أي انسان، أيّة مجتمعات، أي مستقبل نريد؟*

بقلم:  د.مي عبدالله (رئيسة تحرير مجلة الاتصال والتنمية)

هل هو مجتمع التقهقر والانحدار، والأزمات والحروب، والظلم والطغيان، والحقد والمؤامرات، والحسد والكراهية، والجشع والطمع، والقهر والاستبداد، may abdallahوالتعذيب والقتل، والخيانة والغدر، والرقة والاغتصاب، والأنانيّة والتكبّر، والتعصّب والتطرّف، والتعجرف والجهل، وعبادة الشياطين، والهدم والتخريب، والأوهام والضياع، والتشتت واليأس والاستسلام وموت الإنسان فينا…

هذا المجتمع العالمي الجديد الذي نشهد نشأته وتكوّنه وتوسّعه؟…

أم يكون مجتمع العلم والمعرفة والمعلومات، والإنماء الإنساني والتطور، والنهضة والانتفاضة والثورة، والتخطيط والتفكير والبحث العلمي، والوعي والتعقّل، والتحاور والتآخي، والمشاريع الكبيرة المشتركة، والعدل والمساواة في الحقوق، والحرية والديمقراطية وقبول الآخر، والرحمة والتضحيّة، والتنظيم والتشريع، والشفافيّة والصدق والحقيقة، ومحو الفقر والأميّة، والسلام والسلامة للجميع، والاستقلال والاستقرار، والهدوء والطمأنينة، والفن والإبداع والجمال، والمروءة والشجاعة، والمبادىء والقيم والخير العام؟…

أي مجتمع هو مجتمع الغد العالمي؟ أيّة علاقات وأيّ قيم ومبادىء وممارسات وقوانين؟…

الخيار بيد الإنسان المعاصر وحده، فماذا يكون، وماذا يفعل، وماذا يختار، وأيّة مجتمعات يبني؟…

المنجّمون يتنبّأون، والمثقّفون ينعزلون، وتتخبّط الشعوب في دوّامة القلق: إلى أين هي ذاهبة، ما هو مصيرها ومستقبلها، إلى أين تأخذها الأنظمة المستبدّة في مشارق الدنيا ومغاربها؟… المستقبل رهن الإنسان وخياراته فماذا يقرّر؟  الأمل في التغيير والخلاص هو في إرادته وحدها، وقراراته، وتمسّكه بالمجموعة الثانية من الاختيارات، يعني أن يبدأ بنفسه وبتربية أولاده ومن حوله، ويروّج لقيم العطاء والحرية والسلام التي بدأت كلّها تندثر، وأن ويثور على الظلم والاستبداد بالتعقل والتخطيط والأساليب السلميّة ويعالج مشاكله بالصبر والحوار وبقبول الآخر…issue 6

قد يكون استيعاب هذه اللحظة وما يحصل في عالمنا من تغيّرات، وما يتعرّض له الإنسان اليوم من تأثيرات وإغراءات وتحديّات، صعباً علينا وعلى كل الباحثين في جذور الانتفاضات الجماهيرية وثوراتها على الطغيان والاستبداد، وقد نكون كلّنا حائرين والمجتمعات تبحث عن كيان سياسي لا يستقيم بناؤه ما لم يؤسس على قيم الحرية والديمقراطية والمواطنة… ولكن، أصبح من المسلّم به والمؤكّد أن مسألة الحرية جوهريّة وأساسيّة في صناعة التغيير والإنماء الثقافي، وأنّه ليس من السهل  أن تتراجع من مكانتها أو تختفي تأثيراتها المباشرة في الحياة الاجتماعية للشعوب وثقافتهم، وعليه لن يكون تراجع موقع قيمة الحرية في فكر وثقافة العرب السياسية ممكناً أو محتملا، أو إعادته إلى ما كان عليه في ظل الاستبداد الفاسد …

لقد كان هدف التغيير أشد عناصر الانتفاضات العربيّة الشعبيّة جلاء ووضوحاً، فالشعب يريد إسقاط النظام، وإرادة التغيير لم تكن منصبّة على الإسقاط فحسب، بل هي منصبّة على البناء وفق أسس وقواعد جديدة، تحقق إنهاءً لحقب من الغوغائية السياسية السائدة وما نتج عنها من فوضى وفساد تحول مع مضي الزمن إلى أشكال عاتية من الجريمة المنظمة يحميها استبداد وطغيان أمني قهري…

 صادف إطلاق العدد الأول من مجلّة “الاتصال والتنمية”  مع بداية هذه الأحداث في أواخر سنة 2010 فتحوّل الاهتمام البحثي في المجلّة من آثار وتحديات العولمة التكنولوجية وتطوّر تقنيات الاتصال إلى رهانات الربيع العربي، حيث ركّزت معظم بحوث الأعداد الخمسة الصادرة بعد العدد الأول على قضايا تتعلق بالآثار الاجتماعية والثقافية والسياسة لحركات التغيير، فتناول العديد من البحوث دور وسائل الإعلام والاتصال الاجتماعيّة social media “فايس بوك” و”تويتر” وغيرها…

وسائل الاتصال المختلفة هي اليوم أداة أساسيّة في يد الإنسان الذي يستعملها ويستفيد من كل ما تتيحه من تسهيلات وخدمات ليطبق بواسطتها أفكاره وطموحاته وخياراته… وهذه الوسائل لها دور كبير في تشكيل ثقافته، ولكن بناء على هذه الخيارات الخاصّة به، فهل ستكون بفضلها ثقافة التواصل الإنساني  والحرية حية وفاعلة بغض النظر عن صفة أو صبغة الحاكم وسلطته؟…

 *افتتاحية العدد السابع (كانون الثاني 2013) من “التنمية والاتصال”، مجلة فصلية تصدر عن المركز العربي لبحوث الاتصال والتنمية.

  كلام الصور

1- الدكتورة مي عبدالله

 2- غلاف المجلة

اترك رد