أعرب رئيس الأساقفة سيلفانو تومازي، مراقب الكرسي الرسولي الدائم لدى الأمم المتحدة، عن قلق الفاتيكان إزاء انتهاك الحريات الدينية والاعتداءات المنهجية التي تتعرض لها الجماعات المسيحية في مناطق عدة حول العالم لاسيما في أفريقيا، آسيا والشرق الأوسط.
صوت الفاتيكان يرتفع على منبر الأمم المتحدة ويدوي في أرجاء المنظمة العالمية في كل مرة تنتهك فيها كرامة الإنسان، سواء من خلال الحروب، او المجاعات، أو الفقر، أو الاضطهادات… مؤكداً على الدوام أن النمو المتكامل للكائن البشري يتحقق عندما تُصان حقوق الأفراد وتُحترم كرامتهم، وفي طليعة هذه الحقوق تأتي حرية التعبير وحرية ممارسة الشعائر الدينية، وأن ضمان حرية المعتقد وتوفير المناهج التربوية الكفيلة في الدفاع عن هذه الحرية يمهدان الطريق أمام احترام معتقدات الآخرين، وأن السلام لا يعني غياب العنف وحسب بل يتطلب تعزيز التعاون والتضامن على المستويين الوطني والدولي أيضاً.
مواقف ثابتة
تنصّ المادة الثامنة والعشرون من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان: “لكل فرد الحق في التمتع بنظام اجتماعي دولي تتحقق بمقتضاه الحقوق والحريات المنصوص عليها في هذا الإعلان تحققاً تاماً”، مع ذلك ما زال أفراد كثيرون في العائلة البشرية يُحرمون من حقوقهم واحتياجاتهم الرئيسة، من هنا يدعو الكرسي الرسولي ، على الدوام، الحكومات، المنظمات، الجماعات والأفراد إلى الالتزام بالدفاع عن حقوق الإنسان والسهر على تطبيقها، في سبيل الحرية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين البشر.
انطلاقاً من هذا الهدف السامي الذي وضعه الكرسي الرسولي نصب عينيه منذ أصبح عضواً مراقباً في الأمم المتحدة، وفي موقف حازم أمام الجمعية العمومية للأمم المتحدة قال رئيس الأساقفة سيلفانو تومازي إن دراسات موثوق بها تشير إلى أن أكثر من مائة ألف مسيحي يُقتلون سنويا لأسباب مرتبطة بإيمانهم في أغلب الأحيان، وإن مسيحيين آخرين يُجبرون على الهجرة القسرية، وتتعرض دور العبادة للتدمير ناهيك عن الانتهاكات الخطيرة التي تطاول القادة الدينيين المسيحيين ومن بينها: عمليات الاختطاف التي ذهب ضحيتها أخيراً الأسقفان السوريان إبراهيم ويازجي… واصفأً إياها بأنها وليدة التعصب وانعدام التسامح والإرهاب والقوانين المجحفة.
مذكراً بأن مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أقر بأن الدين يساهم في تعزيز الكرامة البشرية، وبأن المسيحية تساهم في تحقيق الخير العام للبشرية جمعاء، ولم يخف تومازي قلقه إزاء محاولة تهميش المسيحيين وإقصائهم عن الحياة العامة في دول كثيرة.
لأن هدف الاقتصاد أن يضع نفسه في خدمة النمو المتكامل للكائن البشري، ولأن البابا الراحل يوحنا بولس الثاني شدد على أن قيمة العمل تعزز الكرامة البشرية وتقويها، شدد تومازي، ممثل الكرسي الرسولي في المؤتمر الوزاري الثالث عشر للأونكتاد (مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية) الذي عقد في الدوحة، على أن الأزمة المالية والاقتصادية الراهنة تشكل فرصة لإعادة النظر في الأنظمة الاقتصادية ووضع معايير جديدة لها، متمنياً أن يرتكز الاقتصاد الجديد إلى مبادئ العدالة الاجتماعية والقيم الخلقية، شأن الشفافية والنزاهة والتضامن والمسؤولية، وموضحاً أن وضع الإنسان في صلب هذه السياسات يحول دون نشوب أزمات جديدة ويوفر، في الوقت نفسه، حماية للنسيج الاجتماعي والبيئة من تبعات الأزمة الراهنة.
