بقلم: الأب كميل مبارك
من يطَّلع على مدوَّنات الديانات القديمة بأَخبارها وأَساطيرها، يرى كمن في مرآة غطَّى بريقها غبار التراب وهاجس المعرفة وعطش الإنسان منذ كان إلى البقاء والخلود. يرى نداءات البعيد ترسم أَمام أَعين الناس وفي عقولهم خيالات الحقيقة، فيقفون أَمامها تائهين عنها متلهِّين بصورها عن جوهرها.
فهنا نقرأ عن حكايا بلاد ما بين النهرين التي تزخر بالبحث عن شجرة الحياة. وهناك عند المصريِّين الأَقدمين نرى إمكانيَّة حياة بعد الموت، أَو رجعة إلى الحياة عينها ولو بشكل مختلف. أَمَّا عند الهنود فنرَى شبيهة حوّاء وقد دفعها حبُّها لزوجها الذي أَكل من الشجرة المحرَّمة، إلى القول أَمام القوَّة المحاسبة إنَّها هي التي أَكلت وخالفت الوصيَّة وليس الرجل.
نقرأ في كتابات الفينيقيِّين الجبيليِّين أُمَّهات الوصايا التي أَعطانا إيّاها موسى على لوحات إلهيَّة. وهكذا عند الأَنكا والأَستيك في أَميركا الجنوبيَّة، فإنَّنا ندهش أَمام ما نراه من هندسات للكون ومخطَّطات للوجود الذي نعرفه وربَّما لذاك الذي لا نعرفه.
هذه وتلك من الديانات التي رآها الباحثون شيئًا من أَحلام العقل البشري، أَو وجوديَّة دينيَّة تنمو مع نموِّ الشعوب أَينما وجدوا في الزمان والمكان، كما رأَى البعض فيها تجسيدًا للقوَّة التي تحاول أَن تسيطر في لاوعي الإنسان على عناصر الوجود وقوى الطبيعة، وامتدَّ بهم التحليل إلى حلم الأُلوهة في قلب الإنسان وعقله، في هذه وتلك أَرى بريقًا ولو مخفيًّا لصوت الله يدوِّي في ضبابيَّة العقل الإيماني عند الإنسان.
إنَّه الصوت الذي هرب منه الإنسان بعد الخطيئة وخاف من غضبه. فعوضًا من أَنْ يلجأ إليه، حاول أَنْ يسترضيه بالهدايا والقرابين والذبائح، حتى وصل إلى التضحية بالإنسان طفلاً أَو كبيرًا. وتاه وتاه بالرغم من النداءات التي سمعها هذا الإنسان لأَنَّه لم يعرف مصدرها. فظنَّها حينًا من داخله وأَحيانًا من الوجود المادِّي حوله. فتلهَّى بالنداء غافلاً عن المنادي وطال معه الزمن.
كلام الصور
من أساطير بلاد ما بين النهرين