كلود أبو شقرا

“جسر نحو فلسطين”، المعرض الأول في لبنان والشرق الأوسط للفن الفلسطيني المعاصر والحديث من تنظيم غاليري مارك هاشم في مركز بيروت للمعارض، ويتضمن أعمالا لـ18 فناناً فلسطينياً من أجيال ثلاثة، يقيمون في الخارج وفي لبنان، يشهدون للثقافة الفلسطينية بمرونة وابتكار ومقاومة. يستمر لغاية 3 أغسطس.

لوحات، صور فوتوغرافية، منحوتات، فيديو وتجهيز… كلها تحكي قصص الحب والخسارة… حب الوطن وخسارته، بتوقيع: بشار الحَروب، رفعت أسد، سمرا بدران، تيسير بركات، رنا بشارة، عيسى ديبي، رولى حلواني، محمد الهواجري، وفاء حوراني، رانيا مطر، منذر جوابري، بشير مكحول، محمد مسلّم، ستيف سابيلا، ليلى شوا، ناصر سومي، ماري توما، هشام زريق.

هؤلاء الفنانون يأتون من الأراضي المحتلة ومن دول الشتات، القاسم المشترك بينهم الانتماء إلى أرض غير موجودة في نظر العالم، والإصرار على تأكيد وجودها على خارطة الكرة الأرضية من خلال الفن.

المعرض بالنسبة إلى مارك هاشم أمر كان يجب أن يحدث، إذ لم يسبق أن نظم معرض كامل للفن الفلسطيني المعاصر. بصفته جامع لوحات وصاحب غاليري تعرف مارك هاشم إلى الفنانن الفلسطينيين والفن الفلسطيني الذي لم يُلقً الضوء عليه بشكل كافٍ، مؤكداً أن هؤلاء الفنانين يستحقون تقديمهم بشكل حرفي، حتى لو أنهم معروفون في لبنان، متمنياً أن يكون أظهر تعبيراً فنياً معاصراً يتميز بمفهوم فريد.

لا شك في أن زوار المعرض يلاحظون، من دون شك، الناحية المقاومة في كل لوحة والرفض للوضع الحالي. هذا الفن الملتزم استهوى مارك هاشم كونه يركز على تجارب معاشة. وقد اختار فنانين معاصرين، لأن التعبير المعاصر ينبثق من دافع قوي جداً أكثر مما هو في الفن الحديث، والشعور بعدم الانتماء معبرمن خلال وسائل مختلفة، ويعكس الواقع الذي يعيشه الفلسطينيون منذ سنوات طويلة لغاية اليوم، وكيفية مواجهة المستقبل.

الفنانون الـ 17 المشاركون اختيروا من خلال معيار تعبيري أكثر منه معيار العمر والوعي، بحث هاشم عن تعبير يفهمه العالم مركزاً على التنوع في الوسائل المعاصرة، في فضاء يسمح بذلك، لذا هو سعيد بتقديم هذا المعرض، واعتبره واجباً لتقديم شهادة صادقة حول الفن الفلسطيني.

كونه لبنانياً يتقاسم هاشم تاريخا مع الفلسطينيين، ولو كان ذلك من منظور قضية ارتبطت في وقت ما بالحرب في لبنان وبالكره بين الشعبين، فيما في المجتمع الفني ثمة تعاطف، لكن للأسف لا يملك لبنان مؤسسات عامة تسمح بعرض لوحات كل الفنانين بشكل ملائم بعيداً أي تحيز وتسييس، فضلاً عن نقص التربية الفنية في لبنان، ما يمنع بمقاربة الفن الفلسطيني بمنظار جديد ومنفتح.

من أبرز هؤلاء الرسامين ناصر سومي، يقيم منذ 33 سنة في باريس بعدما هرب من الضفة الغربية إلى الأردن وسوريا ولبنان، يقدم في المعرض ثلاث لوحات: “أيقونة إلى يافا”: مجموعة من العلب تحتوي ماء من بحر يافا موضوع في زجاجة صممها خصيصاً ونص شهادة، زجاجة بيضاء للفلسطينيين الذين فروا خلال الحرب، زجاجة زرقاء للذين بقوا. لوحات في مجموعتين: “أرض، بحر، وسماء”، وأورشليم”، استخدم فيها الجير، رماد الخشب والشمع، مع إضافات من مواد طبيعية ومشرقة وملونة. تجهيز يتضمن مرآة يمكن أن نقرأ عليها من جهة أورشليم ومن جهة أخرى بيروت، مع هيكل خشبي متحرك يرمز إلى المسار بين العاصمتين الشرقيتين الذي كان من قبل ممكناً واليوم ممنوعاً. يعمل بشكل أساسي على المدن، على طريقة لإعادة الاتصال بين الأماكن والأرض، وإعطاء صوت للذين ذهبوا أو بقوا في فلسطين. عرض سومي مراراً في بيروت ، وفي المعرض العالمي لفلسطين في بيروت (1978).

التجول في المعرض هو تجربة مهمة بحد ذاتها، لأنها تجمع أعمالاً منوعة ولها دلالة قوية، مثل الموت والنفي والعلاقة مع بلد الأسلاف وحب أمة نسيها التاريخ.

في المعرض، أيضاً، مجموعة صور فوتوغرافية للفنانة رانيا مطر Forgotten people series تعكس مشاهد من الحياة في مخيم اللاجئين، هدفها تحريك الرأي العام اللبناني حول ظروف حياة الفلسطينيين في المنطقة وخصوصاً لبنان.

“جسر نحو فلسطين” يربط الماضي بالمستقبل، عندما يبقى الحاضر غير مؤكد. إنه حوار ثقافي بين أجيال من الفنانين والمواقع الجغرافية: غزة الشرق والغرب، رام الله، والقدس، هذه الأرض السخية، مهد الحضارات، مساحة خصبة للتعبير وتحويل الجدار الذي يرفع في وجه المظلومين إلى قماش للتواصل، وما ينتج عنه من حوار بين المحاصرة والمنفى.

“جسر نحو فلسطين” صدى مع الثقافة والإبداع وصمود الشعب الفلسطيني، ومعاناته من الحرمان من جيل إلى جيل. هو استحضار لطعم حلو ومر من الحنين إلى أرض باتت ممنوعة، فدخلت الحلم وأصبحت الرحلة إليها من خلال الفن والفن وحده…

*****************

(*) Aleph-lam

www.georgetraboulsi.wordpress.com

كلام الصور

1- من المعرض

2- من أعمال ناصر سومي

3- ملصق المعرض

4- 5- من المعرض