أضاف أن جذور الأزمة الراهنة ليست اقتصادية أو مالية وحسب إنما تحمل طابعا أدبيا وخلقيا أيضاً، كما أكد البابا بنديكتوس السادس عشر في رسالته العامة “المحبة في الحقيقة” وبغية تخطيها يتعين وضع الإنسان في المقام الأول لا الربح المادي.
ولفت إلى أن الدول كافة، لاسيما تلك المتقدمة، تدفع ثمناً باهظا لهذه الأزمة على الأصعدة الاجتماعية والثقافية، لأنها همشت البعد الخلقي، وأن الأشخاص، وفي أنحاء العالم، يتقاسمون الاحتياجات والرغبات والتطلعات نفسها، فالنمو ليس مفهوماً اقتصادياً وحسب بل محاولة لتلبية هذه الأهداف أيضاً من دون استثناء أي شطر من المجتمع، خصوصا الشرائح الأكثر تهميشا.
توقف عند الدور الإستراتيجي الذي تضطلع به التربية في هذا المجال لأنه أساسي من أجل بناء مستقبل المجتمعات، ودعا منظمة الأمم المتحدة والجماعة الدولية إلى معالجة المشاكل المرتبطة بالحق في الحصول على الطعام، وفي طليعتها مشكلة ارتفاع أسعار المواد الغذائية.
أهمية تعزيز ثقافة السلام ودور العائلة في التربية للإسهام في الخير المشترك للمجتمع بأسره، شكلا محور الكلمة التي ألقاها رئيس الأساقفة سيلفانو تومازي، خلال انعقاد الدورة العشرين لمجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في جنيف، مشيراً إلى أن عدداً لا يحصى من الأطفال لا يتعلمون القراءة في البلدان الأشد فقرا في العالم،
أوضح أن التربية مسألة ضرورية لتعزيز ثقافة السلام والاحترام المتبادل والتضامن الدولي، وأن التربية شرط جوهري لتحسين نوعية الحياة كونها تنمي المواهب الخاصة وتضعها في خدمة المجتمع، ما يخدم الاقتصاد أيضا. ولفت إلى أهمية ضمان التربية للأطفال من دون أي تمييز، وحق الأهل غير القابل للتصرف من ناحية اختيار تربية أطفالهم، ورأى أن التربية تتعلق بالتنشئة المتكاملة للشخص البشري، ببعديها الأخلاقي والروحي، من أجل خير المجتمع، مشدداً على أن العائلة من خلال رسالتها التربوية، تساهم في الخير المشترك وتشكل المدرسة الأولى لتعلّم الفضائل الاجتماعية التي تحتاجها المجتمعات بأسرها.
احتفالا بالذكرى السنوية العشرين لصدور إعلان الأمم المتحدة حول حقوق الأشخاص المنتمين إلى أقليات قومية، عرقية، دينية ولغوية، سلط رئيس الأساقفة سيلفانو تومازي، مراقب الكرسي الرسولي لدى مكاتب الأمم المتحدة والمنظمات الدولية الأخرى، في جنيف، الضوء على أوضاع تُهمش فيها الأقليات في مناطق تتعرض للعنف كما تُجبر على الهجرة أو النزوح وغيرها من ضروب الاضطهاد والتمييز.
أشار إلى أن هذه الجماعات تشكل مصدر غنى للدول التي تقيم فيها لاسيما من الناحيتين الثقافية والاجتماعية، كما أنها تقدم إسهاماً إيجابياً في الحياة العامة، داعيا إلى التخلي عن تعبيرَي الأكثرية والأقلية لأن الأشخاص كافة متساوون في الحقوق والواجبات أمام الدولة التي بدورها لديها حقوق وواجبات تجاه المواطنين، بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية، العرقية واللغوية.
