
أصدرت الشاعرة نهاد الحايك مجموعة شعرية بعنوان “دوائر الاكتواء” (عن دار سائر المشرق)، وهي الثالثة بعد “اعترافات جامحة” (2015) و”عناقيد الزئبق” (2019).
تتألف المجموعة من خمسة فصول: “جمر”؛ “حتى آخر كفن”؛ “حبر”؛ “شلال”؛ و”شظايا”. كما خصصت الشاعرة فصلًا جمعت فيه مقتطفات من مقالات كُتبت عن مجموعتَيها السابقتَين وهو بعنوان “تحت المِجهر”.
ومما كتبت نهاد الحايك في مقدمة “دوائر الاكتواء”:
“أيُّها الناس الذين أنهكَتْهم الهمومُ الحياتيّة والقلق على المصير،
أيُّها المفجوعون بالفقدان والاستشهاد،
أيُّها الذين لا مكان للشِعر وما إليه بين قضاياهم المُلِحَّة،
إقبلوا اعتذاري لنشر كتاب، فقد عبّرتُ فيه عن الهموم والمآسي، عن وجع الانتماء، عن رهافة الحياة وجبروت الموت، وأيضًا عن الحب والأحلام.
فحسبي أني آمنتُ أنْ ليس بالخبز وحدَه يحيا الإنسان، وأني إذْ حدَّقتُ في عمق ذاتي كنتُ أبحثُ عن مرآةٍ لِذاتِ الآخرين”.
تناولت الشاعرة في هذه المجموعة عددًا من القضايا التي هزَّت الوجدان واكتوى منها القلب، في لبنان وخارجه، ومن هنا عنوان المجموعة “دوائر الاكتواء”، مثل: انفجار المرفأ، وجائحة كورونا، والثورة المجهَضة، والزلازل، والحرب على لبنان وعلى غزة، ومأساة المفقودين، ومرض الألزايمر، وغيرها، بالإضافة إلى الكتابة كجدوى للوجود، . في المقابل، يتضمن الفصل بعنوان “شلال” نصوصًا تصور الحب بأبهى أبعاده.
تُوقِّع الشاعرة ديوانها “دوائر الاكتواء” يوم السبت 15 آذار/مارس 2025 من الساعة السابعة إلى التاسعة مساء، في قاعة المعارض بدير مار الياس في أنطلياس، جناح دار سائر المشرق التي صدر عنها الكتاب، وذلك في إطار أنشطة المهرجان اللبناني للكتاب. والجدير بالذكر أن الشاعرة تقدم ديوانها هدية للمدعوين خلال حفل التوقيع.
وقد اخترنا من الديوان هذا النص:

الحلم المُتشَظّي
إلى الأنقياء الذين آمنوا بأن الثورة قد تُخلِّص الوطن
وفُجعوا بالثورة تموت في ريعان شبابها
كدنا نحطِّم في ذاكرتنا
كلَّ ما أُنشِدَ للوطن مِن أغانٍ
حقنوا بها رؤوسَنا
طبَّعوا بها نفوسَنا
ففي وجه الواقع
جعلَتْنا
على أرضنا مُغرَّبين
مُمزَّقي الانتماء
مُنفصِمي الهويّة
كدنا نحرق كل القصائد
المطبوعة في الوجدان
بثَّت فينا
نشوةَ حُب الأوطان
قضينا العمر نبحث لها
عن تمارين تطبيقيّة
لم نكن في سُبات
كانت الثورةُ عاصفةً كامنة
والغضبُ جيَشانًا صامتًا
أعَدْنا تدويره
آلافَ المرّات
وآلافَ الخيبات
في طواحين الهواء
كانت الحُريّة تمثالًا
ناطقًا
في خبايا الوجود
والذهبُ الذي فاضت به
بيادرُ أيوب
ذوَّبناه في كؤوس الخَدَر
وانتظرنا الصحو
لاختراق السدود
وتحطيم سلاسل القَدَر
صمتُ السنين
نطق هتافاتٍ
أفتكَ مِن الرصاص المطّاطي
انفجر صراخًا
أقوى مِن مُسيِّلات الدموع
وصل إلى مدارات النجوم
ها نحن
نحرِّرُ أحلامنا
نشبكُ الأيادي
نمتدُّ جسرًا
من لحمٍ ودم
من فكرٍ وعاطفة
تنبض قلوبُنا بإيقاعٍ واحد
نكسر سلاسلَ الخوف والخنوع
لنُشكِّلَ سلسلةً بشريّة مُترابطة
سلسلةَ حُريّة
لا سلسلةَ قيد
نعانقُ هذه الأرض
نتنشّقُ عبيرَ ترابها
نسكَرُ بهوائها
نُقبِّلها
ونَقْبَلها
بحُبِّنا الناهض مِن الآلام
وأحلامِنا المُنتصِرة على الخيبات
نُقبِّلها
ونعتذر عن صمتنا الطويل
ونَقبَلها
بكل ما نختزنُه مِن وفاء
امتدَّتْ أطرافُ أخطبوطٍ
إلى صفوف الثائرين
مُتنكِّرةً بشعاراتٍ سامّة
أفقدت الحراك البوصلة
وتساقط الصراخ
الواصل إلى النجوم
مرتطمًا بإسمنت المُحال
وسال
ذائبًا في صمت الرمال
أمام جبروت السلطة
الجائرة
الفاجرة
في وجهنا بكلِّ برود
الفاسدة
القاعدة
على قلوبنا منذ عقود
عادت سِكّينُ اليأس
تقطع الشريان
الذي ضخَّ الأمل
في دورة حياتنا
المُدَجَّنة
الخانعة
المُخَدَّرة
بشؤونها الصغيرة
هل تكون الثورة
مجرَّد فَورة
يعود الناسُ بعدَها
إلى التمَتـرُس
وراء التركة الثقيلة؟
متى
نقتلع
التركة المَقيتة
مِن جذورها
ونجترح التغيير؟
وبينما كانت أشواك الأسئلة تُدميني
تناهَتْ إليّ
ثرثراتٌ مُتعاظمة:
“لأن ثورتَكم لن تُجدي
فقد ماتت في ريعان شبابها”…
أريد الإيمان
بأن الثورة سُرقت
ولم تَمُتْ
وأن ذكراها تجري في الشرايين
مع دمائنا المنتظِرة
إسقاطَ الأقنعة
وفضْحَ المخبوء
وستحيا في بالِنا
حلمًا وفكرة
فهل ستكون كالقطرة؟
وكم من السنوات الضوئية
كي تحفر القطرات
هذا الصَخر؟
هل مِن رُقْيَة؟
تعويذة؟
ترفع عنا
هذا السِحر؟
꧁꧂
مرتبط