البطريرك يوحنا العاشر في حفل خريجي جامعة البلمند في دبي: علاقتنا بالمسلمين تتخطى مجرد التعايش المسالم… فمعهم نبني مستقبل أولادنا المشترك ومعهم نجابه الأخطار المحدقة بنا…

أقام خريجو جامعة البلمند في دبي حفل عشاء على شرف يوحنا العاشر بطريرك إنطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس، حضره وزير الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير youhanna 1الثقافة والشباب وتنمية المجتمع. ألقيت في المناسبة كلمات لـ: جامعة البلمند والخريجين ووزير الثقافة الإماراتي. في الختام ألقى البطريرك يوحنا العاشر كلمة جاء فيها:

“أحييكم تحيةً ملؤها المحبة والسلام من أحشاء خالقنا الواحد الأحد. أحييكم بسلام المسيح المجبول برحيق تعليمه. أحييكم بسلام أبي الأنوار، الذي من فيض نوره تنحدر كل نعمة صالحة ومن معين صلاحه تنسكب كل عطية كاملة وبديمومة شكره تغتسل نفوسنا بباهي خيراته.

نحن في الإمارات و”أَمارات” الفرح تسكن قلوبنا. نحن في بلدٍ كريم مضيافٍ احتضن تحت جناحه الجميع وجمع في مواطنيته كرم الضيافة العربية وانفتاح المدنيّة المنشود. الشكر أولاً لله القدير الذي جمعنا مصفاً واحداً يَنشد مرضاته على اختلاف الدين. والشكر أيضاً لسمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، والشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي العهد، والشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب الرئيس ورئيس مجلس الوزراء. وأما ذكرى الأب المؤسس الشيخ زايد، طيّب الله ثراه، فيحفظها التاريخ وتذكرها القلوب عرفاناً وتقديراً”.

وتوجه الى وزير الثقافة الاماراتي بالقول: “وأنتم، أيها الأخ العزيز، الشيخ نهيان صاحب الأيادي البيضاء، والذي رعى احتفالات جامعة البلمند في الإمارات منذ السنة الأولى، أنتم جسر محبةٍ بين البلمند والإمارات. أنتم من عملتم لتنال جامعتنا الاعتراف الرسمي بشهاداتها في دولة الإمارات العربية المتحدة. وبهذا تكونون جسر تلاقٍ ومودة، وهذا أكبر وسامٍ نضعه على صدركم تقديراً لكل أتعابكم.

“رأس الحكمة مخافة الله”، هذا ما يقوله الكتاب المقدس. “تعلموا العلم فإن تعلمه لله خشيةٌ”، وهذا ما تقوله السيرة النبوية. ألا نرى في هاتين الجملتين صدىً لأمرٍ واحدٍ وهو أن العلم المزدان بمهابة الله ومخافته هو منارةٌ لكل نفس وهو بكر بواكير العلوم. وكما تقول السيرة النبوية “إن طلبه عبادةٌ ومذاكَرَتَهُ تسبيحٌ والبحثَ عنه (أي عن العلم) جهادٌ”.

“طوبى لمن يعمل ويعلم”، هذا كلام الإنجيل الذي يدعو المسيح معلماً. ونحن في كنيسة أنطاكية نعمل وندأب لنكون على مثال سيدنا، رسل سلامٍ ودعاة علمٍ وعمل. ونحن نفخر أن تكون جامعتنا، جارةَ الأرز الخالد، منارة انفتاحٍ نحو كل البسيطة، وأن يرتفع بين ثناياها مبنى يحمل اسم الشيخ نهيان “مركزاً للدراسات العربية ولحوار الحضارات”، وتعبيراً عن روح تلاقٍ ومحبةٍ ماضياً وحاضراً ومستقبلاً”.youhana

وتابع البطريرك يازجي كلمته، قائلا: “ولتسمح لي محبتكم أن أردد على مسامعكم ما نؤكد عليه دوماً:

