تعدد النشاطات اللاصفية في وقت واحد… نتائج سلبية ومدمّرة للأطفال

الأديبة ميشلين حبيب

michelineفي عصر الكمبيوتر وألعاب الفيديو تُعتبر مشاركة الأطفال في نشاط لاصفّي أمراً مهماً وذات فائدة كبيرة لهم.

تساهم النشاطات اللاصفية بتنمية الأطفال جسدياً، وعاطفيا، واجتماعياً، وإبداعيا. فهي تساعد على بناء الثقة بالنفس، والانضباط الذاتي، والعمل ضمن فريق أي تعزيز روح الجماعة، واكتساب مهارات تنظيم الوقت، والإبداع والخلق، وشحذ المهارات، حتى أنها تساهم في تحسين سلوك الطلاب في المدرسة وتساعدهم على التعامل مع الصراعات والتحديات التي تواجههم بطريقة أفضل.

لذلك نرى الكثير من الأهل يسارعون إلى تسجيل أولادهم في نشاط غير مدرسي أو لا صفّي. لكننا لا نراهم عندما يسرعون مجرجرين أطفالهم المُرهقين من نشاط إلى آخر.
وهنا، تتحول الجنّة إلى جحيم.

فبينما تساعد النشاطات اللاصفية في تنمية الطفل جسدياً ونفسياً، سيؤدي تسجيل هذا الطفل في عدة نشاطات في وقت واحد إلى عكس ذلك تماماً. إن الهدف من تسجيل الطفل في نشاط لاصفي هو وضعه في جو مريح ومسلٍ وخالٍ من أية ضغوطات ليتمكن من اكتشاف نفسه، ومهاراته، وقدراته، ولكي ينمو لديه الشعور بالقدرة على الانجاز والثقة بالنفس. من هنا فإن مشاركة الأطفال بأكثر من نشاط لاصفي في آن واحد سيترك أثاراً سلبية عليهم وسيدمّر الهدف الأساسي لهذا النشاط.atfal

يقول أطباء وعلماء النفس المتخصصين بعلم نفس الطفل أن بعض الأطفال غير قادرين على التعامل مع مسؤوليات عدة وبالتالي يمكن لذلك أن يولّد لديهم اضطراباً نفسياً وحتى انهياراً عصبياً.

فعندما يجد الطفل نفسه مثقلاً بعدّة نشاطات لاصفية يُترجم ذلك في ذهنه إلى التالي: متوقع مني أن أتنافس، وأنجز، وأتميّز.

هنا، يشعر الأطفال أنه يتوجّب عليهم تحقيق رغبة أهلهم، وما يُتوقّع منهم، وإن لم ينجحوا في تحقيق ذلك فإنهم سيخيّبون أمل أهلهم، مما سيؤدي بهم إلى الانهيار العصبي، والقلق، وانعدام الثقة بالنفس؛ فيصبح هؤلاء الأطفال غير قادرين على الإنجاز وتحقيق الذات، وسيعانون من عدم الاستقرار والأمان، وسيشوبهم الارتباك والضياع. ونتيجة لذلك ستضعف قدرتهم على الانتباه والتركيز وسينعكس ذلك على أدائهم الأكاديمي.

وهذا النقص في التركيز سينعكس كذلك على النشاطات اللاصفية الكثيرة التي يقومون بها. وتبين أن العديد من الأطفال قد يفقدون الاهتمام والحماس الذي كان لديهم وسيريدون ترك النشاط.

ما هو إذاً عدد النشاطات اللاصفية المناسب وما هو النشاط اللاصفي الأنسب للأطفال؟ إذا كان الطفل في سن التاسعة أو أكبر، فإن الحد الأقصى للنشاطات هو ثلاثة (نشاط جسدي، نشاط فني، ونشاط عقلي). أما للأطفال الأصغر سناً، فإن الحد الأقصى هو نشاطان. واختيار النشاط اللاصفي المناسب للطفل هو أمر أساسي ومهم جداً ويجب أن يتناسب مع ما يحتاجه الطفل، وما يثير اهتمامه، كما يجب أن يتوافق مع قدراته ومواهبه، وليس مع ما يحبه الأهل أو يهمهم هم. وأحد أهم النشاطات التي يجب أن يسجّل الأهل أطفالهم فيها قبل أية نشاطات أخرى هو: الرسم.

إنه النشاط اللاصفي الأنسب والأفضل لتنمية الطفل على جميع الأصعدة، حتى على الصعيد الأكاديمي. ففي نشاط الرسم يتعلق الأمر كله بالطفل وليس بأحد سواه. هو بيئة هادئة، غير مهددة، وخالية من التنافس حيث يُعبّر الأطفال عن أنفسهم بحرية وحيث يتمكنون أيضاً من خلق شيء جديد لم يكن موجوداً من قبل، شيء قاموا هم بخلقه وهو مميز وخاص بهم وحدهم.

وتجدر الإشارة إلى أمر آخر مهم وهو تسجيل الأطفال في نشاطات لاصفية في سن مبكرة جداً. إن ذلك أمر غير محبّذ وغير ضروري أبداً. من الأفضل تسجيلهم في نشاط لاصفي في سن الخمس سنوات، ومن الممكن أن يكون ذلك أحياناً قبل تلك السن إن كان الطفل يتمتع بموهبة فذّة.

في النهاية، إن الإسراع بالطفل إلى نشاط لاصفّي بعد يوم مدرسي متعب بدلاً من أخذه إلى البيت للراحة، وتناول طعام الغداء، وانهاء الواجبات المدرسية، وقضاء بعض الوقت مع العائلة والأخوة والأخوات والأصدقاء، سينعكس سلباً على صحة الطفل وعلى بناء ثقته بنفسه والقوة الداخلية التي يجب أن يتسلّح بها.

لا تسجلّوا أطفالكم في نشاطات لاصفية عدّة، حتى وإن كانت حالتكم المادية تسمح بذلك.

لا يتعلّق الأمر بالتباهي وبما تريدون أنتم كأهل، بل بصالح وسعادة الطفل وبصحته، وعافيته، وازدهاره، وبما يحتاجه ويريده هذا الطفل.

اترك رد