الدُّكتور مُحَمَّد المَجْذوب…وَداعاً

wajih fanous

الدكتور وجيه فانوس

(نائب رئيس المركز الثقافي الإسلامي
أمين عام إتِّحاد الكُتَّاب اللبنانيين)

نَفْتَقِدُ اليومَ الصَّديق العزيز والأخ الغالي والزَّميل المحترم والعروبيّ المخلص والوطني بلا محاباة والإنسان الطيِّب الرَّاقي “الأستاذ الدكتور محمَّد المجذوب”. تَكَوْكَبْنا حوله، قبل أيَّام، في “المركز الثقافيِّ الإسلامي”، في لقاءٍ ضمَّ النُّخبة المشرقة من محبِّيه وقادري علمه وعطائه، لتحيَّته في حفل تكريمي كبير. كُنَّا جميعاً نعلمُ أنَّه يُصارع مرضاً عُضالاً،

يسعى إلى الفتك بجسده؛ وكنَّا جميعاً نَلْهَجُ بالدُّعاء إلى ربِّ العزَّة طالبين منه الشِّفاء العاجل للصَّديق الغالي والزَّميل العزيز. وتشاء حكمة الله، سبحانه وتعالى، أن يكون لقاء هذه الكوكبة آخر لقاءٍ لها في حياة الدكتور محمَّد المجذوب؛ إذ سرعان ما أتانا النَّبأ الأليم، بعد ثلاثة أيَّام، بوفاة الحبيب والصَّديق والأستاذ والقدوة. فرحمة الله عليك يا من حملت الوطن في حنايا ضلوعك، ويامن جاهدت وناضلت في سبيل حريته وإعلاء كلمة العروبة فيه، ويامن جعلت من “المركز الثقافي الإسلاميِّ” واحداً من منابر فكرك وساحة من عطاءات معارفك.

نحن، في المركز الثقافي الإسلامي، لا يسعنا إلاَّ التَّسليم بقضاء الله وقدره؛ وليس لنا إلاَّ أن نقول “إنَّا لله وإنَّا إليه راجعون”، كما تعلَّمنا من نصِّ القرآن الكريم ومن سيرة رسول الله محمَّد (ص). ومع هذا، فلا يمكن لنا إلاَّ أن نذكر الدكتور محمَّد المجذوب أستاذاً أكَّاديميَّاً، عميق الفكر بعيد الغَوْرِ، تسنَّم كُرْسي الأكَّاديميا في القانون لسنين وسنين في “الجامعة اللُّبنانيَّة” وسواها من الجامعات في لبنان والعالم العربي؛ فكان نبراساً اهتدى بنوره كثير من علماء القانون وأهله.

fanous 1

كان الأستاذ الدكتور مجذوب مديراً لكليَّة الحقوق في “الجامعة اللُّبنانيَّة” ومن ثَمَّ عميداً لهذه الكليَّة؛ كما شغل منصب رئيس “الجامعة اللُّبنانيَّة”؛ فكان النَّزيه الحليم، بقيادته لمسيرة “الجامعة”؛ في زمن صعب، وسط أزمات حرجة كانت تسعى إلى تقسيمٍ للجامعة وتفريعٍ لها وحتَّى إلى تشتيت لناسها بل لوجودها. ولا يمكن لأحد أن ينسى، أو يتناسى، أنَّ الدكتور مجذوب شغل منصب “نائب رئيس المجلس الدُّستوري” في “الجمهوريَّة اللُّبنانيّة”؛ فعرف كيف يصون الدُّستور وكيف يحفظ الوطنيَّة، مؤمناً بأنَّ الوطنيَّة لا تُحفظ إلاَّ بوعي العروبة، وقضيَّة فلسطين في جوهرها، بوصلةً تُحَدِّدُ المسارت وتُصَوِّبُ الخطوات وتحمي الوطن.

الدكتور محمَّد المجذوب كان الزَّميل المحبوب والمحترم والمَوْئلَ الكريم لنا جميعاً في “المركز الثَّقافي الإسلامي”، كما كان المُحاضر الواسع المدارك والعروبي التَّوجه والإنسانيِّ الالتفاتات في عديد من المحاضرات التي صدح بها من على منبر المركز.

محمَّد المجذوب، هو صديقي الحبيب؛ خلال أربعين سنة من العمر، بَدَأت يوم تَشَرَّفتُ بالإلتحاق بـ”الجامعة اللُّبنانيَّة” أستاذا يافعاً غضَّ الأهاب، ثم مديراً لكليَّة الآداب فيها سعدتُ بالعمل تحت إدارته للجامعة في سنتي رئاسته لها. وتعمَّقت، بعد ذلك، أواصر الأخوَّة والصَّداقة بيننا إبَّان مزاملتي له في مجلس “أمناء المركز الثَّقافي الإسلامي”، وخلال نشاطاته الأكاديميَّة في “الجامعة الإسلاميَّة في لبنان”، التي أتشرَّف بأن أكون المستشار الأكَّاديمي لرئيسها.

الوداع أيها الأخ الغالي والصَّديق الكريم والوطني المخلص؛ وأكثر ما في هذا الوداع من عزاء، أنَّ ذكراك باقية فيه ومعه ما دمنا أحياء نَذْكُر وأحبَّاء نَفي وزملاء نشهدُ بما لك من فضل وما قدَّمت من عطاءات؛ والأكثر روعة من كلِّ هذا في وداعك، أن نقدر على أن ننقل للأجيال المقبلة حكاياتنا عنك ومحبتنا لك.
وجيه فانوس

اترك رد