من الأهمية بمكان، برأي تومازي، أن يسير المجتمع الدولي نحو ضمان احترام كرامة الأشخاص كافة وحقوقهم، وأن هذه المسيرة قادرة على فتح آفاق جديدة، لاسيما في الدول والمناطق التي تعاني توترات وتواجه مشاكل على صعيد التعايش السلمي بين مكونات المجتمع.
أوضح سيلفانو تومازي أن الأقليات المسيحية تدفع اليوم الثمن الأكبر، إنها أقليات تعاني في منطقة الشرق الأوسط، أفريقيا الشمالية وبعض الولايات الهندية. فالمسيحيون في تلك المناطق يُجبرون على الهجرة في غالب الأحيان لأنهم يعجزون عن العيش بسلام في المجتمعات التي ينتمون إليها.
لفت مراقب الكرسي الرسولي إلى وجود أقليات أخرى تعاني التمييز والتهميش، مشيراً إلى جماعات المهاجرين في أوروبا الذين يعيشون غالبا على هامش المجتمع بسبب لون بشرتهم أو انتمائهم إلى الإسلام، وهذا ما يحصل خصوصا في ضواحي المدن الأوروبية الكبرى، والتمييز الذي يتعرض له السكان الأصليون الذين تغتصب منهم أراضيهم، داعيا الدول إلى احترام حقوقهم وتقاليدهم.
مراقب دائم
منذ 1957 دفع الفاتيكان الأمم المتحدة إلى أن تمنح أهمية لمواقف الكرسي الرسولي لدى اتخاذ قراراتها. وفي عام 1964، من دون قرار، أو قانون، أصبح الكرسي الرسولي مراقباً دائماً في الأمم المتحدة وفي المنظمات التابعة لها، وقد خولته هذه الصفة المشاركة في مناقشات المنظمة الدولية، لا سيما تلك المتعلقة بالأمية، ومكافحة فيروس نقص المناعة… وقد سجل الفاتيكان مواقف مناهضة لاقتراحات تقدمت بها دول مختلفة للسماح بالإجهاض واستعمال وسائل منع الحمل، متحججة بأن 600 ألف امرأة حامل يمتن خلال عملية الولادة، وأن نساء كثيرات يتعرضن للاغتصاب والعنف في زمن الحرب، ولم يتوانَ في المؤتمرات الدولية حول السكان عن محاربة وسائل تحديد النسل…
سجل الفاتيكان مواقف حازمة حول التزام الكنيسة الكاثوليكية تقديم خدمات أساسية في المجتمع لاسيما في مجالي التربية والصحة ودعم اللاجئين حول العالم، بغض النظر عن الانتماءات الدينية والعرقية، مذكراً بأن العالم بات غنيًا ولا يمكنه أن يسمح للفقر المدقع بأن يستمر بسبب نقص في مخيلة السياسيين أو إهمالهم.
كذلك للكرسي الرسولي موقف واضح من العمل كونه مفتاح التقدم الثقافي والخلقي وليس مفتاح التطور الاجتماعي فحسب، ومن الضرورة التوصل إلى توازن بين النمو الاقتصادي من جهة، والعدالة الاجتماعية من جهة أخرى، مشيراً إلى أن إعلان منظمة العمل العالمية حول حقوق ومبادئ العمل الأساسية، الصادر عام 1998، ما زال حجر الزاوية في خلق هذا التوازن، ومشدداً على ضرورة المساواة بين الرجل والمرأة في العمل، باعتبار أن وجود النساء في أماكن العمل يمكن أن يساعد في تحسين هذه الأماكن، ومنتقدأً التمييز الذي يمارس ضد النساء في الدول الغنية والفقيرة على السواء.
وطالب الكرسي الرسولي في أكثر من مناسبة أن يتلقى الآباء والأمهات رواتب مناسبة وعادلة تكفي لتأمين حاجات العائلة اليومية، بما في ذلك مسؤولية الآباء تجاه أبنائهم، وأن الرواتب العادلة تحمي العائلات الفقيرة من تشغيل القاصرين، وتساعد في تنشئتهم وفي نموهم نحو نضج معتدل، مذكراً بأن غياب حالة عائلية طبيعية، يؤدي إلى حالات مشينة كالمتاجرة بالبشر والدعارة.
