د. عبد الرؤوف سنو في «لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف» «يدق» بالمحرّمات ولا يعرف المحظورات

المحامي عمر الزين (*)

«لبنان الطوائف في دولة ما بعد الطائف. إشكاليات التعايش والسيادة وأدوار الخارج»، لـ «عبد الرؤوف سنّو» (منشورات المعهد الألماني للأبحاث الشرقية)، قد يكون الكتاب omar zeinالمنتظر الذي «يدق» بالمحرمات ولا يعرف المحظورات يسمي الأسماء بأسمائها والتي غالباً ما يتجنبها الباحثون. يؤرخ ويحلل بدقة وبعمق وبموضوعية لتاريخ لبنان في مرحلة ما بعد «اتفاق الطائف حتى العام 2011».
ويشير إلى إزدياد الطائفية المجتمعية شراسة وترسخاً والتصاقاً بالبنيان السياسي، وكيف تأرجحت النزاعات الطوائفية إلى أن استقرت ما بين المذاهب، على السياسة العليا وعلى الحياة السياسية اليومية، ولكن أيضاً في الأحياد والأزقة.

قسّم سنو كتابه إلى أربعة فصول متقاطعة متكاملة:

الأول: «لبنان بعد الطائف الطريق المسدود إلى الدولة الحديثة. قراءة في مستجدات الطائفية السياسية والمجتمعية».

الثاني: «سورية في لبنان: مكامن القوة ومآزق السياسة: من اتفاق الطائف 1989 إلى القرار 1595».

الثالث: »الحرب الإسرائيلية على لبنان 2006، صراع بأهداف إقليمية ودولية: من خلفياتها… إلى مسبباتها ونتائجها وتداعياتها».

الرابع: «لبنان الطوائف في دوامة الجيوسياسة الإقليمية 1989 – 2011: قدره أم خياره».

طرح سنو في الفصل الأول المفاهيم والمصطلحات التي يدور حولها الكتاب، كـ «الدولة الحديثة» و«الديمقراطية التوافقية» و«الطائفية المذهبية» و«العيش المشترك»، ووجد أن أياً منها لم يتحقق باستثناء بقاء الطائفية السياسية والمجتمعية على علاتهما. وأثبت أن الطائفية السياسية هي وليدة الطائفية المجتمعية التي لم تعق، حتى منتصف القرن 19، قيام تحالفات سياسية بين القوى الحزبية اللبنانية من مختلف الطوائف، مع حفاظ كل طائفة على دينها ويقينها وعلى خصوصيتها. وقد تحولت «الطائفية المجتمعية»، منذ نشوء الكيان اللبناني في العام 1920، إلى ثقافة رفض «الآخر»، والتي تعززت منذ اندلاع حرب لبنان في العام 1975 وما استجد بعد «اتفاق الطائف» من هواجس حول بنوده وتنفيذه وتباعد قام على نظرية «الغالب والمغلوب».guilaf-abed

في الفصل الثاني، تناول الكتاب الوجود السوري في لبنان وقد حلل المؤلف ممارسات النظام السوري في لبنان وأهدافه بين العامين 1990 و2005.

يستكمل سنو في الفصل الثالث تطور الأوضاع عقب اغتيال الحريري، ويتناول بتوسع الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام 2006، ويرى أن خطف حزب الله جنديين إسرائيليين من داخل «الخط الأزرق» جاء في سياق الاستنزاف اليومي الذي عانى منه الاحتلال الأميركي للعراق ودور سورية وإيران في ذلك، واستمرار الأخيرة في برنامجها النووي متحدية واشنطن وتل أبيب، فضلاً عن سياسة الأخيرتين في القضاء على المنظمات الجهادية في المنطقة. ولقد أضاء المؤلف بعمق على خلفيات الحرب، من الصراع بين المحورين الأميركي – الإسرائيلي والإيراني – السوري ومعه حزب الله وحماس، وعلى مواقف الدول الإقليمية من الاحتلال الأميركي للعراق.
ان شعور إيران وسورية بالخطر من «الجار» الأميركي الجديد جعلهما ينسقان سياستهما في المنطقة، وصولاً إلى التحالف بينهما في حزيران 2006. ويخبرنا الدكتور سنو عن أن الولايات المتحدة الأميركية كانت تعمل على إطالة أمد الحرب ومنع صدور قرار عن مجلس الأمن يوقف القتال لتمكين إسرائيل من جني المكاسب منها. وبصدور القرار 1701 الذي جعل من «اليونيفيل» والجيش اللبناني حاجزاً بينها وبين حزب الله شمالي الليطاني، تكون إسرائيل قد ضمنت أمنها من ناحية جنوب لبنان.

الفصل الرابع والأخير، خصصه د. سنو لوضع صورة شاملة لعلاقات الطوائف بالخارج منذ الاستقلال حتى دخول العامل الإيراني اللعبة منذ مطلع الثمانينيات من القرن الماضي، وصولاً إلى «اتفاق الطائف». ويكشف الفصل النقاب عن الدبلوماسية السعودية الهادفة إلى منع تفاقم الأوضاع في لبنان عقب اجتياح بيروت في أيار 2008، ولا سيما التنسيق السعودي – السوري بين العامين 2009 و2011، وأخيراً سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري ومقولة «السين – السين» (السعودية – سورية) لحل الأزمة اللبنانية.

أخيراً يشكل كتاب سنو مرجعاً أساسياً لمن يريد ان يدرس تاريخ لبنان المعاصر، وقد يحتاج المرء إلى صفحات عديدة لمناقشة محتوياته. لكنه يبقى المرجع الوحيد، بفصوله المتقاطعة المتكاملة، لمتابعة أحداث لبنان بتفاعلاتها المحلية والإقليمية والدولية وذات الكم الوفير من المعلومات التي يطغى عليها المضمون العلمي والفكري والتحليل والاستنتاجات، فضلاً عن مئات المصادر والمراجع والتقارير.

******

(*) الأمين العام لاتحاد المحامين العرب

بالاشتراك مع aleph-lam

www.georgetraboulsi.wordpress.com

اترك رد