” البطالة ” أزمة عربية – عالمية ” تطال ” دول الخـليــــــــج

بقلم: المحلل الاقتصادي عدنان كريمة

مع تداعيات الأزمات المالية والاقتصادية الأميركية والأوروبية المتتالية، وكذلك اندلاع ثورات “الربيع العربي” وانعكاساتها على مسيرة التطورات في منطقة الشرق، adnan karimaتتفاقم مشكلة البطالة في العالم حتى ليصبح القول معها إنها باتت “آفة العصر”. وفي الوقت الذي أعلن فيه مكتب الإحصاء الأوروبي (يوروستات) في بروكسل أن 26.23 مليون رجل وامرأة عاطلون عن العمل في دول الاتحاد، بينهم 19.7 مليون في دول منطقة اليورو، كانت إحصاءات منظمة العمل العربية تشير إلى ارتفاع نسبة البطالة من 14 إلى 17 في المائة، حيث تجاوز عدد العاطلين عن العمل في الوطن العربي العشرين مليوناً، وهو رقم خطير جداً، وخصوصاً أنه يشمل دول مجلس التعاون الخليجي الغنيّة بالنفط، والتي تشهد حركة استثمارات ضخمة، ولاسيما لجهة تمويل مشروعات مشتركة في المنطقة.


يشهد العالم تفاقم أزمة البطالة، في وقت تعاني فيه معظم دوله من ارتفاع حجم الديون العامة والخاصة على حدّ سواء. وإذا كان خفض أسعار الفائدة، من شأنه أن يسهم في معالجة هذه الأزمة، فقد أكّد الاحتياطي الفيدرالي الأميركي، وكذلك البنك المركزي الأوروبي، مروراً ببنوك مركزية كبرى في مختلف أنحاء العالم، على استمرار اعتماد أسعار فائدة قريبة من الصفر في المائة، لدفع كبار المودعين والمتموّلين للبحث عن توظيف أموالهم خارج الاقتصاد الريعي الذي يعتمد على الفائدة المصرفية فقط. وترافق ذلك مع دعوات لسحب الأموال من المصارف إلى استثمارات في الاقتصاد الإنتاجي، من أجل خلق فرص عمل بصورة متواصلة، وهذا ما حدث مؤخراً في الولايات المتّحدة الأميركية، التي تمكّنت من خفض نسبة البطالة إلى 6.6 في المائة، بعدما كانت قد وصلت إلى مستويات قياسية في ارتفاعها.

يبدو أن الدول الغنيّة ما زالت تعتمد السياسات التي رسمها المنتدى الاقتصادي العالمي في “دافوس”، والذي طالبها بالتركيز على تعزيز النموّ الاقتصادي وخفض نسبة البطالة، من دون الاهتمام أو التوقف كثيراً عند حجم الديون العامة أو العجز في الموازنة.

الربيع العربي

لقد انعكست ثورات ” الربيع العربي” بشكل سلبي على سوق العمل، ما أدّى إلى ارتفاع معدل البطالة في البلدان العربية من 14 إلى 17 في المائة، ووصول عدد العاطلين عن العمل إلى 20 مليوناً، وفق إحصاءات “منظمة العمل العربية”.

حصل ذلك على الرغم من ازدياد هجرة المواطنين من بلدان “الربيع العربي”، وخصوصاً من مصر وسوريا وتونس واليمن إلى بلدان مجلس التعاون الخليجي التي تشهد حركة استثمارات كبيرة في مشروعات صناعية وسياحية وعقارية ونفطية وزراعية، أسهمت في توفير نحو سبعة ملايين وظيفة خلال السنوات الأخيرة، وقد ذهبت ستة ملايين منها للوافدين، مقابل مليون وظيفة للمواطنين الخليجيين فقط. وتتوقع الخطط الاستثمارية الجديدة في دول الخليج استحداث نحو ستة ملايين وظيفة خلال السنوات الخمس المقبلة، على أن تكون حصة الخليجيين منها نحو الثلث، أي ما لا يقلّ عن مليوني وظيفة، وذلك على أساس استمرار الحكومات بالتشدد في توفير فرص عمل للخليجيين، وتحسين استراتيجيات العمل، وتطوير مخرجات التعليم وإعادة هيكلة الأجور.