نقاشات ولا تصويت
تمنح الهيئة العامة في الأمم المتحدة صفة مراقب لدولة غير عضو في الأمم المتحدة ولهيئات ومنظمات دولية، ويُسمح لها بالمشاركة في الخطابات والحوارات والتصويت علي بعض الإجراءات، لكنها لا تصوت علي القرارات ولا تُعامل كدولة، فلا يحق لها طلب التصويت على قرار أو تحويل أي قضية للهيئات التابعة للأمم المتحدة، كمحكمة العدل الدولية وغيرها، وبالتالي هو منصب للمشاركة وتوضيح وجهة نظر والتصويت على الإجراءات فقط، لا وزن حقيقيا له في الهيئة العامة.
تعود هذه الصفة إلي عام 1946 عندما وافق الأمين العام على الأمم المتحدة على تعيين الحكومة السويسرية مراقباً دائما لدي الأمم المتحد،ة يحضر المراقب الدائم معظم الاجتماعات ويحصل علي الوثائق ذات الصلة.
الشرط الوحيد لقبول دولة لا صفة عضوية لها في الأمم المتحدة، أن تكون عضوا في واحدة أو أكثر من وكالات الأمم المتحدة المتخصصة. على سبيل المثال، كانت سويسرا دولة ذات صفة مراقب دائم من الفترة 1948-2002، حتى أصبحت عضوا كاملا في 10 أيلول 2002.
يملك المراقب الدائم الحق في الكلام في اجتماعات الجمعية العامة، والمشاركة في التصويت الإجرائي، ورعاية القرارات الإجرائية وتوقيعها، ولكن لا يملك الحق في التصويت على القرارات وغيرها من المسائل الموضوعية.
تضم منظمة الأمم المتحدة، بالإضافة إلى الدول الأعضاء البالغ عددها 193، كيانات ومنظمات ودولا غير أعضاء تتمتع بصفة مراقب. يحق لها أن تقدم المقترحات والتعديلات وأن تشارك في المناقشات. ويتم ترتيب الدولة المراقبة في قاعة الجمعية العامة مباشرة بعد الدول الأعضاء وقبل المراقبين الآخرين. ويحق لها أن تطلب الانضمام إلى بروتوكول المحكمة الجنائية الدولية وكثير من الاتفاقيات العالمية.
في الأمم المتحدة دولة واحدة تتمتع بهذه الصفة، هي الفاتيكان، أما منظمة التحرير الفلسطينية فهي تنشط في الأمم المتحدة منذ عام 1974 تحت وضع “كيان بصفة مراقب”، واستعيض عن تسمية “منظمة التحرير” بتسمية “بعثة المراقبة الدائمة لفلسطين” بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1988، قبل أن تحصل في 29 تشرين الثاني 2012 على صفة “مراقب غير عضو” بالأمم المتحدة.
ثمة منظمات دولية تشارك بصفة مراقب في دورات الجمعية العامة ولها مكاتب دائمة في المقر، منها جامعة الدول العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية والاتحاد الأفريقي والاتحاد الأوروبي.
لا يتطلب الحصول على وضع “دولة مراقب غير عضو” إلا على غالبية بسيطة في الجمعية العمومية للأمم المتحدة التي تضم 193 دولة، ولا يمكن للدول الكبرى في مجلس الأمن استخدام حق النقض “الفتيو” لإجهاض الطلب، كما هي الحال بالنسبة إلى وضع “دولة كاملة العضوية”.
ولا توجد في ميثاق الأمم المتحدة أحكام واضحة بشأن دور “الدولة المراقب”، بل يتم تحديد الأمور بالممارسة. وقد حصلت دول، كانت في الأصل مراقبة، على العضوية الكاملة في الأمم المتحدة، منها: النمسا وفنلندا وإيطاليا واليابان.
كلام الصور
1- رئيس الأساقفة سيلفانو تومازي
2- الجمعية العامة للأمم المتحدة
3- عنف يلف بلدان كثيرة من العالم
4- الفاتيكان
5- انتهاك كرامة الطفولة
6- تهجير