سامي كليب: نحن في أوج مخاض عربي جديد يتطلب مشروعاً سياسياً واقتصادياً جديداً

حاورته: رحيل دندش

hiwar logo islيشتد الصراع في المنطقة العربية، ولا سيما في سوريا، ويأخذ هذا الصراع في أحد أبعاده، بعداً مذهبياً. في هذا الخضم، أين أصبحت القضايا العربية الكبرى، وعلى رأسها فلسطين؟ وأين أصبحت آمال الشعوب في تحقيق دول ديمقراطية قادرة وعادلة؟ وإلى أين يتجه الواقع المذهبي؟ وكيف يلعب الإعلام والإعلاميون دوراً في إذكاء الصراع المذهبي؟

في هذا الإطار، كان لقاؤنا مع الإعلامي الأستاذ سامي كليب، للوقوف معه على آرائه حول هذه الأسئلة المطروحة. وكان هذا الحوار:

في خضم هذا الانقسام العامودي والأفقي بين مكونات المنطقة العربية والإسلامية، أين أصبحت القضايا العربية الكبرى؟

أعتقد أنه في ظل هذا الصراع تبرز القضايا العربية أكثر فأكثر.

في هذا الخضم الذي نعيشه يراد إلغاء فلسطين وتمرير صفقة تحت شعار تعزيز السلام في ظل انشغال الجيوش العربية، هذا الشعار الذي باسمه تنهب الثروات العربية كما حصل في جنوب السودان الذي يمتلك واحدة من أكبر الخيرات العربية (هنا نتحدث عن 128 مليون رأس من الماشية، 10 الآلاف من الهكتارات الزراعية الخصبة، و80% من الثروات النفطية و70 نهر ) وبالمناسبة أحداً لم ينتبه أن جنوب السودان انفصل. ولا أبرئ أن ما يحصل في سوريا ولبنان له علاقة باكتشافات الغاز في ظل الصراع الدولي على مصادر الطاقة. ولكن بدأنا نرى أن القضايا العربية يمكن أن تأخذ بعداً أكبر. لنأخذ مثل سوريا ففي البداية كان هناك هجوم على سوريا لأن النظام ديكتاتوري وأن الشعب يريد الديمقراطية والحريات، الآن عادت الشعوب العربية تشعر أن سوريا تتعرض لشيء آخر غير المطالب المحقة بتحسين الأوضاع والقيام بالإصلاحات، فهناك قرار لتحطيم الجيش السوري كما حصل في العراق.

لنأخذ قضية فلسطين. اتهمت حماس بالتورط في سوريا ومصر، ولكن خلف هذا الاتهام حصل عنصرية ضد كل ما هو فلسطيني، ففي مصر أصبح الفلسطيني متهم وفي سوريا أيضاً وفي لبنان باتت المخيمات تصوّر كأنها بؤر الإرهاب، وكأنه يراد للرأي العام العربي تصوير الواقع الفلسطيني أنه واقع خيانة في الدول العربية، والهدف من ذلك هو القضاء على مسألة حق العودة للفلسطينين. لماذا إسرائيل تتحرش بالحدود السورية وتتحرش بحزب الله لأنه يراد تصعيد الوضع إلى درجة أن ينسى الناس ما يحصل داخل فلسطين، من هنا كان رد الجهاد الإسلامي من قلب فلسطين. مقتضى المسؤولية منا كإعلاميين وكرجال فكر الإضاءة على هذه القضايا العربية، لأن هناك حملات إعلامية هائلة لطمس هذه القضايا. وفي صراع كهذا يصبح للإنسان دور أكبر ليلعبه، ولا أتصور أن القضايا العربية قد ضاعت، وسنرى في المرحلة القادمة أن هذه القضايا ستبرز أكثر. وهناك تمييز قائم بين الأنظمة العربية والشعوب العربية، فالنظام العربي الآن مفكك وخطر ومخترق من كل الجوانب أما الشعوب العربية فهي على العكس ستنتعش أكثر في المرحلة المقبلة.

الذي أعنيه من السؤال تحديداً، أنه حصل تراجع للقضايا العربية لصالح مشاريع أخرى وبعضها إسلامية؟

جرّبت في العالم العربي عدة أنظمة. في البداية كان هناك حركات التحرر التاريخية من الاستعمار والانتداب دخل فيها العرب بشكل كبير، بعدها جاءت الحركات القومية العربية التي ينتمي إليها جمال عبد الناصر وصولاً إلى حزب البعث. تعززت حركة اليسار وبعدها وصلنا إلى منطق الديكتاتوريات العسكرية، وبعدها حصلت تجربة الحركات الإسلامية عبر الإخوان المسلمين. كل هذه الأفكار انتهت بالفشل لأسباب عديدة فهي إما فشلت وإما فُشّلت في لحظة معينة.

