بقلم: كلود أبو شقرا
للمرة الأولى في الشرق الأوسط ، يجتمع الشعر والمسرح والرسم في عمل واحد في عنوان “زار”، أرادته نهى فران دعوة مجانية للناس لتتشارك معهم الهموم وتقول لهم: “أرقصوا معي لأريكم مجرات تنثر الحب من جديد”.
“زار”، عرض فني أدائي تفاعلي، تقدمه الرسامة التشكيلية والأديبة والشاعرة والباحثة د. نهى فران في 6 سبتمبر/ أيلول على خشبة مسرح اليونسكو، يجمع بين الفنون التشكيلية، الشعر، النص الآدبي المجسد بمشهد مسرحي، الرقص التعبيري والموسيقى، وذلك ضمن لوحة فنية في إطار جديد.
يأتي هذا العرض في إطار دراسات نهى فران وأبحاثها حول الحداثة في الفن، كنمط حياة وأسلوب، بعدما أدت الحداثة والعولمة إلى تداخل الفنون، بالتالي خرجت اللوحة عن إطار الفن الحامل، واكتسبت أفقاً جديداَ تتداخل فيه الفنون ليتفاعل المشاهد معها.
تركز نهى فران في “زار” على فكرة أن الفن ليس منظماً، وتحاكي فيه بيئة وواقعاً شرقياً، أي أنه فن ملتزم مرتبط ببيئته ومجتمعه، إيماناً منها أن أي فن خارج بيئته لا يستمر. تقول في هذا الإطار: “هذا العرض هو لوحة متحركة تتخطى الجمود والثبات المعتادة عليهما اللوحة عموماً، أتفاعل معها وأكوّن ولوحتي جزءاً واحداً يكتمل وجودها مع الشعر والموسيقى والرقص”.
تضيف: “زار كلمة عربية منبثقة من عبارة الزائر النحس، تتكوّن من طقوس شعببة لها أهداف نبيلة، سواء نفسية أو اجتماعياة، ومنحى علاجي نفسي واجتماعي. يفترض أن تترأس حلقات زار امرأة يطلق عليها لقب شيخة، غايتها طرد الأرواح الشريرة والنحس والحزن”.
تدعو نهى فران الناس إلى حلقة زار من تنظيمها، وهي عبارة عن سمفونية تجسد الجمال وتنثر الحب. تقول: “استوحيت العمل من الواقع الذي نعيشه، من الحراك الذي لا أفق له وأدخل الشعب العربي في دوامة، لا خلاص منها، لأن الثورات العربية مجرد “صف كلمات” تتحدث عن الحرية والديمقراطية، ولم تقدّم برنامجاً سياسياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً لتحقيقهما، لذلك لم يستقرّ الحكم في ليبيا أو تونس أو مصر، وهذا الأمر بالذات يدخلنا في قلب هذه الدوامة، ما من بلد عربي أفضل من غيره، لأن النظام السياسي العربي أثبت تخلفه عن العصر ما أدى إلى اختراق بين الأنظمة وشعوبها”.
من هنا يمكن تفسير الملصق الذي يبرز صورة نهى فران وسط أعلام الدول العربية، “كأنني في قلب هذه الدوامة من الحزن والسواد، ففي لوحاتي، أجسد المرأة التي ترمز إلى الأمة العربية، وأحاكي من خلالها الوطن والشعوب العربية، وأبين المشاكل وأبحث عن الحلول”.
لأننا نعجز عن بلوغ الفرح، ونتوارث النكسات جيلاً بعد جيل، تدعو نهى فران الناس ليتفاعلوا معها، وتنقل إليهم رسالة إنسانية عن الواقعين السياسي والاجتماعي اللذين تعيشهما ويشاركها كل مواطن عربي، “لذلك انطلقت الفكرة من لوحة وشعرت بضرورة أن تعرض بهذه الطريقة لأشارك الناس همومهم ورسالتي سأتركها لهم عندما يحضرون العرض”.
مدة العرض محدودة بأقل من 20 دقيقة، بالتالي تذكّر نهى فران الجمهور بضرورة التقيّد بالوقت والالتزام به، أي يبدا عند السابعة وينتهي عند السابعة و14 دقيقة، تليه حفلة كوكتيل ولقاء بين الصحافة والحضور.
