الطبيعة وما فيها…

بقلم: الأب كميل مبارك

pere-camille-1هي الطَّبيعة بما فيها من بحَار تعكس زرقتها لون السَّمَاء وتَزخَر بعَالم من المخلوقَات الحيَّة حيوانًا ونبَاتًا، لكأَنَّها المستودع الذي لا ينضب من المُؤَن والخيرات، ومن غموض الأَعماق وظلمَات قامَات الميَاه، ملحها لا يجفُّ ولا يَفسُد، كأَنَّه المواد الحافظة التي تمنع على الموجودات انحلالها
.
هي الطَّبيعة بما فيها من أَنهار تَعِدُ العطاش بما يرويهم والأَرض المعطَاء بما يسقيها. تعطي وتعطي فلا تنضب ولا تبخُل وإذا ما غضبت قذفت حممًا باردة هدّارة، تجرف من طريقها كلَّ ما يعيق وما يليق. وتلك الجبَال التي تعلو وتعلو، مبَاخر عطر تشهق نحو السَّمَاء، صخورها أَشجَارها ثلوجها، جَمَالٌ يتزَاوج مع الجَمَال، فيولِّد دهشَة الإنسَان وخوفه وحلمه الذي يطَاول رؤوس الجبَال. وتلك الصحَاري الصَّفراء، بحُبوبها اليَابسَة، تجري أَمام الرِّيح فلا تهدَأ، وتبدِّل أَشكَالها أَمَام أَعين الغَافلين ولو للحظَات. إنَّها كالبحر بمَوجه وزَبَده، وقد استبدَل بالمَاء قسَاوَة الجفَاف.

أَمَّا الأَشجار والأَزهار التي لم يلبس سليمان في عزِّ مجده كواحدة منها، تهدأ بنفسجًا وتثور زنبقًا. تهدي العبير مع كلِّ نسمة ولا تَكْتُم أَنفاسها إلاّ لتعطيك ثمرًا وشهدًا. هي هي منذ كانت تحمل في ذاتها جمال كيانها كأَنَّها تطيع أَمر الآمر، فتنبت من الأَرض زرعًا يثمر ثمرًا بزره فيه من جنسه. إنَّها دليل جديد على قوَّة الإستمرار.

أَمام هذه وتلك من مجد الطبيعة ورهبتها ووهرتها ووقارها ووداعتها وسكونها وثورتها، وقف الإنسَان ينظر إلى ما يبدو منها، فأَلَّه القوَّة والقسوة وما لا يقدر أَن يسيطر عليه، وأَحبَّ الودَاعة والعَطاء. أَلَّه البرَاكين والبحَار والأَنهار والجبال والنار والريَاح. لقد وقف عقله خلف حواسه، فتجمَّد أَمام الوجود ولم يتجاوزه إلى فاعل الوجود. تمَامًا كما وقف أَمام النور فلم يدرك مبدعه وأَمام الكواكب فلم يدرك مُسَيِّرها. تعبَّد للشمس التي تضيء نهاره وتدفئ برده وتنبت زرعه فلم يصل إلى مَن كوَّنها.nature

وهو اليوم يفهم كثيرًا من الأُمور التي أَعطاه أَسرارها العلم والتجارب والمهارات. فأَدرَك توازُن العتمة والنور في ما يخصُّ تنقية الهوَاء والذي منه استمرار حياة الكثير من المخلوقَات، ولكنَّه اليوم أَيضًا، لم يتخطَّ العمليَّة المخبريَّة ليصل إلى من أَراد هذا التوازن دعمًا للحياة. ولكَ يا صديقي أَن تزيد على هذا المثل آلاف الأَمثال.

أَمَّا أَنا فأُؤمن بأَنَّ الطبيعة بما فيها، هي الحروف الكبرى التي خطَّها الله على جبين الوجود، ليعرِف الإنسان أَنَّه السيِّد على كلِّ موجود، وأَنَّ هذه السيادة، لم تكن له لو لم تعطه من فوق. ففي روعة واقع الأَشياء أَرى جمَال المبدع. وعوضًا عن أَنْ أَقف حائرًا كيف تكون وكيف تموت، أَقول مع القائلين: سبِّحيه أَيَّتها السموات وأَيَّتها البحار وأَيَّتها الطيور وأَيَّتها الزهور. فكلُّ نسمة تسبِّح الله

اترك رد