رعى البطريرك يوحنا العاشر حفل وضع حجر الأساس لقسم العيادات في مستشفى الحصن البطريركي في وادي النصارى، في حضور حشد من اهل الوادي، يتقدمهم محافظ حمص طلال البرازي، ومدير المستشفى ومدير الصحة في محافظة حمص. كان للبطريرك يوحنا كلمة جاء فيها:
“نجتمع اليوم في هذا الصرح الطبي، مستشفى الحصن البطريركي، لنضع حجر أساس لتطوير هذا المستشفى. وهذا إن دل على شيء فإنه يدل على إرادة الحياة لدينا ولدى أهل هذا الوادي المعطاء. وإرادة الحياة التي يكتنز بها القلب المشرقي هي الكفيلة بغرس النور فينا وبثه للدنيا كلها: لنقول للعالم أننا في هذا المشرق وفي هذه الأرض منغرسون لأننا أبناء النور. والنور لا يعرف الخنوع لدياميس الظلمة. نضع حجر أساس لنقول بأن هذا الوادي، ومثله كل بقاع سوريا، ينبض بقوة الحياة وينبض الحياة في جواره رغم كل المآسي.
مشفى الحصن، أو مستشفى الحصن هو اسم واحد وتعبير واحد عن محبةٍ تتجسد أفعالاً. هو بقعة ضوء لا تدعي الكمال، إذ هو لله وحده. أوجدته الجامعة الحصنية أو الرابطة الحصنية في دنيا الاغتراب. وتعهدته الكنيسة. وهي في ذلك، تقول للإنسان أنها المجس الأول له روحياً وجسدياً.
إن العلوم، وعلى رأسها العلومُ الطبية ، والهادفةُ إلى المحافظة على أفضلِ قدرةٍ للجسد للاستمرار في الحياة، لا بد لها من وِصالٍ مع النفس من خلال الحقيقة الإلهية من جهة، وعالمِ الأرض من جهة أخرى، كونَ الخليقةِ الإنسانيةِ، جسداً ونفساً وروحاً، أعظمَ تركيبٍ منسجم لخلايا تمايزت في وظائفها، وتكاملت في إنتاج انسجامِ الحركة والتفكير والحس. هذا هو الكائنَ الإنسان الذي هو على صورة الخالق في المحبة، ومثالُهُ في الخُلُق وصونِ العالم المادي، تلك الوديعةِ التي سلّطه الله عليها، ليحفظَها ويطوّرَ الخير المغروسَ فيها، فيستنبطُ الكمالَ الأسمى، والجمالَ الفيّاض، والأخلاقَ الفضلى، والفكرَ الخيّر الصالح الخادم، الذي هو بالبعدِ الأقصى الغايةُ من النورانية والنقاوة والقدسية.
يتساءل البعض ما شأن الكنيسة والمستشفيات. إن الكنيسة تعمل بالروح وتعظ بالفضائل والقيم. وتعمل من أجل الشفاء الروحي أكثر منه الجسدي والزمني. لكننا نقول، إن الكنيسة عموماً، والكنيسة الأنطاكية خصوصاً مدعوة دوماً وأبداً لأن تكون للروح راحةً وللجسد. الكنيسة هي كنيسة الرب المتجسد الذي لم يكتف بالوصايا المنحوتة على الأحجار. بل انحدر هو نفسه لينحت في قلب كل منا محبته لنا وليدمغ بحقائق التاريخ أنه حل في هذه الأرض غير بعيد عن موقعنا الآن وأنه اقترب من مرضانا وداوى أوجاعنا وتعطف على آلامنا. كنيسة أنطاكية هي كنيسة النفوس والأجساد لأن بارئها وربها هو المتحنن الذي انحدر من العلو وشفى أوجاع المقعدين وفتح أعين العميان واكتسح القلوب بمحبته. هو لم يوفر هذه المحبة روحياً ولم يحتفظ بها بل أدفقها شفاءات وآيات.
المستشفى إطلالة محبة رغم كل الضعفات. هو وهج غيرة ربانية انبثقت من عطاءات الأبناء في دنيا الاغتراب، لتقول: إن هذا الوادي وهذا الوطن لا يفارق قلوب أبنائه ولو مادت الأرض بهم. ومن هنا، من قلب هذا الوادي، نبعث بالبركة الرسولية لأبنائه في دنيا الانتشار، الذين هم في قلبنا وفي صلاتنا دوماً. واليوم نجتمع لنكمل مسيرة الأسلاف. ونضع حجر أساس لأجنحة جديدة”.