كانت نهى فران أجرت اختباراً صغيراً في هذا العرض فتفاعل الناس معه ذهنياً وجسدياً، تقول: “طبيعي أن يشعر الجمهور بأمور ترافق يومياتنا. يوقظ هذا العرض الحس النائم عند الشعب وينبههم إلى الدوامة التي نعيشها”.
التراث والحداثة والفن التشكيلي في عيون لبنانية.
ضمن إطار بحثها في الحداثة وتأثيرها في الفنون لا سيما الفن التشكيلي اللبناني وبعد سنتين من العمل المستمر واجهتها خلالها مشاكل عدة أبرزها عدم وجود مراجع تستند إلبها، أصدرت د. نهى فران كتاب “التراث والحداثة والفن التشكيلي في عيون لبنانية” (الدار العربية للعلوم).
يتناول الكتاب بإسهاب نمط الحياة المتجدد في الشرق بدءاً من الحضارات القديمة حتى الزمن المعاصر، متطرقاً إلى الفن التشكيلي في لبنان بين الأعوام 1920-1975، وساعياً إلى إبراز التحديات والإشكاليات والآفاق التي يطرحها واقع هذا الفن، في ظل العولمة وإشكالية الهوية والإنتماء، لاستدراك وجود علاقة بين الموروث الثقافي في الشرق والحداثة في الغرب، وذلك من خلال الإجابة على سببية التحول الثقافي وجدلية العلاقة بين التراث والحداثة في الشرق، وإشكالية اللغة والالتزام الديني والأخلاقي والسياسي وأزمة الهوية في لبنان، ليقدم رؤية مستقبلية لواقع الفن التشكيلي في لبنان بين الضرورة والقيم المجتمعية .
يختلف الادراك لنوع الفائدة التي يقدمها الكتاب باختلاف توجهات القارئ، من متابعة فلسفية لمفهوم الحداثة في الغرب وأثرها على الشرق ومتابعة تاريخية لمرحلة مهمة من مراحل تطور نمط الحياة في الشرق، ومتابعة فنية من خلال دراسة واقع الفن التشكيلي في لبنان.
تنبع مكانة الكتاب بالدرجة الاولى في إسهامه في مجالات التنمية وبشكل خاص التنمية الفكرية والفنية التي تشكل اللبنة الأساسية للطلاب والباحثيين والمهتمين بمفهوم الحداثة، التراث والفن التشكيلي.
للكتاب دور مهم في مجالات التنمية الثقافية والعلمية الأكاديمية، لأنه يفسّر العوامل التاريخية والعلمية والاجتماعية التي أدت إلى ولادة الحداثة في الغرب وتحليلها، ومن ثم ظهورها في الشرق، ليضعنا في منطلق صياغة عامة لإشكالية التعامل مع التراث والموروث الثقافي، ضمن محاولة لاكتشاف هذه العلاقة ومدلولاتها، والإضاءة على واقع الفن التشكيلي في لبنان، استناداً إلى مراجع ومصادر عربية وأجنبية وخلق تقاطع معرفي مبني على الوعي الناضج والدراسة الممنهجة، وهو يشكل مرجعاً للمهتمين بواقع الحداثة في الشرق والتراث والفن التشكيلي في لبنان.
ولعل أبرز ما يميز الكتاب أنه يعد من الانتاجات الأولى التي ستمهد الطريق إلى أعمال كثيرة حول واقع الحداثة والتراث ودلالات الفن التشكيلي في العالم العربي.
