الباحث خالد غزال
يشهد العراق الذي يعيش حروبه الأهلية منذ الاحتلال الاميركي عام 2003، فصولاً جديدة من تصاعد الإرهاب والعنف بين مكوناته السياسية والطائفية، كان ينقصها الموجة «الداعشية» لتزيد من آلام الشعب العراقي آلاماً.
وسورية تعيش تطاحنا بين قوى النظام وقوى المعارضة من جهة، وبين التيارات الإسلامية «الداعشية» التي تحارب هذه المعارضة في سند مباشر وغير مباشر للنظام. في ليبيا، تخوض القبائل والعشائر صراعاً عسكرياً بين قواها، في ظل انعدام القدرة على بناء مشروع دولة في الحد الأدنى. وفي اليمن يجتاح الحوثيون المنطقة تلو المنطقة وباتوا يهددون العاصمة صنعاء، في وقت ما زالت الصراعات الموروثة عن زمن الحكم السابق قائمة. وفي مصر، وعلى رغم سيطرة الدولة المركزية وإنهاء حكم «الإخوان المسلمين»، إلا أن الإرهاب لا يزال يضرب في مصر وفي جزيرة سيناء. وفي لبنان، تندلع اشتبكات عسكرية مع قوى سورية تنتمي الى «جبهة النصر» و «داعش»، وتهدد البلد باندلاع صراع طائفي داخلي. هذه العينات لا تختصر الوضع العربي، بل ان الإعصار البنيوي آتٍ ليطاول في «نعمه» مجتمعات أخرى، ويضع الجميع أمام فوضى كيانية غير خلاقة مطلقاً.
خلال الأسابيع الاخيرة، احتل تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش) الساحات السياسية والعسكرية والإعلامية، خصوصاً بعد امتداد سيطرته في العراق وسورية، وارتفاع الأصوات المحذرة من أخطار هذا التنظيم، بعد الممارسات المرعبة التي مارسها ويمارسها في علاقته مع السكان، واللجوء الى اساليب قتل وإرهاب قد تكون اليوم جديدة بمنظار هذا العصر، لكنها تقليدية في التاريخ. ليس خافياً ان هذا التنظيم هو صناعة مخابراتية أميركية – تركية – إيرانية – سورية – عراقية، وبتمويل من بعض دول الخليج، نشأ وفق نظرية المجيء بعناصر الإرهاب الى سورية والعراق وتركها تتقاتل لتفني بعضها بعضاً، وبذلك يجري إبعاد الإرهاب عن دول الغرب. كما ان هذا التنظيم هو الوليد الشرعي للبنى المجتمعية المتخلفة، ولقراءة أحادية الجانب للنصوص الدينية.
لم ترتعب الولايات المتحدة على امتداد الأشهر الماضية من سيطرة «داعش» وممارساتها في العراق وسورية، على رغم سقوط الآلاف من المواطنين على يد التنظيم. استفاق الرئيس اوباما فجأة الاسبوع الماضي على التحذير من خطر «داعش» الذي اعتبره أكبر من خطر تنظيم «القاعدة». لعل مقتل الصحافي الأميركي هو السبب، وهو تصرف مدان بقوة، لكن هذه اليقظة الاميركية تخفي نفاقاً حول محاربة الإرهاب. فالإرهاب في المنطق الأميركي يحصل عندما يمس مواطناً أميركياً، اما ان يُقتل مليون عراقي ومئتا الف سوري، فهذه مسألة عادية.
في مقابل ما يجري في الدول العربية، تعود فلسطين لتعلن انها بوابة العرب في مواجهة المشروع الصهيوني الذي كان ولا يزال يشكل الخطر الكياني المصيري على المنطقة العربية وشعوبها. لم يكن من قبيل الصدفة ان تلجأ اسرائيل في هذا الظرف بالذات الى إعلان حربها على الشعب الفلسطيني، مستفيدة من غرق الدول العربية في فوضاها الكيانية. ولم تكن اسرائيل بعيدة من تواطؤ عربي وإقليمي يرغب في إنهاء القضية الفلسطينية او في إلحاقها بقوى طائفية ومذهبية بما ينزع عنها طابعها القومي والعروبي.
من أهداف الحرب الحالية إنهاء الموقع الوطني المستقل لفلسطين، وضرب القرار الوطني الفلسطيني، ومنع قيام الوحدة الفلسطينية بعد إتمام المصالحة الفلسطينية – الفلسطينية، وهي مؤامرة تشترك فيها اسرائيل وبعض العرب وايران وتركيا. لم توفر اسرائيل منطقة في غزة الا ودمرتها، وأمعنت في المرواغة في المفاوضات رافضة إعطاء اي حق من الحقوق المشروعة للفلسطينيين خصوصاً رفع الحصار. كانت اسرائيل تأمل بأن تؤدي عمليتها الى حرب أهلية فلسطينية – فلسطينية، لكن الموقف الموحد للشعب الفلسطيني، واعتبار السلطة الفلسطينية ان هذه الحرب هي ضد الشعب كله، متجاوزة اي خلاف مع حماس، أفشل الهدف المركزي لاسرائيل من الحرب، وأعاد اللحمة الى الشعب الفلسطيني.
فوسط حروب أهلية تغرق فيها المجتمعات العربية، تعود فلسطين عنواناً مانعاً للتقسيم ورمزاً للوحدة ومنبراً لبقاء شعلة العروبة مضاءة. ان الإصرار على الوحدة الفلسطينية وتمتينها هو الجواب على ذلك الموقف العربي الخانع، على الصعد الرسمية أولاً، او على ضعف التأييد الشعبي تالياً. وستظل القضية الفلسطينة المحور والمركز في مواجهة المشروع الصهيوني والفوضى الكيانية العربية.