الأديبة ميشلين حبيب
لا يفكر المجتمع بالمرأة على أنها انسان مختلف عن الرجل بطبيعته وليس بإنسانيته؛ صحيح أن أعضاءهما التناسلية مختلفة لكن أعضاءهما الإنسانية هي نفسها. لذلك فلنتوقف، عند بعض العادات والأعراف والقوانين العزيزة جداً على قلب المجتمع والخاصة بالتعامل مع المرأة.
في فترة الحداد على الميت يحق للرجل ارتداء اللون الأحمر أما المرأة فلا، كأن ارتداء الرجل للأحمر لا يعني الفرح وإنما ارتداء المرأة للأحمر يعني أنها هي من قتلت الشخص المتوفي.
المرأة عانس أما الرجل فهو ببساطة لم يتزوج.
إذا أحبت المرأة بشغف فهي ساقطة، أما إذا أحب الرجل بشغف فهو رجل.
إن حزن الرجل تغتّم الجبال والجيران والعالم، أما المرأة فالحزن يليق بها.
الأنثى عار، أنجبوا ذكوراً فقط. وكأن الأمر بيدهم. أليس الله من يقرر جنس الطفل الآتي إلى هذا العالم؟ ثم أين المنطق في إنجاب ذكور فقط، كلنا يعلم أن الإنجاب يحتاج إلى ذكر وأنثى. أليس كذلك؟
مكان المرأة المطبخ ومن العيب أن يدخل الرجل المطبخ إلا للأكل طبعاً. كيف يجوز إذن لأولئك الرجال الطبّاخين المشهورين التواجد في المطبخ؟ أليس عيب؟ أم أن ذلك مباح لأنهم مشهورون؟
عقل المرأة صغير، أما عقل الرجل فأوسع من الكون لأن التي أنجبته هي امرأة، والتي علّمته في المدرسة هي امرأة، والتي دافعت عنه في المحكمة هي امرأة.
المرأة تحمل طفلاً لمدة تسعة أشهر، والرجل يتضايق ويتعب ويفقد صبره لمدة تسعة أشهر وما بعدها أيضاً.
“يا حرام” هذه امرأة قبيحة، لن تجد رجلاً يتزوجها. أما إن كان الرجل قبيحاً فلا بأس، أمواله تقوم بمهمة الوسامة عنه. حسناً، وإن لم يكن لديه المال؟ أيضا لا بأس، فهو رجل والجمال ليس من صفاته. من قال أن الجمال محصور بالمرأة فقط؟ ولماذا علينا أن نتحمّل رجلاً قبيحاً ولا نتحمّل إمرأة قبيحة؟ كم من رجل تزوج امرأة غير جميلة؟ وكم من امرأة غير جميلة قامت بأعمال عظيمة وجميلة؟ وكم من امرأة جميلة قامت أيضاً بأعمال عظيمة؟ وكم من امرأة جميلة تزوجت رجلاً قبيحاً؟ دعونا لا نحصر الإنسان بالجمال فقط فإن ذلك يُخسره صفة الإنسانية.
إن تزوجت المرأة رجلاً أصغر منها ببضع سنوات، هي متصابية وشريرة. أما إن تزوج الرجل امرأة أصغر منه بعشرين أو ثلاثين سنة فهو ما زال بصحة جيدة ويحافظ على استمرارية النسل البشري. ليس هذا فقط، بل يلقون اللوم على المرأة فهي تزوجته من أجل ماله.
إن لم تتزوج المرأة باكراً يصولون ويجولون وينعتونها بأبشع الصفات ويتهامسون وراء ظهرها وتصبح شغلهم الشاغل وكأن حياتهم تأثرت بعدم زواجها. وإن تزوجت باكراً، فهي “جهلانة” أو “قوية”.
إذا لم يتزوج الرجل باكراً يعزون ذلك إلى أن المرأة تنضج قبل الرجل ويعذرونه ويفتشون له عن عروس. يا لعاملي الخير.
إذا مارست المرأة الجنس قبل الزواج فهي ساقطة مع أنها سقطت مع رجل، لكنهم يساندون الرجل المسكين في محنته تلك، أما المرأة فيرجمونها؛ وحجتهم العظيمة أن حواء هي التي أغرت آدم، كأن آدم لا حول له، ولا عقل، ولا إرادة، ولا قوة، فقط شهوة.
وآدم يحق له ممارسة الجنس قبل الزواج فهو رجل لا يملك غشاء بكارة مع أنه لن يمارس الجنس مع الحائط وإنما مع امرأة. أه نسيت هي امرأة وليست إنساناً. عفواً.
افتحوا كتب الأديان كلها وحاولوا أن تستخرجوا منها جملة واحدة تبين أن الله يعذر الرجل ويمنحه حق استغلال جسده كما يشاء وأيضاً يعطيه حق استغلال جسد المرأة كما يشاء، وفي المقابل يمنع ذلك الحق عن المرأة. لا أظن أن الله غير منطقي إلى هذا الحد، أو غير ذكي فهو يعلم تماماً إن أعطى الحق للرجل بذلك فإنه سيمارسه مع امرأة. إذاً، هل خلق الله فئة معينة من البشر النساء لإرضاء نزوات الرجل؟ وهل يفرّق الله بين مخلوقاته؟
لا أعتقد أن المنطق أو الإنسانية يمكن أن يقتنعا بذلك، إنما هو الإنسان الذي نصّب نفسه حاكماً على الآخر، ونصّب نفسه إلهاً في مرات كثيرة.