الآن نحن في أوج مخاض عربي جديد يتطلب مشروعاً سياسياً واقتصادياً جديداً، هذا المشروع سيأتي بعد فشل كل هذه التجارب.

حسب تصوّركم، ما هو شكل هذا المشروع؟

نحن الآن في مخاض للبحث عنه. أنا أرى أنه من خلال التكنولوجيا الحديثة صار يمكن أن يكون لدينا مشروع تكنولوجي قومي، لا أقصد مشروعاً قومياً بخطابات رنانة طواها الزمن كما كان حال الخمسينات والستينات، لأن هذه المرحلة أدت دورها وانتهت. الآن أقامت وزارة الخارجية في إسرائيل شبكات تواصل اجتماعي دورها أن تهاجم كل ما هو عربي أو دولي ينتقد دولة إسرائيل ويشوّه سمعتها، وأرى أن واحدة من مشاريع الوحدة العربية المقبلة هو أن يصبح لدينا شبكة انترنت على مستوى الشعوب العربية، يديرها مجموعات من الشباب في كل دولة عربية لمهاجمة إسرائيل حين تضرب وحين تجور على العرب وتشوّه سمعتها في الغرب. لقد أصبح بإمكاننا أن نبني مشاريع بأبسط الأمور. والأهم وهذا هو الأبرز والأهم أنه أصبح لدينا مقاومة كسرت الحاجز النفسي عند العدو التاريخي لهذه الأمة، فعندما تضرب هذه المقاومة العدو وتنتصر عليه مرة وثانية وثالثة، فهذا أدى إلى كسر الحاجز النفسي مع هذا العدو، وأصبحت العقيدة القتالية عندنا أقوى من العقيدة القتالية عندهم، لذلك أرى أن وضعنا الآن صعب ولكن في المستقبل سيكون أفضل.sami koulaib

لأننا أتينا على ذكر المقاومة. هذه المقاومة التي كانت تمثل الرافعة لقضايا الأمة العربية، فقدت الكثير من وهجها بعد الأحداث الأخيرة، فهي تتهم نتيجة انخراطها في الصراع القائم في سوريا على أساس مذهبي، والواقع أن هناك استحضاراً للشعارات المذهبية من قبل كل المنخرطين في الصراع؟ فما قولكم؟

المقاومة بالتكتيك السياسي خسرت، ولكنها ربحت على صعيد استراتيجي. بالتكتيك العسكري ربحت، وبالحروب الكبرى لم تصل بعد إلى مرحلة الانتصار.

الأكيد أن المقاومة لم تكن تحب أن تقاتل في سوريا، وهي تفضل أن يكون قتالها في مواجهة إسرائيل، ولكن في نهاية الأمر وبحساباتها الداخلية تبيّن أن ضرب سوريا وإسقاط النظام هو مقدمة لضرب المقاومة وإسقاطها وإنهاء فكرة المقاومة في المنطقة. لذلك كانت المقاومة أمام خيارين؛ إما أن تخسر جزءاً من الرأي العام العربي ذي القاعدة السنية إذا صح التعبير وتربح على الأرض وتكسر بالتالي ظهر المشروع الهاجم على المنطقة أو أن تربح سمعتها وتنكسر بانتظار أن الهجمة ستكون عليهم في المرحلة المقبلة. حسابات المقاومة الاستراتجية الكبرى كانت صحيحة من وجهة نظرهم والدليل هم يقولون إننا في نهاية الأمر كسرنا ظهر المشروع في سوريا وربحنا استراتجياً، وعاد العالم يتبنى وجهة نظرنا وهو أن لا حل في سوريا إلا حل سياسي مع بقاء سوريا القوية والجيش السوري القوي، وفي نهاية الأمر الحل العسكري كان مرحلياً لصد هجمة. وهناك تبرير آخر يقدمونه وهو أنهم لم يذهبوا إلى سوريا إلا بعد أن تدخلت كل الأطراف المسلحة، وهم بذلك ذهبوا لصد هجمة وليس للهجوم.

