الأديب ميشـال معيكـي
لم يكن مفاجئا إعلان مسعود البرازاني رئيس إقليم كردستان مطالبة برلمان الإقليم بتحديد موعد للإستفتاء على تقرير المصير والإستقلال. مع تأكيده على أكثر من مؤشّر حول الدعم الدولي لهذا التوجه وبكلام من المالكي موجّه للبرزاني: اهتموا بكردستان واتركوا العراق لنا !!
ومع وصول تنظيم داعش الى حدود كردستان وانسحاب الجيش، صار لتصريح البرزاني معنى جيوسياسياً إذ قال: “لم يعد لدينا حدود مع العراق “!!!
السرعة التي تحركت بها البيشمركة ( أو الجيش الكردي ) للسيطرة على المناطق النفطية المتنازع عليها بحجة الدفاع عن الإقليم، تقاطعت مع سرعة احتلال داعش لمناطق شاسعة وللانهيار الخاطف وانسحاب “جيش” المالكي …
الأحداث المتسارعة رسمت على الأرض ملامح الخرائط المستحدثة…
حلم الدولة الكردية قديم لدى شعب الكرد. فقد ظل منذ مئات السنين مشرذماً متناثراً في اطار دول كبرى. من الدولة العربية الإسلامية، إلى السلطة العثمانية!!!
لم تستغل الفرصة التاريخية في عشرينات القرن الماضي لإقامة كيان كردي، لأكثر من اعتبار!
وبقي الأكراد من غير كيان سياسي جامع، موزّعين على أربع دول مجاورة: إيران ، تركيا، العراق وسوريا …
دول الشتات الكردي رفضت وبعنف قامع، أيّ توجّه استقلالي كردي، إضافة إلى رفض الدول الكبرى أيّ مساس بخرائط سايكس – بيكو لحساسية الموضوع …
بعد قرن على اقامة النظام السياسي العربي، الذي فرضه الإستعمار البريطاني- الفرنسي، تغيّر المشهد السياسي – الاجتماعي، بقرار دولي وبقوة الأمر الواقع …
أسباب كثيرة تفرز الأحداث المتسارعة اليوم، والتي بدأت قبل حوالى نصف قرن وفيها :
* بروز الدور الأميركي في الشرق والرؤية المختلفة عن أوروبا القديمة.
* قيام اسرائيل اليهودية والظلم الذي ولّده في وجدان الشعب الفلسطيني، وطموح إسرائيل إلى تفتيت المنطقة العربية إلى كيانات مذهبية مشابهة لها.
* اسقاط الفكر القومي العربي نهائياً بعد نكسة حزيران، وفساد الأنظمة الديكتاتورية العسكرية العربية، وتقدّم الفكر الإسلامي – بدعم غربي – لمواجهة المدّ الشيوعي وملء الشغور…
* أنظمة القمع والسجون التي ولّدت شعوراً بالقهر ودفعت بالملايين إلى الاستنجاد بعدل السماء ، والارتداد نحو الدّين لعلّ وعسى، ما أوجد بؤرا خصبة لدعوات الإسلام المتشدّد الذي نما بسرعة قياسية ويستغلّ من جهات كثيرة …
بالعودة إلى الأمس القريب، تبدو الأحداث مدروسة بإخراج متقن …
بعد أحداث 11 أيلول وإسقاط البرجين في نيويورك، وردّاً على الإرهاب، تمّ غزو العراق، بحجة أسلحة الدمار الشامل … وعملا بنظرية المحافظين الجدد حول “الفوضى الخلاقة”، حلّ الحاكم المدني للعراق PAUL BREMER الجيش العراقي وأصدر قانون اجتثاث البعث وإقصاء كوادر صدّام، وتمّ تسليم العراق بالواسطة إلى إيران … غُيّب السّنة عن المشهد السياسي واستحضرت القامات الدينية- السياسية الشيعية على خلفية سنوات طويلة من التهميش … وتبودلت الأدوار.
تمّ ايقاظ التنيّن المذهبي لدى الجميع، وبدل أن يكون الاختلاف حول خطط التنمية والاقتصاد والصحة ومحو الأميّة والبحث العلمي، تحوّلنا إلى الغرائز الطائفية والغيبية والإلغاء الجسدي باسم الدّين والسماء !!
نتائج الحرب العالمية الأولى رسمت الخطوط السياسية للكيانات !
بعد مئة عام، حروب بالواسطة تُكوّن ملامح شرق مستحدث، يتلاءم مع مصالح الاستعمار الجديد … بوجوه جيوسياسية مختلفة عمّا عرفنا…
في القرن التاسع عشر كتب المفكّر الثوري الروسي ميخائيل باكونين:
“حذار من الدول الصغيرة، إنها ضحايا الدول الكبرى، لكنها قد تكون مصدر خطر عليها ” !!
******
(*) “على مسؤوليـتي” إذاعـة صوت لبنـان، السبت 5 يوليو 2014