“نحن نؤمن بمتابعة مسيرة الحوار مع الجميع على أساس الاحترام المتبادل والمساواة وقبول الآخر.. نحن كنيسة متجذرةٌ في هذا المشرق تنبذ الانغلاق وأنواع التقوقع كافةً… نحن كنيسةٌ مشرقيةٌ أرثوذكسيةٌ عروبية الالتزام… نحن نقول بالانفتاح والاشتراك مع إخوتنا في المواطنة بكل الهواجس التي تهم أوطاننا لأن ما يجمعنا كثير… ولا بد هنا من التأكيد على أن لإخوتنا المسلمين، شركائنا في المواطنة موقفاً خاصاً في قلبنا وفي فكرنا… فعلاقتنا بهم تتخطى مجرد التعايش المسالم… معهم نبني مستقبل أولادنا المشترك، ومعهم نجابه الأخطار المحدقة بنا”.

لقد رفعت جامعتنا، جامعة البلمند، شعارها “والحق تعرفونه” لا احتكاراً منها للحق، بل سعياً منها لأن تكون على خطى سيدها، منتهجة سبيل الحق. هذه الجامعة هي ابنة الكنيسة الأنطاكية الأرثوذكسية، بنوتها لها تعني أنها من رحم تاريخها تأتي وبمجداف تعليمها تمخر عباب الماضي مستشرفةً وجه المستقبل. وبنوتها لها لا تعني تقوقعاً في الماضي ولا ذوباناً في الحداثة والعولمة. جامعة البلمند، الناشئة في الحضن الكنسي الأنطاكي الدافئ، هي بعضٌ من رسالة أنطاكية المُحبّةِ للمشرق ولإنسانه وللعالم أجمع. جامعة البلمند تسعى لأن تكون كقبّة دير البلمند مصقولةً مثمنة الأوجه تنشر وإلى ثماني جهات الأرض نور انفتاحٍ وشمس تلاقٍ. هذه الجامعة مدعوةٌ أن تكون كثلج لبنان، ناصعةً بإنجازات خريجيها، مزينةً النفوس بوميض علمها ونورها، تذوبُ لتبقى في تربة هذا المشرق خميرةَ انفتاحٍ نحو المستقبل وجذراً ينهل من عراقة الماضي”.

ثمّ قال:”الحفل حفلكم أخوتي وأحبتي الخريجين. نجاح الجامعة يُسبر بنجاحكم. أنتم وجهنا ورسلنا إلى العالم. “العطاء مغبوط أكثر من الأخذ”، فافرحوا بعطائكم، وسروا في الرجاء. أنتم رسل لجامعةٍ نشأت على أرض بلدٍ، سماه شارل مالك في سبعينيات القرن الماضي “البلد الرسالة”. نحن واثقون أنكم حمَلَةُ رسالةٍ تشرّبتموها في البلمند. ورسالتنا اليوم هي دعم الطلبة المحتاجين. نهنئكم على فرح عطائكم، فبأيديكم، يقول جبران، يتكلم الله، ومن خلال أعينكم يبتسم على الأرض.

نعم، نحن، مسلمين ومسيحيين، بنينا سويةً مداميك حضارةٍ مشرقية. لم يفرقنا دين، لا بل إن اللغة تجمعنا. وهذا بالفعل ما عكسته وتعكسه اللحظات التي أمضيناها في الإمارات”. وختم كلمته: “ويطيب لي أن أختم بكلمات فخري البارودي أواسط القرن الماضي:

بلاد العرب أوطاني من الشام لبغدان ومن نجدٍ إلى يمنٍ إلى مصر فتطوان/ فلا حد يباعدنا ولا دين يفرقنا لسان الضاد يجمعنا بغسانٍ وعدنان

لنا مدنيّةٌ سلفت سنبنيها وإن دُثرت ولو في وجهنا وقفت دهاة الإنس والجان/ فهبوا يا بني قومي إلى العلياء بالعلم وقولوا يا بني أمي بلاد العرب أوطاني

صلاتنا إلى الرب القدير أن يبارككم ويبارك عائلاتكم ويعطي أوطاننا كلها نور سلامه الحق، هو المبارك والممجد سرمداً”.

اترك رد