الآن هناك مشكلة في الخطاب السياسي للمقاومة وعلى رأسها حزب الله، فخطابه لا يغري شعوباً عربية كثيرة، وكان حجم الإعلام الذي ضُخ ضده هائلاً بأن هذا حزب شيعي وصفوي وإيراني وفارسي ذهب ليقتل أهل السنة. على حزب الله الآن أولاً أن ينتج خطاباً سياسياً جديداً يعيد التذكير أن الأولويات عند المقاومة هي أولويات عربية بالدرجة الأولى، وفلسطينية على وجه الخصوص، ويذكر أن حلفاؤه في المقاومات العربية هم حلفاء سنة وليسوا حلفاء شيعة؛ من الجهاد الإسلامي إلى حماس إلى المقاومة الفلسطينية وصولاً إلى مصر وغيرها. بالنهاية يجب على حزب الله أن ينتج خطاباً جديداً للمرحلة المقبلة يغري الشعوب العربية، فأنا لا يهمني كمقاوم أن تكون المقاومة فقط شيعية ولا يهمني أن تقاتل المقاومة في غير مكانها. تصوّري الشخصي أنها بعد الحرب في سوريا ستنتج خطاباً جديداً، ويساعد في ذلك أنه حصل عودة وعي إلى بعض الشعوب العربية لتر المكان الصحيح لهذه المقاومة، ولكن كل ذلك لايعني أن وضع الحزب الآن سليم. والآن إذا دخلت إسرائيل إلى حرب مع لبنان سيتبيّن للشعوب العربية حتى بدون خطاب أن المقاومة لاتزال في موقعها ولا تزال قادرة على ضرب إسرئيل إذا تقدمت وهذا سيعيد تلميع الصورة. والقتال في سوريا على الرغم من سوء السمعة التي أنتجها للمقاومة، ولكن أنتج قدرات عسكرية جديدة بين المقاومة والجيش السوري وإيران، صار هناك قدرة قتالية تخيف إسرائيل وأصبح هناك تمرين وخصوصاً للمقاومة في أرض غير أرضها.

ماذا عن داعش وباقي الفصائل الإسلامية، هل تمتلك مشروعاً حقيقياً أم هي مجرد أدوات، ينتهي مفعولها بانتهاء الحرب؟

هناك الأمران، هناك نواة فكرية تكفيرية أصولية موجودة ولن تنتهي، سيكون الصراع معها طويل، وهناك الأدوات التي تنتهي وستنتهي مع الوقت. هناك من انخرط في هذه الجبهات بسبب الدعم والحقد المذهبي. ولكن بعد الحسم العسكري إذا بدأنا إنتاج خطاب ديني جديد تتعاون عليه كل الأطراف فإن هذه الظاهرة ستخف. فهناك نظرية عند السوريين وحزب الله تقول أنه لنحسم عسكرياً في البداية ونكسر شوكة هذه الأطراف ومن ثم يمكن أن نتحاور مع بعض الأطراف الأخرى، وهذه السياسة بدأت تنجح. يبقى أن هناك الإنسان الذي أدخلوا في عقله الصغير -لأنه لا يوجد عقل كبير يمكن أن يتحمل هذا النوع من الأفكار- بأن يفجر نفسه وبعدها “يتغدى” مع الرسول ويلاقي الحور العين ، فمن الصعب أن نخرج من رأسه هذا النوع من الأفكار بسهولة. مع الوقت ومع إنتاج خطاب سياسي وديني جديد في الدول العربية يمكن أن نخفف من خطورة وغلواء هذه التيارات.

دائماً ما يتم تصوير هذه الفئات على أنها تقاتل فقط بسبب وجود وعود أخروية (غداء مع الرسول، حور عين…)، ولكن هؤلاء يتحدثون عن أنفسهم بأنهم يخضون معركة في وجه نظام ديكتاتوري وللدفاع عن أهل السنة، ولديهم عقيدة هم مخلصون لها

لذلك أنا أقول لك أن هناك نواة صلبة ولها عقيدة جدية، وهذه سيطول القتال معها سنوات طويلة، وهناك الذين استخدموا الذين اقنعوهم ببعض الوعود الأخروية هؤلاء عندما يجدون أن مصالحهم انتهت وأصبح هناك طوق وسحب الدعم منهم سينكفئون إلى أماكن أخرى، ولا يعودوا بعدها يشكلون خطراً أساسياً. فالأكثر خطورة هي العقول المدبرة التي تنتج عقولاً أخرى. فبعد أن قتل أسامة بن لادن رأينا كيف أن القاعدة تشتت ولكن أصبح خطرها أشد.