وللتأكيد على أهمية مدخرات الوافدين العاملين في دول الخليج، أظهر تقرير للبنك الدولي أن دول مجلس التعاون الست تستحوذ على 17 في المائة من إجمالي التحويلات المالية لليد العاملة في العالم، ويبلغ متوسطها السنوي نحو 70 مليار دولار، وتتصدّر المملكة العربية السعودية القائمة، إذ يحوّل العاملون الأجانب فيها إلى بلدانهم نحو 27 مليار دولار سنوياً، تليها الإمارات بنحو 17 ملياراً، ثم الكويت 12 ملياراً، تليها عُمان وقطر بنحو 6 مليارات دولار لكلّ منهما، وأخيراً البحرين بملياري دولار.

البطالة في المنطقة العربية مشكلة مزمنة ومتراكمة تعود إلى أسباب عدّة، أهمها العوامل الديموغرافية التي تتسم بارتفاع معدّل النموّ السكاني (على الرغم من تراجعه تدريجياً) المقدّر بـ 2.4 في المائة سنوياً، وهو ما يفسّر في جانب آخر، ارتفاع معدل الإعالة للشريحة العمرية دون 15 سنة، والتي تمثّل 33.8 في المائة، كما تتسم أيضاً بتواصل نموّ القوى العاملة بمعدل 3.1 في المائة سنوياً بحكم التزايد السكاني المرتفع في الأعوام الماضية، وهو ما يزيد من الضغوط على سوق العمل. إلى جانب التطوّر المتنامي لمعدل نشاط المرأة المقدر في المتوسّط العام بـ 20 في المائة بحكم توسّع التعليم والارتقاء بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للمرأة، إلا أن حصّة المرأة في سوق العمل ظلّت متواضعة حيث تقدّر بـ 32 في المائة في المتوسط العام (مقابل معدّل عالمي بـ 40.3 في المائة).

في الوقت نفسه، لم تساعد العوامل الاقتصادية على تنمية التشغيل والحدّ من البطالة، نظراً لتواضع معدل الاستثمار الإجمالي، حيث لا يتجاوز 23.5 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وفق تقرير صندوق النقد العربي للعام 2012 (مقابل 38 في المائة في دول شرق آسيا)، واستقرار معدل الاستثمار الخاص في حدود 14 في المائة نسبةً إلى الناتج المحلّي الإجمالي (مقابل 29 في المائة في دول شرق آسيا مثلاً).

من ضمن العوامل الاقتصادية غير المساعدة على النهوض بالتشغيل، تقلبات معدل النموّ الاقتصادي، الذي لم يتجاوز في المعدل العام 5 في المائة منذ سنة 2000 ، حيث تراجع هذا المعدّل في 2012 إلى 2.4 في المائة، وهذه النسب غير قادرة على توليد فرص العمل المطلوبة المقدّرة بـ 5 ملايين سنوياً لاستيعاب الداخلين الجدد إلى سوق العمل، وامتصاص مخزون البطالة. وممّا يلاحظ أيضاً على المستوى الاقتصادي في علاقته بالتشغيل، محدودية قدرة جلّ الاقتصادات العربية على توفير فرص عمل تتناسب مع التطوّر النوعي لتركيبة قوّة العمل بحكم ارتفاع معدل الالتحــاق بالتعــليم العالي المقـــــدر بــــ 25.8 في المائة، وهي نسبة أعلى من المتوسط في المناطق النامية.

بطالة خليجية

حذّر صندوق النقد الدولي حكومات دول مجلس التعاون الخليجي من ارتفاع البطالة بين مواطنيها، متوقعاً أن يزداد عدد العاطلين عن العمل بين مليونين إلى ثلاثة ملايين شخص في السنوات الخمس المقبلة، في حال لم تتخذ إجراءات تصحيحية في أسواق العمل. وبيّن تقرير الصندوق أن السبب في تردّد القطاع الخاص في توظيف الخليجيين يعود إلى تدني أجور الأجانب ورواتبهم، إضافة إلى تدنّي مستوى إنتاجية العامل الوطني مقارنةً بالعامل الأجنبي، وارتفاع معدلات دوران العمل بين المواطنين.

