«انتهى» التاريخ … لكنّ ديموقراطيات كثيرة في خطر

بقلم: الباحث خالد غزال

khaled-ghazalتواجه ديمقراطيات كثيرة أخطاراً متنوعة تطاول فكرها وكيفية ممارستها، على رغم قرون من وضع مداميكها، وخصوصاً بعد انهيار جدار برلين نهاية الثمانينات من القرن الماضي، ومعه تفكك المعسكر الاشتراكي. وهذه أحداث أعلن منظرون ليبراليون عبرها «نهايات التاريخ»، وسيادة الديمقراطية الى الأبد.

لكن تطورات العقود الماضية أظهرت وهم الحلول النهائية للمعضلات البشرية، ومن ضمنها ان تكون الديمقراطية أحد الحلول الناجعة، لذا عاد البحث ينصب على الوسائل والطرق التي تجعل الممارسة الديمقراطية أفضل، ومعها تجاوز السلبيات الناجمة عن تطبيقها. في هذا المجال نظم «نادي مدريد» الذي هو منظمة مستقلة، تضم نحو 68 رئيس حكومة حاليين وسابقين، لديمقراطيات نشأت حديثاً وكرست نفسها لتعزيز الديمقراطية حول العالم، حلقة نقاش ضمت باحثين وناشطين في المجموعات العامة والخاصة، تناولت شؤون الديمقراطية. نجم عن حلقة النقاش صدور كتاب «ديمقراطيات في خطر» الذي حرره الفرد ستيبان، وصدر عن «شركة المطبوعات للتوزيع والنشر» في بيروت.guilaf democratie

تناول المحور الأول في النقاش مسألة «كيفية الإدارة الديمقراطية السلمية الناجحة للنزاعات الثقافية الممكنة»، من خلال رصده ما أصاب النزاعات الثقافية المتعلقة بالقومية والدين واللغة والعرق من إهمال كبير في الدراسات الكلاسيكية التأسيسية حول تحقيق الديمقراطية، في وقت لا تحظى بالاهتمام اللازم في الكثير من الديمقراطيات الجديدة. وبالنظر الى البروز المتنامي «للمجتمعات غير المدنية» في العالم، طرح الباحثون ضرورة إعادة تفحص الأفكار الأصلية حول المجتمع المدني المنتشر في صيته عبر معظم المجتمعات. وأشار باحثون الى ان ازدياد مؤسسات المجتمع المدني يشكل عنصراً دافعاً للديمقراطية، فيما اشار آخرون الى أهمية التدقيق في المحتوى السياسي لطروحات المجتمع المدني ولنوعية النشاطات التي تقوم بها، بحيث يمكن في ضوئها تقرير ما اذا كان المجتمع المدني يساهم في تنشيط الحياة الديمقراطية ام يعرقل مسارها. و تطرح قضية المجتمع المدني مدى علاقته بالدولة، ارتباطاً او استقلالاً. فكما هو واضح تلقت منظمات المجتمع المدني مساعدة مباشرة من الدولة، او من مؤسسات متولّدة من بنى طائفية او إثنية او عصبيات جهوية، وهو أمر يطرح سؤالاً كبيراً عن موقع المجتمع المدني ومدى قدرته على ممارسة دور مستقل يصب في تعزيز الديمقراطية.

اما النقطة الثانية في هذا المحور، فهي المتصلة بحركات الانفصال الإثنية، والتي تتسم في الغالب بالعنف والكراهية وأعمال القتل والممارسات التسلطية. وهذه حركات تشكل إخفاقات لمسيرة الديمقراطية، كما تطرح تحديات في وجهها لجهة انتاج الفكر النظري والعملي المرشد لهذه المجتمعات في إيجاد التسويات والحلول السلمية لمعضلة الخلافات داخل المجموعات التي يتكون منها كل بلد في العالم. ويشير الكاتب في هذا الصدد قائلاً :»على رغم هذا الواقع، لم يعمل قادة تحقيق الديمقراطية بالشكل الكافي على تحديد مجموعة من الممارسات، ولم يطور منظرو الديمقراطية أي هيكل أدبي مكرس لكيفية القيام بالكفاحات الانفصالية مهما جاءت نتائجها».

