كتاب يروي قصة نجاح اللبناني جوزيف عسّاف: خدم أوستراليا والمهاجرين ودافع عن التعددية والتنوّع في مجتمع أثني

بقلم: الصحافي أسعد الخوري

الشاب اللبناني جوزيف عسّاف الذي ترك قريته الجبلية (حردين) في شمال لبنان الى مدينة سيدني الأوسترالية عام 1967 عندما كان في الثانية والعشرين من عمره، هو اليوم joseph assafرجل أعمال ناجح. عرف هذا الرجل العصامي كيف يجمع الى ثقافة أكاديمية عالية، خبرة في العمل خاصة في مجال الإعلان والاتصالات. هو صاحب تجربة فريدة ومميزة في مجال “التعددية” في بلد متعدد الجنسيات والأعراق والحضارات والتقاليد، وقد كانت له نظرة واقعية وأحيانًا فلسفية الى طبيعة التنوّع والتعدّد في أوستراليا والعالم.

وتقديرًا لخدماته في المجتمع الأوسترالي، منحه رئيس الحكومة الأوسترالية طوني أبوت (Toni Abbott) مؤخرًا، جائزة حكومية مهمّة هي جائزة (إنجازات العمر –Life time Achievement Award).

وقد تحلّق حول جوزيف عسّاف في هذا التكريم الرسمي، الذي أقيم له داخل مجلس النواب الفيدرالي في العاصمة الأوسترالية (كانبيرا)، إضافة الى رئيس الحكومة الفيدرالية، زعيم المعارضة الفيدرالي بيل شورتن، وعدد من الوزراء والنواب وأعضاء من مجلس الشيوخ يمثلون كافة الأحزاب والقوى السياسية في البلاد، بالإضافة الى رئيس المحكمة العليا وعدد من سفراء الدول العربية والأجنبية المعتمدين في أوستراليا.

هذه الجائزة أعطيت للمرة الأولى، السنة الماضية، للشخصية الأوسترالية البارزة (السير جيمس غوبو) وهو حاكم ولاية فيكتوريا السابق. وقد تمّ اختيار عسّاف لهذا العام بسبب “خدماته الكبيرة للمهاجرين من كافة خلقياتهم الأثنية، ولدوره البارز في دعم وترسيخ التعددية الثقافية في المجتمع الأوسترالي”.

كتاب يروي قصة نجاح

يروي جوزيف عسّاف في كتابة (In Someone Else’s Shoes) أي “في حذاء شخص آخر” الصادر بالإنكليزية في أوستراليا “رحلة العمر” من مطار بيروت عام 1967 مرورًا بعمله المتواضع في مصنع، ودراسته الجامعية وصولاً الى نجاحه البارز في عالم الإعلان الأثني ودوره الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الفاعل في أوستراليا.joseph assaf 1

هاجر جوزيف الى أوستراليا “في حذاء شخص آخر” عنوان الكتاب الذي نشره وتحدث فيه عن تجربته. لقد كانت تعليمات دوائر الهجرة الأوسترالية صارمة وهي تقضي أن يلبس المغادر الى أوستراليا حذاء جديدًا عند صعوده الى الطائرة. حضر جوزيف من قريته “حردين” الى مطار بيروت ومعه حذاء جديد، وبعد أن لبسه ودخل الطائرة أعلنوا تأخير الرحلة. بعد يومين أتصل موظفو شركة الطيران بالمسافرين وأبلغوهم بالحضور، فحضر جوزيف الى المطار مرتديًا حذاءه الجديد “القديم”. طلبوا منه أن يلبس “حذاء جديدًا” لأن ما لبسه قبل يومين لم يعد صالحًا. لم يكن لديه حذاء جديد وكادت أن تفوته الرحلة لولا تدخل أحد موظفي الخطوط الذي “استعار” له حذاء جديدًا من أحد “زملائه” المسافرين في نفس الرحلة الى “بلاء الكنغورو”. ويقول عسّاف: “لم يكن بمقاس رجلي وبلون أحمر فاقع لم يعجبني، لكنني لبسته وشكرت صاحبه، وركبت الطائرة”.

في العالم 1972 وبعد سنوات من العمل في الليل والدراسة في النهار نجح جوزيف في الحصول على إجازة من جامعة سيدني في “النظريات الاجتماعية”، ثم نال شهادة دبلوم في الترجمة من جامعة “نيو ساوث ويلز”، وعمل في مجال الاتصالات الأثنية وشغل مواقع عديدة في القطاعين الحكومي والخاص في مجال الإعلان والترجمة والتواصل مع القادمين الجدد الى أوستراليا من خلفيات أثنية متعددة.

