بقلم: الكاتب صلاح شعير (*)
تبلغ نسبة المياه على كوكب الأرض 70%، أي ما يوازي 1400 مليون كيلومتر مكعّب من مساحة هذا الكوكب. وعلى الرغم من ذلك، فإن المياه العذبة لا تمثل سوى 2,5%، كما أن نسبة 9,2% منها هي مياه متجمّدة في القطبين الشمالي والجنوبي، أو في أعماق خزانات جوفية يصعب الوصول إليها، ما يعني أن العالم يعيش على نحو 0,8 % من المياه العذبة. فما هي انعكاسات ذلك على الأمن المائي العربي؟
وفقاً لتقرير البنك الدولي الصادر في العام1993، سوف يبلغ متوسط نصيب الفرد السنوي من الموارد المائية المتجدّدة والقابلة للتجدّد في الوطن العربي667 متراً مكعباً في سنة 2025، وذلك بعد استبعاد مخزون المياه الكامنة في باطن الأرض، بعدما كان هذا المخزون بحدود 3430 متراً مكعباً في سنة 1960، بانخفاض قدره 80%. وتكمن المشكلة في أن موارد المياه المتجدّدة في المنطقة العربية تبلغ نحو 350 مليار متر مكعب سنوياً، وتُغطّى نسبة 35% منها من طريق تدفقات الأنهار القادمة من خارج المنطقة. إذ يأتي عبر نهر النيل 56 مليار متر مكعب، ومن طريق نهر الفرات 25 مليار متر مكعب، ومن طريق نهر دجلة وفروعه 38 مليار متر مكعب، ويبلغ نصيب قطاع الزراعة من المياه العربية 88%، مقابل6.9 % للاستخدام المنزلي، و5.1% للقطاع الصناعي. حيث يُستهلك 1000 طن من المياه لإنتاج طنّ من الحبوب، وترتفع نسبة الاستهلاك في أفريقيا وآسيا، بسبب ارتفاع الحرارة.
وطبقاً للمؤشرات الدولية في مجال المياه، فإن أيّ بلد يقلّ متوسط نصيب الفرد فيه من المياه سنوياً عن 1000- 2000 متر مكعب يعتبر بلداً يعاني من ندرة مائية؛ وبناءً على ذلك، فإن 13 بلداً عربياً تقع من ضمن فئة البلدان ذات الندرة المائية، إذ يقدر معدل الزيادة السكانية على المستوى العالمي بنحو2% تقريباً. وطبقاً لهذه الزيادة، وبحلول العام 2050، ستهبط كميات الماء المتاحة لكل فرد في الشرق الأوسط إلى نصف ما هي عليه الآن، بحيث ستنخفض من ألف متر مكعّب للفرد سنوياً إلى نحو خمسمائة متر مكعب. وتقدر احتياجات الفرد العادي من المياه يومياً بـ50 لتراً، منها 5 ليترات للشرب، و20 ليتراً للاستخدامات الصحية، و15 ليتراً للاستحمام، و10 ليترات للطهي وإعداد الطعام. ويقدر العجز المائي المتوقع في المنطقة العربية بحوالى261 مليار م3 في العام 2030.
والمشكلة أن الدولة العربية تشترك مع دولتين أو أكثر في حوالى 300 نهر و100 بحيرة و300 خزان جوفي، ويقع نحو 40% من الكرة الأرضية حول هذه المجاري المائية المشتركة، كما يعتمد حوالى نصف سكان العالم عليها. وعلى الرغم من ذلك كلّه، ليس ثمّة اتفاقيات تنظّم استخدام معظم هذه المجاري المائية المشتركة وإدارتها وحمايتها. من ذلك مثلاً، أن نهر النيل الواقع في مصر والسودان، يعتمد عليه 150 مليون شخص من ضمن تسع دول أفريقية. كما أن عدد السكان من حوله سيرتفع إلى حوالى340 مليون شخص بحلول العام 2050، الأمر الذي سيهدّد العلاقات بين هذه الدول.
في الحالة المصرية
يمتلك الوطن العربي رصيداً ضخماً من الموارد المائية غير المتجدّدة، وتعدّ المياه الجوفية مخزوناً استراتيجياً يُسحب منه حالياً حوالى 5%. لكن هذا الخزان غير كافٍ لمواجهة الطلب المتنامي على الماء، وبخاصة أن معدلات الزيادة السكانية في الوطن العربي هي الأعلى في العالم. فمن المتوقع أن يصل سكّانه إلى 735 مليون نسمة في العام 2030. ففي مصر، ثمة مثلاً خزانات ذات محتوى مائي هائل تنتشر في الصحراء الغربية والصحراء الشرقية وشبه جزيرة سيناء. فخزان الحجر الرملي النوبي، الواقع تحت أجزاء من مصر والسودان وليبيا وتشاد، يمكن السحب منه لأغراض مختلفة. ومن بين هذه الخزانات كذلك، خزان الحجر الجيري، الذي ينتشر أيضاً على مساحات واسعة، يكون سريان المياه فيها من خلال التشققات التي تصل إلى حدّ اتساع الأنهار. إلا أن نوعية المياه في هذه الخزانات ربما تكون في بعض الأحيان أقل عذوبة من ماء خزان الحجر الرملي النوبي، ومثل هذه المخزونات لن تلبّي الاحتياجات المستقبلية.
