حركة الأموال العربية في ”تحوّلات“ خارطة الاستثمار العالمية

الباحث عدنان كريمة

في ضوء الاضطرابات السياسية والأمنية في منطقة الشرق الأوسط، وخصوصاً ”الحرب على الإرهاب“ بقيادة الولايات adnan karimaالمتحدة، وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، وكذلك تطوّرات الأزمة الأوكرانية وتطبيق العقوبات الأميركية والأوروبية ضدّ روسيا، تبرز أهمية التحوّلات التي تواجهها خارطة الاستثمار العالمية بما فيها من تحدّيات. فما هي أهمّ سمات الاستثمار العالمي؟ وما هو تأثير الأزمة الأوكرانية عليها؟ وأين موقع الاستثمارات العربية؟

تشير التوقّعات إلى أن حركة الاستثمارات المباشرة التي ارتفعت بنسبة 9 في المائة في العام 2013 إلى 1.45 تريليون دولار، يتوقّع أن تستمرّ بالارتفاع الى 1.6 تريليون دولار في العام 2014، وإلى 1.7 تريليون دولار في العام 2015، ثم إلى 1.8 تريليون دولار في العام 2016. فقد أثبتت التقارير أن استمرار مجموعة الدول النامية في تصدّر استقطاب الاستثمارات الخارجية المباشرة، هو من أهمّ سمات الاستثمار العالمي، حيث ارتفعت هذه الاستثمارات بنسبة 6 في المائة إلى 778 مليار دولار في العام 2013، لتحظى بنسبة 54 في المائة من المجموع العالمي، مقابل نسبة 39 في المائة للدول المتقدّمة. وتستحوذ الدول النامية والانتقالية حالياً على نحو نصف المراتب للدول العشرين الأولى في استقطاب الاستثمار.

ولوحظ أن روسيا دخلت في العام الماضي لأوّل مرّة قائمة أفضل ثلاث وجهات للاستثمار الأجنبي المباشر، وجذبت 94 مليار دولار بزيادة 83 في المائة عن العام 2012 (إحصاءات الأمم المتحدة)، ولكن يبدو أن حركة الاستثمارات في العام الحالي لا بدّ من أن تتأثّر بالعقوبات الأميركية والأوروبية التي شملت أكثر من 100 شخصية و23 شركة مالية ومصرفية روسية بسبب الأزمة الأوكرانية، حتى أن الشركات الأوروبية مُنعت من الاستثمار المباشر وغير المباشر في القرم. وقد أشار مراقبون في زيوريخ إلى أن العقوبات ستؤثّر على ثروات الأغنياء الروس في خزائن المصارف السويسرية والبالغة نحو 16 مليار فرنك سويسري، مع العلم أن هذه الثروات تضاعفت منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية.

ويذكر أن الروس هم أكبر الزبائن في مجال الصيرفة الخاصة في سويسرا ويتنافسون بثرواتهم مع الأغنياء الأميركيّين.
ووفق تقرير لصندوق النقد الدولي، فقد أدّت العقوبات الغربية إلى هروب نحو 74 مليار دولار من روسيا في النصف الأول من العام 2014، وتوقّع التقرير أن يرتفع هذا الرقم إلى نحو 120 مليار دولار مع نهاية العام الحالي.

ويدرس الاتحاد الأوروبي حظر الاقتراض أو التمويل في أوروبا ليشمل جميع الشركات الروسية المملوكة للدولة، وتقليص الحدّ الأدنى لأجل استحقاق أدوات الديون الصادرة عن البنوك الروسية، وكذلك فرض حظر على شراء المشتقّات المالية الروسية.

الاستثمار العربي

حلّت المنطقة العربية في المرتبة الرابعة عالمياً في مؤشّر ضمان جاذبية الاستثمار للعام 2014، بين سبع مجموعات جغرافية، وبمتوسط قيمة بلغ 36.7 نقطة من إجمالي 100 نقطة، وفق التقرير السنوي الـ 29 لمناخ الأستثمار الصادر عن المؤسّسة العربية لضمان الاستثمار وائتمان الصادرات (ضمان). وجاءت بعد مجموعات دول منظّمة التعاون الاقتصادي والتنمية التي حلّت في المرتبة الأولى، ودول شرق آسيا والمحيط الهادي التي حلّت في المرتبة الثانية، ثم دول أوروبا وآسيا الوسطى التي حلّت في المرتبة الثالثة.