إن خان الرجل زوجته فلا بأس بذلك، خصوصاً اذا كان البيت لا ينقصه شيء، إلا وجود الرجل طبعاً، ولكن ذلك غير مهم فالرجل له الحق بالترويح عن نفسه. أما إذا خانت المرأة زوجها فتنفتح جهنم نفسها لتحتّج على الموضوع وتوزّع صفات من عندها على ألسنة البشر المحبّين. الخيانة بحد ذاتها أمر مدمّر يُحاسب عليه الانسان بشكل عام ولا تُقيّم عقوبته بحسب جنس هذا الانسان.
“أريد أن أتكلم مع رجل البيت”. عبارة كثيراً ما نسمعها في مجتمعاتنا العظيمة بانفتاحها واحترامها للمرأة وللإنسان. حسناً، إن كان الرجل متوفياً ماذا نفعل، “نُفبرك” واحداً؟
هناك عبارة أخرى يتداولها المجتمع بقوة: “كان هون ومعو وِحْدي” أو “هيدا فلان ومعو وِحْدي” وكأن “الوحدي” ليست إنساناً وامرأة، إنما شيء . وهذا الشيء يُترجم في أذهانهم تلقائياً إلى رجلين ونهدين وجسد فهي بالتالي “وِحْدي”. باستعمالهم هذه العبارة يعترف الناس تلقائياً بوجود الرجل وينفون ذلك الوجود عن المرأة ويستبدلونها بشيء.
“وِحْدي” تعني في مفهومهم أنها امرأة موجودة معه لأسباب مشبوهة. ولا يتوانون في أحيان كثيرة عن وصفها بالساقطة، ليس لأنهم يعرفون مهنتها أو لأن تلك هي مهنتها، بل لمجرد ممارستها لحقها الطبيعي بالتواجد مع إنسان آخر من جنس آخر تماماً كما يفعل الرجل الموجود معها.
يا سلام ما أجمل هذه الأحكام وما أبعدها عن التحضّر والإنسانية، فهي تساهم في خلق مجتمع مثقف متحضّر إنساني خالٍ من أية ضغوط، يحترم الإنسان ولا يحشر أنفه في أمور الغير. أليس كذلك؟
المرأة عرض الرجل وشرفه. ما رأيكم لو يتحمّل هذا الرجل مسؤولية عرضه وشرفه ويتوقف عن تسمية المرأة بشرفه وعرضه وتحميلها مسؤولية المحافظة عليهما؟ ما رأيكم لو يتحمل مسؤولية نفسه وعرضه وشرفه خارج جسد المرأة إذ يكفيها ما تحمله من مسؤوليات وأعباء. ثم إن كانت المرأة شرف الرجل فهل يحق له ضربها؟ هو يضرب شرفه، إذاً، هو بلا شرف.
وحينما يقرر هذا الرجل الحصول على المال ويوظّف شرفه تحت التهديد والضرب ويجبره على استعمال جسده ليحصل هو على المال، ماذا يحلّ عندها بفكرة المرأة شرفي وعرضي؟ وكيف يجب أن ننظر للأمر؟ هل يعني ذلك أنه حق اجتماعي وُضع في تصرف الرجل يستعمله ساعة يشاء حسبما تقتضي مصلحته؟ وهل يحق له التصرف بجسد ليس جسده وإنما هو جسد المرأة الإنسان التي اسمها زوجته؟
من أين يستمد أي أحد الحق بالتصرف بجسد أو بحياة المرأة ويمنع عنها الحق بالتصرف هي بما يخصها؟
ومتى ستتغير تلك القوانين المجحفة بحق المرأة مثل قوانين العمل، والإرث، والطلاق، والحضانة، وعدم تمكنها من إعطاء الجنسية لأولادها، وعدم القدرة على اصطحاب أولادها خارج البلد إلا بإذن من زوجها، أو عدم تمكنها من السفر وحدها إلا بمرافقة ذكر حتى لو كان يافعاً. أليس هذا احتقار وتهميش لشخص المرأة وفكرها وقيمتها كإنسان؟
وإن حصل وسنّوا قانوناً يمنح المرأة حقها الطبيعي كإنسان وفرد في المجتمع يتصرفون وكأنهم يتفضّلون عليها.
إن كان الله خلق المرأة إنساناً وأعطاها كل الحقوق واحترمها، أتساءل من أين استمد الرجل والمجتمع كل تلك القوة للتحكم بها والسيطرة عليها وظلمها ووضعها تحت وطأة الذل والقهر والاستبداد؟ بالطبع لم يعطهم الله ذلك الحق لأن الله خلق إنساناً وليس عبدة وسيداً.
مهما تحكمت المرأة أو تبوأت مراكز عالية تبقى الشريحة الأكبر من النساء خاضعات لأحكام المسبقة يرزحن تحت صورة معينة رسمها لهن المجتمع.
مبروك على المجتمع ذكوره وشهر المرأة الغير موجودة.
الرجل يحمي ولا يعرّض للخطر.
الرجل يحتوي ولا يُشرّد.
الرجل يتحمل المسؤولية ولا يلقي المسؤولية على غيره.
الرجل يتفهّم ولا يفقد أعصابه.
الرجل يدافع عن المرأة ولا يضرب المرأة.
الرجل هو شريك المرأة وليس ملاكم يدرّب مهاراته في جسد المرأة.
الرجل لا يحتقر أو يسخّر رجلاً أو إنسانا أقل منه شأنا أو مالاً.
الرجل لا يقلّد المرأة ثم ينتقدها.
الرجل لا يختبأ وراء قوانين وأعراف مجتمع بالية ليظلم المرأة وينقذ نفسه الضعيفة العاجزة
ويبقى السؤال: هل في مجتمعاتنا رجال أم ذكور؟ والأخطر هل فيها إنسان أم مجرد ذكر؟
في نهاية شهر المرأة ما رأيكم لو نفكر بهذه المرأة كإنسان لبقية السنة وننسى أنها امرأة فقط؟