في الحالة المصرية كمثال، تنحصر الموارد المائية في مياه النيل، وتحدّد الاتفاقية، الموقعة في العام 1959 بين مصر ودول حوض النيل، متوسط الإيراد الطبيعي للنهر عند أسوان بنحو 84 مليار متر مكعب سنوياً، توزّع 55.5 مليار متر مكعب لمصر، و18.5 مليار متر مكعب للسودان.
في نموذج مصر أيضاً، تستحوذ الزراعة على 80-85 % من الميزانية المائية، ويصل إجمالي مساحة الأراضي المزروعة في الوقت الحاضر إلى نحو 8 مليون فدان، مع إمكانية ازديادها إلى 10-11 مليون فدان بحلول العام 2017. ويصل متوسط ما يحتاج إليه الفدان من مياه الريّ في الوقت الحاضر إلى ستة آلاف متر مكعّب سنوياً، أي أن إجمالي نصيب الزراعة من المياه يصل إلى 48 مليار متر مكعّب في السنة.
ويستهلك فدان قصب السكر، بوصفه محصولاً دائماً، حوالى 10000 متر مكعّب سنوياً، بما يعادل ضعف استهلاك بنجرالسكر(الذي يستهلك 5000 متر مكعب سنوياً). وقد نمت المساحات المزروعة بالأرز تدريجياً من 1.30 مليون فدان في العام 1992 إلى 1.6 مليون فدان العام 1997، وهو نبات مستهلك للمياه، وتهدف الخطة المائية للدولة إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية بمعدل 3.4 مليون فدان حتى العام2017، مع تقليل مساحات الأرز إلى 900 ألف فدان لتوفير الماء، واستحداث زراعة سلالات جديدة من الأرز ذات نضج مبكر واستهلاك مائي أقل وإنتاجية أعلى. ويكمن جزء من الحل في استخدام طرق الريّ الحديثة، وتقليل مساحات المحاصيل الشرهة للمياه، وتطوير الريّ السطحي السائد في الوادي والدلتا، وإحلال الريّ بالتنقيط بدلاً من الريّ بالغمر. إذ إن تحويل الريّ في الحدائق إلى ريّ بالتنقيط قد يوفّر نحو 0.75 مليار متر مكعّب من المياه سنوياً، ولكن هذا الحلّ يبقى مؤقّتاً.
محاور الحلول المطروحة
تعتمد الحلول المطروحة في الوطن العربي على محورين، الأول هو تنمية مصادر مائية جديدة واستثمار مصادر مائية جوفية ممثلة في أحواض دول عدّة؛ أما الحل الثاني فيتمثل في ترشيد استخدامات المياه.
ولن تجدي الحلول التقليدية أمام زيادة الطلب على الماء، ومن ثم هناك حاجة لطرق سبل حديثة لحلّ مشكلة الندرة المائية. وعلى الرغم من الجدل القائم حول علمية الاستمطار الصناعي، إلا أنه يبقى حلاً محتاجاً إلى تطوير علمي. فمن طرق الاستمطار هذه، رشّ السحب الركامية المُحمّلة ببخار الماء الكثيف، بواسطة الطائرات، برذاذ الماء، والذي يؤدّي إلى زيادة تشبع الهواء، وتكثيف بخار الماء لإسقاط المطر. وكذلك قذف بلّورات من الثلج الجاف (ثاني أكسيد الكربون المتجمد) بواسطة الطائرات في منطقة فوق السحب، بما يؤدي إلى خفض درجة حرارة الهواء، وتكوّن بلورات من الجليد عند درجة حرارة منخفضة جداً، لتعمل على التحام قطرات الماء الموجودة في السحب وسقوطها كما في حالة المطر الطبيعي. ومن طرق الاستمطار أيضاً، رشّ مسحوق إيود الفضة بواسطة الطائرات، أو قذفه في تيارات هوائية صاعدة لمناطق وجود السحب، ويكون ذلك باستخدام أجهزة خاصة لنفث الهواء بقوة كافية إلى أعلى. إذ يُعدّ إيود الفضة من أجود نويات التكاثف الصلبة التي تعمل على تجميع جزيئات الماء، وإسقاطها أمطاراً غزيرة على الأرض.
يتوجب على الدول العربية التي تمتلك فائض ثروة أن تموّل مراكز بحثية وتعليمية حديثة بالتعاون مع دول الشمال الأفريقي لطرح مشروع عربي ينتج تكنولوجيا جديدة لتحلية المياه مع تطوير الاستمطار بشكل يتفق مع المعايير الاقتصادية والصحية. لا بدّ إذاً من العمل قبل أن يتحوّل الصراع على الماء إلى هدير لشلالات الدماء، علماً بأن تكلفة البحث العلمي هي عادة أقل من تكلفة حروب المياه.
********
(*) مؤسسة الفكر العربي – نشرة أفق
(*) صحافي من مصر
ماشاء الله
بارك الله فيكم وزادكم علما
وفادكم وافاد بكم
اللهم امين
شكرا يا استاذنا الفاضل علي هذه المقالة التي تدق ناقوس الخطر في عالم ينظر تحت قدميه ان نظر و أرجو أن تتوج ذلك في البحث الاكاديمي الذي أشرت اليه في لقاء سابق مع خالص دعائي لك بدوام التوفيق