Alfred-Stepan

الفرد ستيبان

يناقش المحور الثاني «كيفية انشاء وتوجيه الأجهزة الأمنية البشرية التي تستخدم بطريقة ديمقراطية»، بحيث تركز البحث على مسألة دمج المؤسسات العسكرية من جيش وشرطة وأجهزة استخبارات، وخطورة هذا الدمج على المسار الديمقراطي المهدد من خلال هذه الصيغة بتحول البلد الى ديكتاتورية قوية. في بلدان شهدت تطوراً في ممارستها الديمقراطية وفي الحقوق التي اكتسبها المواطنون، يخشى هؤلاء من تهديد هذه الحقوق في حال غياب الدولة وانفلات العصبيات الساعية الى الحلول مكانها. من هنا تبدو الأجهزة القمعية التي تتمتع بها الدولة ضرورة لحماية المكتسبات. لكنّ الأخطار تعود الى الخوف من هذه الأجهزة المجمعة في متّحد عسكري، من ضربها للحقوق والمكتسبات تحت حجة حماية الأمن والقضاء على الشغب، وهو ما تشهد عليه توجهات ديمقراطيات عريقة في بلدان الغرب، خصوصاً بعد سيادة مقولة محاربة الإرهاب والتصدي له قبل الوصول الى الديار. لذا شدد الباحثون على الوسيلة الناجعة لمنع تسلط الأجهزة على حقوق المواطنين، في الوقت نفسه الذي تقوم فيه بالتصدي لما يمس هذه الحقوق. لذا تركز البحث على مسألة تفكيك الأجهزة ومنع تمركزها في جهاز واحد، ومنع الجيش من التدخل في الحياة السياسية، بحيث يقوم كل جهاز بتنفيذ الهمات المنوطة به تحديداً، وبحيث «يتوجب حصول تحول ذي مغزى عن الأيديولوجية والتدريب في سبيل «أمن الأرض الوطنية» في اتجاه التدريب على «الأمن البشري للمواطنين». ويجب على تعزيز الأمن البشري ان يتضمن مقاربة مدمجة للحوكمة الديمقراطية الجيدة ضمن الدولة، وكذلك ضمن الشرطة والاستخبارات والقوى المسلحة».

يتضمن المحور الثالث «مقترحات جديدة حول كيفية تحسين النظام الرئاسي ونصف الرئاسي»، فيشير الباحثون الى ثلاثة أنظمة عرفتها الديمقراطيات: النظام البرلماني (كما تأسس في بريطانيا)، والنظام نصف الرئاسي (الذي مثلته الجمهورية الفرنسية الأولى)، والنظام الرئاسي (كما تأسس في الولايات المتحدة الأميركية).

وأشار مناقشو «ندوة مدريد»، ان الديمقراطيات التي تواجه الخطر «انما تواجهه جزئياً بسبب النزاعات الموجودة في النظامين الرئاسي ونصف الرئاسي والتي لم يتم تحليلها كما يجب في بداية الموجة الجديدة من تحقيق الديمقراطية».

ناقش المجتمعون النظام الرئاسي انطلاقاً من الأحداث التاريخية التي أعطت خلاصات سياسية لا تصب في مصلحة هذا النوع من الأنظمة. يرى بعضهم ان هذا النظام عزز الديكتاتورية في كثير من بلدان العالم، وسـاهم في تركيز الحكم العسكري، وأعطوا امثلة على ما جرى ويجري في بلدان اميركا اللاتينية. مقابل التشكيك بهذا النظام برزت دعوات لاستبداله بالنظام البرلماني على النمط البريطاني، او في حد ادنى البحث في اصلاح جذري لمؤسساته، فيما دعا بعض الباحثين الى استلهام النظام نصف الرئاسي. كلها اقتراحات تهدف الى تعزيز الحياة الديمقراطية وتجذير فكرها ومكتسباتها.

اترك رد