من مونديال نتعلم؟ (*)

الأب بشارة إيليا الأنطوني

father-bechara-eliaلقد انتهى المونديال بفوز ألمانيا بالكأس

فإنّ العالم بأسره كان ينتظر هذا الموسم الذي يتكرّر كلّ أربعة أعوام. إنّه التحدّي الجميل بين شعوب الأرض، التحدّي بالأرجل فيما لا يحق استعمال الأيادي إلّا لحارس المرمى. ويبقى العقل المدبّر للمدرّب الذي يضع الخطط، أمّا اللاعبون فينفّذون، باستعمال مهاراتهم الفنّيّة في هذه اللعبة. المهم هنا أنّهم لا يستعملون السلاح ولا الإنتحاريين أو الإرهابيين للفوز.

أتذكّر تعليق أحد قادة المحاور عن هذه اللعبة عندما قال:” لماذا يركضون وراء طابة واحدة، فإنّي سأقدّم طابات على عددهم”، أو بمعنى آخر لماذا يتقاتلون على السلاح فإني سأقدم المال لشراء الأسلحة لكل فرد يريد القتال.

يسوع الملك على قمة جبل السكّر في البرازيل، كما بدا لحظة انتهاء المونديال.

نعم، العالم بأسره يحب التّحدّي ويسعى للفوز، حتّى الجمهور يصبح أكثر وأكبر حماسة من اللاعبين أنفسهم، وهذا جميل في الدول المتحضّرة وعند الشعوب الراقية. أما عندنا في شرقنا المتألم، فتحدّي الأرجل يغلب في الكثير من المرّات تحدّي العقل والعقال. لاعب كرة القدم أغلى بكثير من كبار المفكّرين والمهندسين وحتّى ينافسون بالكلفة والاحتراف علماء الذرّة.

وإذا اصيب وسقط على الأرض أحد اللاعبين تهتز الأمم عن بكرة أبيها، أمّا إذا سقط الأطفال في فلسطين وسوريا والعراق شهداء فلا من يرفّ له جفن سوى أهلهم وبعض الأحبّاء.mondial

فيا سخافة القدر! فإن هدفُا واحدًا يغيّر مجريات اللعبة، أمّا مئات السيارات المفخخة وألوف الشهداء والمعوقين، الأيتام والأرامل فلا يغيرون مجريات التاريخ؟
فصراخهم يصبح الهدف في حدّ ذاته.

الاسهم النارية احتفالا بإنتهاء المونديال

المونديال كل أربع سنوات ويُتوّج المنتصر بكأس العالم لتعود الكرّة الى التحضيرات من جديد والاستعداد للموسم المقبل، أما في الشرق فلا وقت ولا مواسم ولا احتراف إلا في لعبة الموت.

فهل ستتغير لعبة الأرجل وتعلّم أصحاب العقول، ويوضع حدّ للتناحر والقتل والحروب وليتحدّوا بعضهم بعضًا بالأرجل ونقبل ونفتخر بهذا، ولكن كفى استعمال قوة وفاعلية السلاح والتدمير والتهجير.mondial 1

فإن شعوبنا على المستوى الفردي متحضرة أكثر بكثير من الأفراد في الغرب، فمن عندنا انطلقت أهم شرارة الحضارات والأديان السماوية حتى محبة الأعداء والمسامحة في أحلك الظروف. فهل يتسامى السياسيون بوضع قوانين تليق بشعوبنا ويتحول الجمهور إلى حكم يعطي البطاقة الصفراء والحمراء، ويخرج من دائرة الحكم كل من يتخطى قوانين اللعبة!

فعندها فقط، يأخذ شرقنا كأس العالم بالأمن والسلام والمحبة ونعيش كما يستحق الإنسان!

aleph-lam

www.georgetraboulsi.wordpress.com

اترك رد