات الأقدار الآيلة إلى الأسى.

تسيطر على كثير من أفراد هذه الجماعة عقد ذنب ومصائر تبدو مكتوبة عليهم، بعضها ليس من صنعهم هم، بل ورثوه عبر تراثهم الإيماني، وهو “الخطيئة الاصلية” التي تلحق بالمسيحي وعليه أن يكفر عنها طوال عمره.

إلا أن مشاعر الذنب الأخرى تنتج عن أحداث في حياتهم الحالية. نحن الأن نتكلم عن عائلة المزوّقية.

طنوس الشخصية الأبرز في الرواية مع شقيقته سلمى، يمرّ في أكثر من حال من حالات الشعور بالذنب. وسيطر عليه شعور بأنه، وهو الولد الصغير، ما كان يجب أن يطيع والده الذي أمره أن بتجه إلى القرية، وبقي هو في الجبل حيث قضى “وافترسته الذئاب والضباع.”

وفضلا عن الشعور الموروث وهذا الشعور الجديد نجده، بعدما حاول الانضمام إلى الرهبان والتحول إلى واحد منهم، وبعد عدم قبوله في سلك الرهبنة،  وقد تفاقمت حدة مشاعره إذ خيل إليه أن المسيح لا يحبه، ولذا فقد رفض في سلك الرهبنة.huda_barakat-1

ثم طنوس وشقيقته وصهره نجيب وجدوا أنفسهم في وضع لم يكونوا يتصورونه انجروا إليه بسبب الخمر، اذ اضطروا بل اضطر نجيب إلى قتل ضابط فرنسي كانوا في سبيل القيام بنوع من العمل التجاري السري معه. كمنت القضية أو هذا السر في عمق وعيهم حيث يخفونه عن الجميع.

هرب طنوس إلى سوريا وأشيع في البلدة أنه سافر إلى استراليا، وغاب سنوات هناك إذ بقي سنوات بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وجلاء الفرنسيين، وعمل في الغناء إذ كان صوته جميلا كما كان صوت والده.

 بعد هذا الحادث رافقه كما رافق اخته سلمى هذا الشعور الجديد بالذنب. وبدا طنوس أحياناً، عندما يحاكم نفسه بمرارة، أشبه ببطل فيدور دوستويفسكي في “الجريمة والعقاب” وكأنه يبحث عن عقوبة.

وزاد من شعوره بالذنب وبعدم الجدوى أنه كان أحب حلا ابنة عمه وتركها تذهب إلى شخص غيره تتزوجه. أما سلمى تلك التي كانت مثل شمعة تحترق من أجل العائلة، فهي بعدما  كبرت كانت تحاكم نفسها وتقول لذاتها إنها لم تفعل ذلك تضحية من أجل إخوتها وأخواتها، بل لأنها لم تعرف الحب ولم تهتم بأحد من الرجال، ربما لخلل في نفسها كما صارت تعتقد.

وتتغير أمور في البلدة،   سرعان ما دخلت إلى  هذا المجتمع الزراعي البسيط مظاهر الحضارة في صورة الفنادق ومؤسسات التزلج على الجليد في تلك المنطقة التي تعتبر الأكثر ارتفاعا في لبنان.

وفي الصيف يتحول المنتجع الشتائي إلى مصيف تنتشر فيه الفنادق والمباني الفخمة، وتتوسع حلقة اتصالات أهل البلدة، إذ استأجر عدد منهم بيوتاً في بيروت بسبب الدراسة أو العمل، وسكنوا في المناطق الشعبية حيث تجاوروا مع مسلمين ومع أرمن، ودخل شبان من البلدة ومن العائلة في الحركة السياسية وفي الصراعات والتظاهرات التي كانت تجري في لبنان قبل حرب سنة 1967 العربية -الإسرائيلية وبعدها.guilaf malakout

وما لبثت المشكلات الفلسطينية اللبنانية أن بدأت وتقاطعت طرق شبان العائلة مع طرق أحزاب وجماعات مختلفة، وصارت الجماعة، إلى حد بعيد، جزءا من الجماعة اللبنانية الكبرى، بعدما نشبت الحرب الأهلية عام 1975. وقد عادوا إلى بلدتهم هرباً من الحرب.

مرت الأيام، فلا طنوس تزوج ولا سلمى، وتقدم العمر بالاثنين. تقول سلمى “هذا يوم أحد لكن الرب سيسامحنا إذا لم نذهب إلى القداس في طقس كهذا”.  ثم تقول سلمى إن الراديو حكى عن أن البارحة كان يوما فظيعا في الحرب الأهلية وسموه “السبت الاسود” فيقول لها طنوس: “ما لنا وللاخبار يا سلمى.”

وكبطل ارنست همنغواي في “العجوز والبحر” الذي نظر إلى السمكة الكبيرة التي اصطادها، فوجد لما وصل إلى المرفأ أنها ليست أكثر من عظام.

حدّث طنوس سلمى عن العمر ومرور الزمن، قال: “أفكر أننا بعد خروجنا هكذا من الحياة، وبعدما عدنا إلى مرتفعاتنا الثلجية هذه كرعيان خائبين وقد أضاعوا قطعانهم ينبغي أن ننسى، ينبغي أن نترك الكلام لمن سيأتي بعدنا، فنحن الذين لم نفهم ما الذي حدث لحيواتنا في الماضي، علينا أن نترك الرواية لفصول آتية لا نقدر الآن على ان نتخيلها ولو في الأحلام، وأعرف كم شاخ صوتي، وكيف انطفأ في حلقي وفمي، ومع هذا يخطر لي أحياناً أن أغني بما تبقى لي منه، فاغني لوحدي. هكذا، أكوّر كفي حول أذني وأغني”.

كلام الصور

1- هدى بركات

2- غلاف الكتاب

اترك رد