صدرت بعض المقالات مؤخراً والتي تقول أنه ليس هناك اختلاف بين المقاومة والفئات الإسلامية الأخرى كخلفية أصولية. فما رأيكم؟

حزب الله لبنن سياساته، وكتب وثيقة واضحة بالنسبة للسياسة اللبنانية الداخلية. الأمر الآخر أن الفتنة المذهبية التي دخلت إلى الدول العربية تحديداً منذ الاجتياح الأمريكي-البريطاني للعراق مروراً باغتيال الرئيس رفيق الحريري كان يراد لها إنتاج حقبة عربية مبنية على شعور مذهبي سني شيعي، فالحروب لم تهزم المقاومة، والحصار لم يهزم إيران إذاً لا بد من فتنة مذهبية هذه الوحيدة القادرة على هزيمة المقاومة. الآن انكسر هذا المشروع المذهبي المطروح وفشل في سوريا. وأصبح هناك وعي جديد أن ما يحصل في سوريا ليس نظاماً علوياً يقتل الشعب السوري السني أو تدخلاً شيعياً لحماية العلويين بل فعلاً أن هناك مشروعاً كبيراً سيقضي على سوريا وحلفائها.

كيف تمظهر هذا الوعي؟ أين تجلى لكم واضحاً؟

يتضح ذلك من خلال الوفود التي بدأت تأتي إلى سوريا، مثلاً وفود القومية العربية من مصر ومن الأردن. أيضاً التظاهرات التي تحصل في الدول العربية، في تونس والجزائر والعراق وكلها تعبر عن هذا الخيار، وبالتالي نحن نتحدث عن أهم الدول. وهذه المظاهرات عادت ترفع صور السيد حسن نصر الله وصور الرئيس الأسد وأيضاً الكتابات الإعلامية التي بدأت تظهر، فالتحول الذي حصل في مصر أنتج وعياً جديداً أن سوريا هي عمقنا القومي، وما تتعرض له سوريا سيضرب الأمن القومي المصري.
علينا لا ننظر فقط إلى الصحف الكبيرة معروفة التمويل، وهي ضد هكذا خيار في نهاية الأمر، وقد تبين أن الدول التي تريد ديمقراطية في سوريا هي في نهاية الأمر دولاً عززت الإرهاب في المنطقة، وقضت وتحاول أن تقضي على الجيوش العربية.

ماذا عن الشعوب العربية التي أقامت هذه الثورات العربية، والتي طالبت بالحريات والإصلاحات. ألا ترون أن ما يحصل في بعض الدول العربية هو ارتداد نحو حكم العسكر؟

هذا خطأ ضخم، وعلى القوى العربية والقومية التي لها توجه وحدودي بالمعنى الحديث للكلمة انتاج بديل. لأنه بعد سقوط وإسقاط مشروع الإخوان المسلمين، ليس هناك بديل سياسي في الدول العربية ليأخذ المكان، بل هناك بديل ديني وبديل عسكري. اليوم هناك أمل بأن المرحلة المقبلة ستنتج بديلاً سياسياً، وليس صحيح أننا نعود لديكتاتورية العسكر. هناك قرار غربي أن مكافحة الإرهاب تتطلب بقاء الجيوش قوية . ولكن الشعوب التي تحركت مرة ستتحرك مرات أخرى.

أتصور أن الأمور في مصر تتجه إلى ما يشبه الناصرية في مكان معين لأن الناس لديها أمل كبير بعبد الفتاح السيسي أن يكون نموذجاً ولو مصغّر عن الرئيس عبد الناصر، ولكن لن يتأخر الشعب حتى يعود ويحاكمه إذا تبين أنه دكتاتوري، فالشعوب لديها استعداد لتعود إلى الشارع، فهي لم تعد ترضى بالظلم والحاجز النفسي قد انكسر.

في سوريا وفي بداية الأزمة تحركت أطراف فعلاً لتحسين الأوضاع وكسر السطوة الأمنية وتحسين الشروط المعيشية إضافة إلى أن هناك حكم مستمر من أربعين سنة بنموذج معين من الحكم، على الأكيد أن سوريا الآن لن تعود إلى ما كانت عليه قبل الأزمة وسوريا المقبلة ستكون أكثر انفتاحاً ويقيني أنها ستكون أكثر ديمقراطية لسبب بسيط وهو أن الدماء التي دفعت هي دماء مشتركة، البعض صوّره على أنه دم علوي وهذا ليس صحيحاً. ولنر تركيبة السلطة الآن والتي تقاتل على الأرض جزء أساسي منها هم من السنة، فلهذا بعد أن تنتهي الحرب لا يمكن أن يعاد إنتاج آلة قمع جديدة في سوريا الحديثة التي أصيبت بجروح وشروخ مذهبية أو ما يشعر الناس بأن هذه الدولة لا تمثلهم.

