القمة العربية في مرآة الفوضى الكيانية

بقلم: الباحث خالد غزال

لعقود خلت، ومنذ انعقاد القمة العربية الأولى عام 1964، كانت القمم العربية تشكل مناسبة لإعادة لحمة التضامن العربي ومكاناً لحل الخلافات، في وقت كانت فيه القضية khaled-ghazalالمركزية المتمثلة بالصراع العربي – الاسرائيلي تهيمن على المسائل المطروحة. في السنوات الأخيرة، لم يعد هذا الهم يحتل أولوية في ظل توسع الخلافات العربية، وخصوصاً انفجار المعضلات الداخلية في كل بلد عربي. تشكل القمة العربية التي انعقدت مؤخراً أبرز مثال على المسار الانحداري الذي وصلت اليه هذه القمم، وعجزها بالتالي عن ملامسة المخاطر الزاحفة على دولها.

عكست القمة العربية الأخيرة حجم الموقع التراجعي للعالم العربي، فقد التقى زعماؤه على واقع انفجار البنى المجتمعية في اكثر من قطر عربي، وتحول اراضي هذه الاقطار ساحة صراع ومنازعات أهلية مسلحة. هيمنت على القمة الانقسامات العربية – العربية، وهو انقسام يعكس في الوقت نفسه الضعف الداخلي لهذه الدول، فعجزت عن استعادة الحد الأدنى من التضامن العربي. هكذا كرست القمة الانقسام والفجوة الواسعة بين معظم الدول العربية.

كان لافتاً ان القمة العربية تعقد في ظروف عربية صعبة حيث انفجرت منذ اعوام بُنى عدد من المجتمعات العربية تحت وطأة الانتفاضات التي اندلعت في اكثر من قطر عربي، وتفككت بنى الدولة فيها لمصلحة العصبيات الموروثة، التي عبرت عن صعودها بنزاعات طائفية وعشائرية وقبلية وإثنية، وهي نزاعات كان مستحيلاً ان تبقى في اطار سلمي، في ظل رفض القوى المسيطرة المعالجة السياسية لهذه الصراعات. لم تتعاط القمة مع المعضلات المتفجرة الا من زاوية النتائج الناجمة عنها، فكان حديث عن الإرهاب وعن التطرف الأصولي، لكن ساد عجز وقصور عن تعيين الأسباب التي جعلت المارد الأصولي يخرج من قمقمه، وما دور السياسات العربية والأنظمة التي حكمت هذه المجتمعات عقوداً، ومارست سياسات قمعية وإفقارية حقنت المجتمعات وشعوبها، وأوصلت هذا الإحتقان الى الإنفجار وتحوله فوضى كيانية، تضرب اقطاراً اليوم، ولن توفر أقطاراً أخرى في الزمن غير البعيد. هكذا، لم تستطع القمة ان تحدد وسائل تمكنها من التصدي لهذا الإرهاب ولتنظيماته الأصولية المتطرفة، لعجزها عن تعيين اسبابه الحقيقية.

عكس التعاطي مع الازمة السورية المتفجرة أحد عناوين الاضطراب والارتباك، بل وقمة العجز، عن مواجهة ما يعاني منه هذا البلد على صعيد تدمير البشر والحجر في أرضه، في ظل سياسة واضحة للنظام في هدم سورية على من فيها للبقاء في السلطة. بدا الارتباك في مظاهر ثلاثة، الأول يتصل بالتراجع عن تمثيل قوى المعارضة في القمة، عبر رفض إعطاء موقع سورية للائتلاف الوطني السوري، بعدما كان جرى الاعتراف به الممثل الشرعي للشعب السوري. والثاني، التردد بل ورفض الدعم العسكري لقوى المعارضة بما يتيح لها تعديلاً في ميزان القوى أمام النظام والميليشيات الخارجية الداعمة له، بما يوحي بعدم الرغبة في إنهاء هذا الصراع، بل وإبقائه مفتوحا الى ما لانهاية. اما الثالث، فهو التقصير الواضح في المساعدة الإنسانية لشعب بات نصف عدد سكانه بين مهجر الى الخارج ونازح في مناطق داخلية، يعاني الجوع والعذاب ومختلف اشكال القهر، في هذا المجال كانت المعالجة هزيلة ولا تتناسب مع حجم المأساة الإنسانية، التي بات مجمعاً على انها أضخم المآسي التي عرفها العالم منذ عقود.

أمام الفوضى الكيانية الضاربة عميقا جذورها، والمتمددة لهبا الى سائر الكيانات، تحولت المنطقة العربية، وخصوصاً البلدان التي تشهد انتفاضات، الى ساحة تلاعب دولي، وسياسات لا وظيفة لها سوى تعميق الفوضى. يشكل المثال السوري نموذجاً فاقعاً في التعاطي، فالولايات المتحدة الاميركية، ومعها المجتمع الغربي، تتصرف على قاعدة ان العالم العربي بالمشكلات المندلعة فيه، يحوي شعوباً لا تستحق ان يموت جندي غربي دفاعاً عنها، فهذه شعوب من البرابرة، لا تتقن سوى الإرهاب بين أبنائها وفي العلاقة مع الخارج. لذا كرست هذه الدول سياسة تقوم على استمرار حرب استنزاف تشمل التنظيمات الأصولية التي تقتل بعضها بعضا في جانب من نشاطها، كما تشكل استنزافاً لإيران و «حزب الله» والعراق وروسيا في الوقت نفسه، مما يجعل الحرب السورية مكاسب صافية للمعسكر الغربي من جهة ولاسرائيل من جهة ثانية التي يسودها البهجة من تدمير الكيان السوري وجيشه، ومن غرق «حزب الله» في وحول الحرب الأهلية السورية وازدياد الاحتقان المذهبي ضده في مجمل العالم العربي. اما عن المأساة الانسانية وحقوق الإنسان، فهذه منظومة تتصل بالشعوب الغربية ولا تنطبق على بلدان العالم المتخلف من أمثال مجتمعاتنا العربية.

من المؤسف ان لا تعي الأنظمة العربية مخاطر الفوضى الكيانية الزاحفة على المنطقة، ولعل ما ظهر منها قد لا يشكل سوى «رأس جبل الجليد»، والاسوأ ان القوى التي قد تعوق هذا المسار تكاد تكون متـلاشية، بما يشي ان ممراً إجبارياً من الخراب ستدفعه الدول العربية وشعوبها. فلا ينفجر قـطر عربي من دون ان تمتد نيرانه الى الأقطار المجاورة.

اترك رد