محردة الرجولة
وبارك البطريرك السيد جورج مخول وعائلته شاكرا اياه على عطاءآته وعلى اصالته “الإيمانية الممتزجة بحب الناس والوطن”، ثمّ توجه بالتحية الى اهل محردة، مستذكراً قول سلفه البطريرك اغناطيوس:
“نضع اليوم حجر الأساس في هذا المكان ونتذكر كلمات السلف الراحل إغناطيوس الرابع هزيم، وبذكرنا لكلماته نبعث بالبركة الرسولية لأهلنا في محردة، محردة التي تدفع اليوم ضريبة قساوة الأيام التي دفعها الوادي وكل أرجاء سوريا وسط تفرج العالم، محردة الرجولة التي، بعون الله تعالى وبهمة شبابنا، ستبقى لا تحدياً لأحد بل منفحاً لياسمين سلام سوريا، نتذكر قول ابن محردة إغناطيوس هزيم يوم وضع أساس جامعة البلمند في زمن اشتدت فيه الأهوال: “إذا كان قدر البعض أن يدمر، فإن قدرنا أن نبني ونبقى.
سوريا ستبنى بسواعد الخيرين. وبلقياهم على محبة الوطن. سوريا أمانة الله في عنق أبنائها. وهي لم تعرف يوماً تكفيراً أو إرهاباً او خطفاً للكهنة وقتلاً للشيوخ واحتجازاً للمطارنة. تسمو سوريا بعطاء أبنائها وبمنطق المصالحة وبلقيا أبنائها. آن للعالم أن يستفيق من كبوته وينظر بعين الحق لما يجري. آن للحكومات وللمنابر الدولية أن تتعامل مع الأبرياء الذين سقطوا بمنطق الرحمة لا بمنطق المصالح. نقول كل هذا ولنا ثقة بالله ورجاء يقين بأن سوريا ستنهض كالفينيق رغم كل الأهوال. وفجر سوريا قادم بتماسك شعبها وبصمود قيادتها وجيشها وشعبها”.
وتوجه بالشكر الى الاسقف نقولا بعلبكي لما أسداه من أتعاب لإنجاح المشروع، وللكادر الإداري والطبي العامل في المشفى. وشكر وسائل الإعلام لمواكبتها الحدث.
وختم: “كن يارب معنا في خدمة إنسانك. وعز بحضورك هذا المستشفى. فلتعملْ فيه يمينُك المباركة بيمين أطبائه وليكن عزاؤك في ابتسامة ممرضيه. عزِّ يارب قلوب مرتاديه وامسح نفوسهم وأجسادهم بقوة أشفِيَتِك. فإنك المبارك أبد الدهور آمين”.
ثمّ انطلق إلى بلدة الحواش حيث بارك بئر المياه الذي حفرته دائرة العلاقات في البطريركية.
زيارة حبنمرة
كان البطريرك زار بلدة حبنمرة في وادي النصارى، واستقبل بقرع الأجراس ونثر الورود ويافطات الترحيب. كما ارتفعت أقواس النصر عند مداخل القرية وفي ساحتها التي غصت بالمستقبلين.
محطة البطريرك الاولى كانت في كنيسة القديس جاورجيوس، فاستقبله مطران الأبرشية باسيليوس منصور. ثمّ توجه الجميع إلى كنيسة القديس يوحنا المعمدان حيث ترأس البطريرك صلاة الغروب بحضور المطارنة باسيليوس منصور مطران عكار، والأساقفة موسى الخوري وإيليا طعمة وأفرام طعمة. وبعد الصلاة دشن غبطته مركز المخيمات في البلدة.
وقد القى الخوري اللاطي، كاهن الرعية، كلمة جاء فيها: “حبنمرة بغارها وزيتونها وزيزفونها وتنورها وريحانها وبطمها تقول لك: أهلاً وسهلاً غبطة البطريرك. كم نحبك. في حبنمرة أنت في ملكك وفي بيتك، نحن نعرف كم تحب أنت هذه القرية، الوديعة، المحبة، المعروفة بغيرة أهلها ونخوتهم”.
وبعد تبادل الهدايا، ألقى البطريرك كلمة شكر فيها المطران باسيليوس والأسقف ايليا لجهودهما الرعائية. واستذكر البطريرك الآباء الكهنة والناس الذين تعرف إليهم في هذه البلدة يوم كان راعياً لأسقفية الحصن. وشدد على أن مسيحيي هذه الديار ثابتون فيها وراسخون كسنديان أرضهم مهما اشتدت الأهوال.
كلام الصور
1- 2- 3 من زيارة البطريرك يوحنا العاشر إلى وادي النصارى