ولكن الهيكل الأساسي للنظام والذي يحقق انتصارات على الأرض هو هو، العقلية هي نفسها. الأكيد لن يكون الوضع كما كان في السابق، لكن هل سيكون التغيير على قدر المأمول؟

حتى لو كان لدى بعض أركان النظام عقلية أنه بعد هذه الحرب علينا أن نعزز السلطة الديكتاتورية لأن سوريا لا تحكم إلا بهذه الطريقة، ولكنني أتصوّر أن المناخ تغيّر. لا أريد أن أتحدث عن الرئيس الأسد كشخص لأنني فعلاً لا أعرفه، أنا أقول أن ميله الأساسي قبل الحرب هو أن يحصل انفتاح أكثر، بدأ بانفتاح سياسي فشل في لحظة معينة، وبدأ بانفتاح اقتصادي كبير ولو استمرت الأوضاع لكانت سوريا صارت الدولة الأكثر نمواً. بعد الحرب يقيني أن ما ستنتجه سوريا لا يمكن أن يكون ديكتاتورياً فهذا مستحيل لأن حركة الشعب التي حدثت في الشارع تتطلب إشعار كل سوري أنه ابن هذه الدولة. وبالماسبة هذه الحرب علمت على مكافحة الفساد العسكري، مثلاً هناك الكثير من المناطق سقطت بسبب فساد الضباط وبسبب الرشوة، ولذلك المرحلة المقبلة ستنتج علاقة بين الناس والسلطة العسكرية مغايرة لأن من حمى السلطة وكان سنداً للجيش هم الشعب. فلم يعد الضابط قادر على أن يقول لمواطن أنا الحاكم المطلق هذا انكسر، سيقول له فلو لم أقف معك كشعب لم تكن لتحقق ما حققته. وإذا امتلك السياسيون المقبلون -وأتصور أنه سيصار إلى تركيبة مشتركة تضم أطراف من المعارضة- الوعي فهذا سينتج سوريا أكثر انفتاحاً وأكثر ديمقراطية. وأنا أقول لن تكون سوريا ديمقراطية بين ليلة وضحاها لأن هناك مناخاً وعقلاً منذ 40 سنة لا يمكن أن يتغير بسهولة، ولكن الأكيد أن سوريا التي ستخرج من هذه الحرب من المفترض أنها ستكون بما يعني الحريات والديمقراطية أفضل وإلا فإن السلطة لم تتعلم شيئاً من دروس الماضي.

طرحت سابقاً إمكانية إغلاق صفحتك على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، وذلك حسبما قلت، بسبب ضحالة الثقافة وانعدام الوعي، وبسبب أن التعبير عن موقف معارض أو ناقد ما عاد يستقيم بدون كلام بذيء. ماذا عن دور الإعلام في تجييش الصراعات؟ وما السبيل للارتقاء بالرأي العربي ليصبح النقاش الحر والعقلاني ومحترم؟

للأسف يمكن أن أقول إن هناك 70% من الإعلام إما فاسد ومرتشي أو هو وسيلة لإذكاء الصراعات، وهنا أتحدث عن أرقام ومعلومات ودراسات. والإعلام العربي جزء أساسي منه أدى وظيفة المطية لمشاريع سياسية زرعت حروباً وفتناً وأحقاداً في الدول العربية.

الإعلام المسيطر على الإعلام العربي هو إما وكالات أجنبية، وإما ممول من الدول الخليجية، ووظيفته في السنوات القليلة الماضية إنتاج فكر جديد مبني على فكرة السلام مع إسرائيل الذي يبنى بالسياسة وليس بالقتال، وأمر آخر ضرب التيارات القومية والعربية وعدم تشجيع فكر المقاومة المسلحة.

بغض النظر عن القوانين التي بات من الممكن خرقها من خلال وسائل التواصل الاجتماعي المفترض أن يصبح لدينا كعرب نوع من الشرعة الأخلاقية الخاصة. هذا ما يجب أن نعززه بين بعضنا البعض إذا أردنا ربيع جدي في العالم العربي. لا يجوز أن يلعب الإعلام دوراً فتنوياً ولا يجوز أن أبدأ مقدمة نشرة أخبار بكلام فتنوي ضد طرف آخر.
إذا انتفت الأخلاق من الإعلام صار أداة للقتل وصار لدينا دواعش إعلامية، ولذلك فالإعلام في خطر.

اترك رد