وأظهرت هذه النتيجة أن الأداء العربي جاء ضعيفاً جدّاً في مؤشّري اقتصادات التكتّل وعوامل التميَز والتقدّم التكنولوجي، وأقلّ بنسبة ضئيلة من المتوسّط العالمي في مجموعة المتطلّبات الأساسية.

وعلى الرغم من وجود تفاوت كبير بين الدول العربية لحركة الاستثمارات الخارجية المباشرة، فإن الاتجاه الغالب هو استمرار التراجع للعام الخامس على التوالي باستثناء تحسّن بنسبة 17 في المائة في العام 2012 لتصل في العام 2013 إلى 48.5 مليار دولار، أي بانخفاض نحو 50 في المائة عمّا كانت عليه العام 2008 عندما قُدّرت بنحو 96.2 مليار دولار. ولوحظ أن التراجع بدأ العام 2009 بنسبة 16 في المائة، واستمرّ في العام 2010 بنسبة 15 في المائة. ومع موجة ثورات الربيع العربي في العام 2011 كان الانخفاض الأكبر بنسبة 32 في المائة، قبل أن تسجّل النسب تحسناً بنسبة 17 في المائة العام 2012، ثمّ تعود إلى الانزلاق بنسبة 9 في المائة في العام 2013.

ويعود سبب كلّ هذا التراجع إلى حدّة التوتّرات الإقليمية التي أدّت إلى زيادة الغموض وعدم اليقين بشأن استقرار الأوضاع، ما أدّى إلى الحدّ من دخول المستثمرين الأجانب، وكذلك الأمر بالنسبة إلى حركة الاستثمارات العربية البينيّة، وبخاصّة الدول التي تشهد صراعات وحروباً أو تحوّلات جذريّة في أوضاعها السياسية.

ويبدو من خلال النتائج أن الاستثمارات البينيّة كانت الأكثر تضرّراً من التطوّرات الأمنية والسياسية. وتشير بيانات المؤسّسة العربية لضمان الاستثمار إلى تراجع حجم هذه الاستثمارات بشكل كبير، وذلك من 6.8 مليار دولار العام 2011 الى 1.8 مليار دولار في العام 2013.

وعلى نقيض من الاستثمارات الوافدة، شهدت تدفّقات الاستثمارات الخارجة من المنطقة زيادةً بنسبة 62 في المائة إلى 29.5 مليار دولار في العام 2013، وتعود هذه الزيادة إلى التدفّقات المتزايدة الخارجة من دول مجلس التعاون الخليجي، وخصوصاً قطر، حيث زادت أربعة اضعاف، والكويت حيث زادت بنسبة 159 في المائة وتصدّرت المرتبة الأولى عربياً في تصدير الاستثمار. ثم تلاها، من حيث الأهمّية النسبية، قطر ثم السعودية فعُمان والبحرين. وترجّح التوقّعات استمرار تدفّق الاستثمارات الأجنبية المباشرة الخارجة من المنطقة بوتيرة متصاعدة في ظلّ التطوّرات الأمنية والسياسية السائدة حالياً.

وكشف تقرير اقتصادي أعدّه اتحاد غرف دول مجلس التعاون، عن تراجع النموّ إلى 3.6 في المائة في العام 2013 مقارنةً بنحو 5.5 في المائة لعام 2012. لكنّ التقرير أشار في الوقت نفسه إلى فائض في موازنات دول الخليج من عائدات النفط بقيمة تزيد على 65 مليار دولار، فضلاً عن ارتفاع حجم استثماراتها الخارجية إلى 3.3 تريليون دولار في العام 2014.