ينطلق الكتاب من إلقاء الضوء على التراث والحداثة في الغرب ومفاهيمها بدءاً بعصر التنوير والثورة الصناعية والثورة الفرنسية التي أدت إلى نشأة الحداثة، وكيف انتقلت من الغرب إلى الشرق، ومدى استيعاب الشرق لها وكيف تعامل معها، والإشكالية التي واجهها بين حرصه على التراث ومحاولة استيعاب الحداثة، وهي موضوع شائك في التراث وثقافة العصر. كذلك يتناول الكتاب المدارس التشكيلية الحديثة التي أفرزتها الحداثة ودوافعها ومفاهيمها الخاصة، وكيف تأثر الشرق بها…
يبدأ البحث من عام 1920 عندما توافدت الإرساليات إلى لبنان وقدمت المنح للفنانين للدراسة في أوروبا، فاطلعوا على الحداثة الفنية في الغرب ونقلوها إلى لبنان، وأرسوا أسس الحركة الفنية فيه. في هذا السياق يعالج الكتاب كيف تعامل الفنانون اللبنانيون مع فنون الحداثة ومع تراثهم…
كذلك يلقي الكتاب الضوء على الفنون البدائية، لأثبات أن تنوّع الحضارات في لبنان أفرز فناً رغم احتلاف دوافع نشأته، لكن بعد 1920 ومن خلال إسقاط المفاهيم الغربية على تراثنا، نما في لبنان فن حديث، وحاول الفنانون، عبره، ربط التراث بالحداثة لا سيما في المدرسة الحروفية التي انخرط فيها فنانون كثر، فيما حمل فنانون آخرون في جعبتهم هموم الشرق وحداثة الغرب، فدمجوا بينهما ليقدموا فناً يحمل بصمة خاصة، وقد أدى ذلك إلى إشكالية الالتزام الديني والأخلاقي، اشكالية التراث والحداثة، والأهم اشكالية الهوية…لا سيما أن المجتمع الشرقي يزخر بعادات وتقاليد، ولم يستوعب بعض الفنانين مفاهيم الغرب، نتيجة واقع الهوية وأهميتها، وما زال الاختلاف قائماً حول تحديد هوية الفرد في لبنان…
الهوية كلمة فضفاضة على الفن في لبنان، ذلك أن فنانين لبنانيين تكلموا، من خلال أعمالهم، لغة إنسانية، لأنهم جمعوا في فنهم هموم مجتمعهم وأساليب الحداثة، بالتالي وصلوا إلى العالمية، سواء من ناحية المفهوم أو الأسلوب، باعتبار أن الهوية وإشكالياتها ليست جغرافية بل إنسانية، وألا هوية للفكر، بل ميزته أنه يتكلم لغة يفهمها العالم، مثلاً لوحة “غرنيكا” لبيكاسو لغتها إنسانية تتشارك مع أي شعب يتعرّض للمجازر والحروب والحزن والمأساة ، بالتالي تكتسب أهمية خاصة. وإن كانت البيئة تفرض على الفنان أسلوباً معيناً، إنما يبقى الموضوع يخص العالم أجمع…
نهى فران، من مواليد مدينة صور، جنوب لبنان، كاتبة، فنانة تشكيلية، أستاذة جامعية وباحثة، تحضر لنيل شهادة الدكتوراه في الفن وعلوم الفن، حائزة على شهادة الماجستير البحثي بتفوق في علوم الفن في المعهد العالي للدكتوراه الجامعة اللبنانية، وعلى دبلوم دراسات عليا في الفنون الجميلة، إلى جانب دراسات اخرى…أستاذة ومحاضرة في الجامعة الأميركية للعلوم والتكنولوجيا، وفي الجامعة الإسلامية في لبنان، عضو في جمعية الفنانين للرسم والنحت، وفي الجمعية الدولية للفنون.
كلام الصور
1- نهى فران توقع كتابها
2- غلاف الكتاب
الفنانة الدكتورة نهى فران
فنانة واديبة عربية لبنانية مبدعة ومجددة من جيل الشباب المجدد الذي تتمازج اصالته مع حداثته فهي قارئة جيدة للتاريخ والواقع وصاحبة رؤية واشراقة فيها الجمال والحضور والجديد وليس بغريب ان تبدع وتثري الحياة الفنية بجديد متألق فهي فنانة اديبة وابنة طبيب اديب متعايش مع هموم وطنه وامته وتاريخه لم ينسى التاريخ ولم يعزله عن الحاضر قوي الانتماء لجذوره وهكذا هي ابنته الرائعه واستطيع ان اشعر بفخر الاب بنتاجه كما شعوري بالوجود والجمال في وقت تضاءل واضمحل فيه الجمال والابداع في امة بات فيها كل شيء ركيك منقطع متقطع سطحي عائم .
ان لوحة العرض الفني المتكامل الذي تجلى وتألق على مسرح قصر اليونسكو بابداع الفنانة الاديبة المتالقة نهى فران.، عرض اتى فيه الفنانة بجديد معلنة عن لوحة جديدة اظهرت فيها قدراتها الفنية والادبية والعلمية .
سيبقى عرض الدكتورة والاديبة نهى فران ابداع يرافق الحياة الفنية اللبنانية والعربية .. وتبقى صور مدينة ولودة ويبقى لبنان صرح شامخ ولازالت امة العرب امة خصبة .
تحية للدكتورة نهى فران.