بقلم: الأديب مازن ح عبود
أحبّ “برهوم” أن ينزل حيث كان البحر يزور اليابسة. نزل وجال في الحي البحري للمدينة القديمة التي كانت عاصمة الإقليم حيث قبعت “كفرنسيان”. أبصر كيف كانت الريح تأتي عاتية ومحمّلة بالصفير، تواكبها الأمواج التي راحت تجتاح اليابسة، مذكرة إياها أنها كانت يوماً لها.
وكانت البيوت القديمة تئن وترتجف خائفة وتنحسر قليلا. وتلتوي الأزقة المتماوجة التي تتحول أقنية للمياه المالحة. في وسط الخوف وفي قلب المدينة القديمة التي قذفها البحر من أحشائه، أبصر كنيسة صغيرة ساهرة تصلي وحيدة في تلك الجهة كي تسلم المدينة. فالحرب كانت دائرة في المقلب الآخر للجبل. وقد قيل إنّ البشر تحوّلوا شياطين بفعل خلطة تركبت بمزيج من الخوف والتكنولوجيا والظلم. خلطة غيّرت وجه بعض المتدينين. فصاروا أبناء للشياطين يعبثون في الأرض خوفاً ودماراً. وصار البحر يرمي من جوفه مخلوقات مخيفة. في الكنيسة الصغيرة والقديمة الساهرة لوحدها جلس “برهوم” ينتظر حتى جلاء العواصف. وكان ركّاب تلك الكنيسة من بسطاء القلب والفقراء والمعذبين. فالعروش والسلطات كانت قد هوت.
عاد “برهوم” الى كفرنسيان قلقاً. فوجد “يوسف الكفرنسياني” في السوق، يدخن نارجيلته. سأله: “ما بالك يا فتى مصفرّاً ومرتبكاً هكذا؟؟ ما الذي حصل معك؟؟ لا تخف فعمك يوسف معكم حتى قدوم أجله”. فأبلغه “برهوم” بما يجري في الناحية الثانية للجبل. وكيف أن الناس يذبحون والنساء تسبى تحت عباءة الدين. فهدأه وطلب إليه أن لا يخاف. فلا خوف على كفرنسيان وكل الناحية والإقليم طالما هو موجود. فهو صديق “الفوهرر” المغدور الذي يعرف أسرار العالم. وبحسبه أنّ البسيطة ممسوكة اليوم من أعداء “الفوهرر” المهزوم. “ولو أنّ صديقه الفوهرر المهزوم قد انتصر على المرابين الذي يديرون العالم لكان غيّر وجه الأرض. ولكان هو قد أضحى من حكًام هذا الدهر”. وراح يستذكر مغامراته حين كان يقلّ الركاب بسيارته “اوستن” على خط باريس-بارلين كما قال. فأخبره كيف أنه التقى يوماً رجلا بثياب بيضاء فتح نافذة سيارته وناداه لاحتساء القهوة في حاضرته. ولمّا سئل عن الرجل قيل له: “ما بالك يا جو ألم تتعرف على صاحب القداسة؟؟ إنه البابا يوحنا الواحد والعشرين يناديك”.
حصل ذلك في ساحة “إسبانيا” في روما التي ما زالت تشهد لضربة كف “الكفرنسياني” الذي عرفته ساحات وقادة مدن وبلدان القارة الهرمة، كما كان يقول. “فعندما كان “الكفرنسياني” يلهو بالكون، كان جميع قادة القارة، غلماناً وفتيات، وبعضهم لم يكن قد ولد بعد”. ثمّ تنهد ولاعب شاربيه. وسأل “برهوم” أن يصلي إلى القدير كي يطيل الله بعمر “الكفرنسياني”.
وضرب “الباركينسون” “الكفرنسياني”. فانتشر الخبر بأنّ المعلم يوسف مصاب بـ”الباكيستن”. فأعرب المعلم “يوسف” عن قلقه الشديد وعتبه على “باكستان” التي بدل أن تكافئه على وقوفه إلى جانبها في مسيرتها للاستقلال عن الهند، أرسلت إليه “الباكيستن”. وصار يقول إن “الوفاء” أضحى مفقوداً. وإنه حزين لكن غير متفاجئ من تصرف بعض الدول تجاهه. فقد أضحى يشكل عبئاً على النظام العالمي بعد رحيل كل أصحابه، كما افاد. “فالعولمة لا تتحمل وجود شخص بحجم “الكفرنسياني””. فكان أن جمع قومه وقال لهم: “يا أبناء بلدي العزيز، أنا راحل ولست حزيناً على نفسي بل على “كفرنسيان”. نفسي مضطربة لأجلكم. انتبهوا ولا تتركوا مجالا كي يتسرب الشياطين إلى ضيعتكم. احفظوا إرثي وقصصي وأقوالي. والله ولي التوفيق”.