بقلم: المونسينيور كميل مبارك
من ينظر متأملا في واقع العائلة هذه الأيام ويقارن بينها وبين ما كانت عليه منذ زمن ليس ببعيد، ويحاول أن يتلمس الثوابت المشتركة بين أمسها وحاضرها، يحار ويأخذه العجب ويتساءل: كيف يمكن لمؤسسة إلهية أو مبنية على إرادة الله الذي رسم لها أهدافها الكبرى، أن تبتعد عن غايتها، وتنقض كلّ المقومات الطبيعية التي جعلت من الرجل والمرأة شركَي حياة تزهر حبًّا يثمر مدى الحياة رضى بالعيش معاً ذكرًا وأنثى، وإن منَّ عليهما الله بالبنين واستجابت طبيعنهما الجسدبة، رزقا فرحة الحياة الدنيا ومستقبلها، وتكمل الدنيا بهؤلاء خدمة وتضامنًا وأحلامًا وتطلعات تسعى بالفرد والجماعة بل بالبشرية نحو الحياة الفضلى، كما تنمو الكنيسة بالدعوات الكهنوتيّة والرهبانية زيادة بالفعلة المطلوبين للحصاد الكثير.
واليوم ننظر إلى بعض المجتمعات التي تدّعي العقلانية والمنطق والديمقراطيّة والحريّة، وتنادي بكرامة الإنسان وحقوقه وتسهر على أن تعمَّ ّ مبادئها أنحاء العالم وجميع الثقافات، سعيًا منها إلى نشر ما تُسمّيه قِيم الحداثة، ننظر ونتأمل ونتألم لِما وصلت إليه هذه المجتمعات من إسفافِ في السلوكيات ومن تعامٍ عن الحقيقة المرسومة في كيان الإنسان ذكرًا وأنثى، ونَعجب لِما صدر من تشريعات من أهل الرأي والعلم ومن ممثلي الشعوب في ندواتها التشريعيّة، وكلّها يخالف الطبيعية ويتعدّى على الانتظام العام، كما يخالف التعاليم السماويّة، لا بل يبتعد كل البعد عن المنطق السَّليم. فشرّعوا زواج الذكر للذكر والأنثى للأنثى، كما أجازوا للثُنائي المُثليّ أن يتبنيا ولدًا يربيانه، يا حسرتاه، في أجواء هي منبع العِقد النفسيّة وبؤرة كلّ المفاسد، بوعيِ من مرتكبيها أم بغير وعي منهم.
نحن لا ننكر أن الأخطاء والخطايا كانت معروفة في المجتمع البشري منذ آلاف السنين، لكننا نعرف أيضًا، أن الناس كانوا ينظرون إلى الأخطاء ويقرّون بأنها أخطاء ويلومون المخطئ وربما يؤدبونه أو يعاقبونه. أما اليوم، وقد حمت بعض الدول هذه الأخطاء الكيانيّة الهادمة للمجتمع، عن طريق هدم واحدة من ركائزه التي من دونها يتحوّل المجتمع إلى أفراد لا تربط بينهم أية صلة سوى تلك التي يسنّها القانون الوضعي. أما الرّوابط الأخرى التي رسمها القانون الطبيعي في كيان كل واحد من الناس، فقد أسْقطت من الحُسبان.
ونتساءل: في مثل المناخ من التراخي هنا والفساد المُشَرّع هناك، هل ما زالت العائلة مَسكبَة صالحة للدعوات الرسولية التي ستكمل طريقًا بدأها الأنبياء والرسل والقديسون؟ هل ما زالت مقلعًا لرجال ونساء يسعون إلى رقي المجتمع البشري والسير به نحو غاياته السليمة المطلوبة له منذ إنشاء العالم، وما عليه سوى أن يعمل حُرًا على تحقيق خيره وإلا سقط مُجبرًا في محظورات طالما حذّرته أصوات الحق من السقوط فيها، ولكنه صمّ أذنيه السامعتين ولم يسمع.
كلام الصور
1- المونسينيور كميل مبارك
2- رمز العائلة