وأدت نظريات عسّاف الرائدة وخبرته الطويلة والناجحة في إدارة المجتمعات المتعددة ثقافيًا ولغويًا، الى تأسيس شركات تقدّم خدمات الى زبائن يحاولون الوصول الى مجموعات أثنية تشكل الإنكليزية لغتهم الثانية. وقد أسّس وكالة الاتصالات الأثنية (ETCOM) أول شركة متخصّصة في مجال الاتصالات متعددة الثقافات في أوستراليا والعالم. وهي وكالة متكاملة متخصصة في الاتصالات والإعلانات والعلاقات العامة، وهي تُعنى أيضًا بأبحاث السوق وترويج المبيعات وإدارة التخطيط في الأعمال، مثلما تُعنى بدور وسائل الإعلام الأثنية الرائجة في أوستراليا، من صحف وإذاعات بعشرات اللغات من مختلف أنحاء العالم.

جوائز الأعمال الأثنية

وقد أسس عسّاف “جوائز الأعمال الأثنية” (Ethnic Business Awards) المستمرة منذ أكثر من ربع قرن، وهي تُعد احدى أكثر جوائز الأعمال في أوستراليا إستمرارية، وقد جذبت مجموعة واسعة ومرموقة من الجهات الراعية والمرشحين. وتهدف الجائزة الى تقدير مساهمات المصالح التجارية الأثنية ودور أصحابها في تعزيز الاقتصاد الأوسترالي، حيث أن ثلاثين بالمئة من مجمل المصالح التجارية الأوسترالية يملكها ويديرها أشخاص وُلدوا خارج أوستراليا.Migration Council of Australia, Dinner and Awards night Great Hall . Parliament House Canberra 24 March 2014

في العام 2013 أعلنت رئيسة وزراء أوستراليا جوليا جيلارد تعيين جوزيف عسّاف في (مجموعة المجتمع المدني 20) كجزء من عملية مشاركة أوسترالية أوسع لاجتماع مجموعة الدول العشرين الاقتصادية التثي ستعقد في أوستراليا هذا العام (2014).

ويورد عسّاف في كتابه نماذج من التحديات والصعوبات التي واجهته منذ وصوله الى أوستراليا مهاجرًا لا يملك سوى “إرادة النجاح”. ويقول: حين وصلت الى أوستراليا لم أكن أملك من مقومات النجاح سوى العزيمة والصبر والإصرار. حتى اللغة الإنكليزية لم أكن اتحدثها، كنت أتقن الفرنسية ولغتي العربية فقط. كنت أعمل في النهار وأدرس في الليل ولا أنسى دعم صاحب المصنع الذي شملني بتشجيعه ورعايته لي، لقد تعلمتُ من تلك الأيام الصعبة، ومن أهم ما تعملته أن العلم والعمل الجاد هما الطريق الى النجاح والحياة الكريمة، وتعلّمت أن الرجال الطيبين “تجارة رابحة” كما يقول المثل.

التعددية “قوس قزح”

في كتابه (In Someone Else’s Shoes) يتحدث جوزيف عسّاف عن التحدّي في التنوّع (Diversity) وعن التعددية الثقافية عن طريق أخذ القارئ في رحلة مسلّية ومؤثرة، حيث يوفّر له رؤى فريدة ومعلومات وأفكار مرسومة منذ أكثر من أربعين عامًا من الخبرة حيث تنشّق هذا المهاجر المثقف أجواء التعددية الثقافية بكل صفائها وتلاوينها واختلافاتها في “الوطن الجديد” أوستراليا.

لذا يبدو كتاب عسّاف موجّهًا ليس فقط لقادة الرأي العام في السياسة والأعمال والاقتصاد والتعليم والاجتماع، ولكن أيضًا لأي فرد عادي في المجتمع ولأي انسان في العالم يعيش أجواء التعددية والتنوّع…

إن الدروس التي تعلّمها عسّاف ليست مخصصّة لفريق أو مجموعة أو جنسيّة محددة، إنما هو يوجهها الى الإنسان من أي بيئة جاء أو أنتمنى، “لنتعلم كيف نعيش مع بعضنا بالتفاعل الإيجابي وبفاعلية تفيد الجميع”. إنه يضع الأصبع على الجرح “لكي يسطع بريق الأمل لبناء عالم أفضل وأجمل وأحلى، حيث يفهم الناس بعضهم البعض”.
يرى عسّاف في كتابه أن تعدد الثقافات والحضارات الأثنية جعلت أوستراليا أشبه “بقوس قزح” رائع الجمال، يجمع كل هذه التقاليد والرؤى الإنسانية والحياتية، بما يضفي على “بلاد الكنغورو” جمالية التنوّع وتعددية الأنماط الحياتية من الثقافة الى الفنون وصولاً الى الطعام، بما يساهم في تعزيز الجمالية والإبداع في الفن والثقافة وميادين الحياة الأخرى.

في النهاية يقول جوزيف عسّاف، الأديب والشاعر، وهما صفتان لا يعرفهما الكثيرون عنه: “إذا أردت أن تنظر الى العالم من خلال عيون أشخاص آخرين، فما عليك إلا أن تعيش بينهم”. أو كما يقول حرفيًا في كتابه بالإنكليزية:
(If you want to see the world through someone else’s eyes, stand beside them)

كلام صور

1- غلاف الكتاب.

2- جوزف عسّاف: عصامي من لبنان.

3-  رئيس الحكومة الأوسترالية يمنح جوزيف عسّاف الجائزة.

اترك رد