وبما أن القطاع الخاص يفتقر إلى الحوافز الكافية لتشغيل الأيدي العاملة الوطنية، فإن المواطنين يفضلون العمل في القطاع العام، حيث تدفع الدوائر الحكومية أجوراً ورواتب مرتفعة، تكون ضعف مستويات ما تدفعه المؤسسات والشركات الخاصة أحياناً، وتشكل هذه المشكلة التحدي الكبير الذي تواجهه دول مجلس التعاون، وخصوصاً أنها تحمل مخاطر ديموغرافية لجهة طغيان عدد الوافدين على عدد المواطنين. ووفق تقرير أعده “كريديت سويز”، تجاوزت نسبة الوافدين 53 في المائة، أي اكثر من نصف سكان الخليج، وتأتي قطر في مقدمة دول مجلس التعاون من حيث نسبة الأجانب إلى المواطنين؛ إذ بلغت 86 في المائة، تليها الإمارات 70 في المائة، ثم الكويت 68.8 في المائة، والبحرين 39.1 في المائة، وعمان 28.4 في المائة، وأخيراً السعودية 27.8 في المائة.

وعلى الرغم من هذا الرقم المنخفض، إلا أنه يعادل أكثر من تسعة ملايين أجنبي يعملون في المملكة، مع العلم أن القطاع الخاص السعودي قد نما بنحو 700 مليار ريال (حوالى 190 مليار دولار) في العام 2011، وفق معلومات وزير المالية إبراهيم بن عبد العزيز العساف، أي نحو 58 في المائة من إجمالي الناتج المحلّي، موضحاً بأن ذلك أدّى إلى ارتفاع عدد العاملين في شركات القطاع الخاص في العام 2012 بما يزيد على250 ألف عامل سعودي، وبنسبة تتجاوز 34 في المائة مقارنةً بعددهم في العام2011، ليتجاوز إجمالي العمالة الوطنية في المؤسسات الخاصة المليون عامل، الأمر الذي يتطلّب تسريع وتيرة تنفيذ الإصلاحات الهيكلية الهادفة إلى تحسين بنية العمالة.

استناداً إلى رؤية البنك الدولي التي أكدت عدم قدرة القطاع الحكومي في الاستمرار كموظف رئيس للأيدي العاملة، والمسؤول عن تنفيذ كل الخطط التنموية والمشروعات الإنمائية بهذه الدول، فإن التحدّي الكبير خلال الفترة المقبلة يكمن في قدرة القطاع الحكومي على تمكين القطاع الخاص ودعمه ليكون قادراً على مجابهة التحديات وتوفير فرص العمل المطلوبة، والمقدرة بنحو 40 مليون فرصة عمل خلال السنوات العشر القادمة.

في هذا السياق، أكّد الأمين العام لمنظمة الخليج للاستثمارات الصناعية (جويك) عبد العزيز بن حمد العقيل، تدنّي حجم هذه الاستثمارات أسوة بالدول المتقدمة، وخصوصاً أن المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في دول مجلس التعاون تستوعب نحو 46.1 في المائة من اليد العاملة في إجمالي المشروعات الصناعية، ولاسيما أن مثل هذه المؤسسات تلعب دوراً مهمّاً في التنمية الاقتصادية والاجتماعية في دول العالم، إذ تعمل على توسيع القاعدة وتنشيط الحركة التجارية وتوفير فرص العمل للمواطنين. وقد أدرك معظم حكومات العالم أهميتها، خصوصاً بعد الأزمة المالية العالمية في العام 2008، والتي لفتت اهتمام كثير من الدول النامية إلى الدور الفاعل الذي تلعبه في زيادة الإنتاج، ومعدلات النمو الاقتصادي، وتوفير فرص العمل ودعم الناتج المحلّي الإجمالي.

*****

(*) مؤسسة الفكر العربي – نشرة أفق

اترك رد