إفريقيا الواعدة

لقد شهدت القارة السوداء نموّاً اقتصادياً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، بفضل تدفّق الاستثمارات الخارجية من قبل الدول المتقدّمة، حتى برزت ”الواجهة المستقبلية للاستثمار العالمي“، كونها تشكّل موطن سبعة من أصل أسرع عشرة اقتصادات نامية في العالم، وهي تحتاج إلى 93 مليار دولار سنوياً لتلبية خططها الاستثمارية في البنية التحتيّة وصولاً الى العام 2020. وإذا كان المتوافر حالياً لدى الحكومات الإفريقية هو نحو 31 مليار دولار فقط، يكون المطلوب من الاستثمارات الخارجية أن تغطّي الباقي والبالغ نحو 62 مليار دولار سنوياً.

mountada

المنتدى العالمي الإفريقي

وفي أغسطس (آب) 2014، وقبل أن يتوسّع انتشار مرض ”إيبولا“، قرّرت الولايات المتحدة دخول ”سباق الاستثمار العالمي“، وأعلن الرئيس باراك أوباما عن رصد 33 مليار دولار، كالتزامات جديدة لتنمية إفريقيا، واستعداد الشركات الأميركية لاستثمار أكثر من 14 مليار دولار في القارة السوداء. وتهدف واشنطن من خطواتها الاستثمارية دخول ”ساحة المنافسة“ في إحدى المناطق الواعدة التي توقّع صندوق النقد الدولي أن تسجّل نموّاً سيبلغ 5.8 في المائة في العام 2015، وذلك إلى جانب الاتحاد الأوروبي الذي يُعدّ متفوّقاً على أكبر قوّة في العالم بفضل علاقاته التاريخية والاستعمارية لبعض الدول الإفريقية، والصين التي سجَّلت بدورها رقماً قياسياً في تبادلها التجاري مع القارة السوداء بلغ 210 مليار دولار في العام 2010 ، مقابل 85 ملياراً فقط بين الولايات المتحدة والبلدان الإفريقية.

أما البلدان العربية، وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي، فهي تقوم بدور استثماري كبير في القارة السوداء، وقد بلغت استثماراتها خلال السنوات العشر الأخيرة أكثر من 144 مليار دولار، ولديها خطط طموحة لتعزيز ”شراكتها الاستراتيجية“ التجارية والاستثمارية، لتحظى بحصّة كبيرة في تمويل مشروعات استثمارية جديدة .

وفي إطار الاستثمار الخليجي، تبرز أهمية ”التمويل الإسلامي في إفريقيا“، وهو لا يزال في بداياته. وتمثّل القارة السوداء حالياً 2.4 في المائة من الأصول المصرفية الإسلامية العالمية، ونحو 2.8 في المائة من أصول إدارة الصناديق الإسلامية بنهاية العام 2013. وتوفّر الصكوك الإسلامية بديلاً متوافقاً مع أحكام الشريعة الإسلامية لسوق رأس المال التقليدية، ما يجعل من هذه الصكوك أداة جاذبة للمصدّرين المحتملين في إفريقيا وغيرهم من المستثمرين على حدّ سواء، ويمكن الاستفادة منها في دعم مشروعات في قطاعات مثل الطاقة والنقل، ومختلف مشروعات التنمية الأخرى. كما يوفّر التمويل الإسلامي للمؤسّسات الحكومية كذلك آليّة بديلة لتمويل دعم احتياجات الإنفاق الرأسمالي في البلاد .

لكن في إطار التحدّيات التي تواجه دول إفريقيا لجذب الاستثمارات الأجنبية، أجمع متحدّثون دوليّون وأفارقة في ”المنتدى العالمي الإفريقي“ الذي انعقد في أول أكتوبر (تشرين الأول) 2014 في دبي، على أهمّية تحقيق الأمن والاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي في القارة السوداء، لتشجيع رؤوس الأموال على الاستثمار فيها، فضلاً عن ضرورة القضاء على مرض ”إيبولا“ الذي حذّر صندوق النقد الدولي من تأثيراته الاقتصادية والاجتماعية.

******

(*) مؤسسة الفكر العربي- مشرة أفق

اترك رد