بقلم: د. عبدالله بوحبيب
زار الرئيس الأميركي باراك أوباما السعودية الأسبوع الماضي في جو من التشاؤم حول مستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة أن انضمام شبه جزيرة القرم إلى روسيا أوجد عند أصدقاء واشنطن وحلفائها حول العالم، وبالأخص المملكة العربية السعودية، خوفاً من أن الولايات المتحدة قد لا تفي بالتزاماتها عند الحاجة.
تقف المملكة وحيدة تواجه دولاً إسلامية غير عربية طامحة إلى الهيمنة على الوضع العربي ابتداءً من تركيا التي تحالفت مع الإخوان المسلمين المنافسين للوهابية، وإيران التي استغلت في نظر السعوديين التعددية العربية الإسلامية لتشعل الخلاف السني ـ الشيعي وتفرض هيمنتها على العالم العربي. لكن، فيما تبقى المحاولة التركية سياسية من دون امتداد عسكري حتى الآن، ترى الرياض إيران تستعمل الحرس الثوري لمحاصرتها بدءاً من العراق إلى سوريا ولبنان إلى عقر دارها في اليمن والبحرين وصولاً إلى المنطقة الشرقية (الشيعية) داخل المملكة.
ليس الموقف السعودي من إيران جديداً بالطبع، وكان بدأ الخلاف مع إيران في عهد الشاه واستمر بزخم بعد نجاح الثورة الإسلامية العام 1979. كانت للعرب يومذاك دول أخرى قوية مثل مصر والعراق وسوريا حتى تناهض تدخل دول الجوار في الشؤون العربية. أقنع الرئيس السوري حافظ الأسد حينذاك السعوديين بأن صداقته مع إيران الإسلامية تعمل على ردع طموحها عربياً، فلم يزعج السعودية في تسعينيات القرن الماضي بقاء الجناح العسكري لـ«حزب الله» في حماية سورية إلى ما بعد انسحاب إسرائيل من معظم الأراضي اللبنانية في أيار 2000.
اليوم غير الأمس. العراق متحالف مع إيران، ومصر في فترة انتقالية تحاول فيها تقليل الخصومات الإقليمية، وسوريا أرض معركة تخوض المملكة فيها حرباً ضارية ضد النظام، واليمن يشهد تجاذباً عسكرياً وسياسياً وعشائرياً في كل الاتجاهات. وحتى في الخليج لم يغيّر تداول السلطة ومجيء أمير جديد خصومة قطر للسعودية، بينما تقف عُمان بعيدة عن تجاذبات الخليج في حوضيه.
لهذه الأسباب والظروف، تبقى واشنطن الحليف الرئيسي للمملكة برغم اختلاف البلدين في معالجة مشاكل المنطقة العالقة. فالولايات المتحدة تبقى، برغم الإشارات المتعددة لأمراء سعوديين بالتفتيش عن حليف جديد، الحليف الوحيد للسعودية الذي في إمكانه تحريك الجيوش والأساطيل بسرعة فائقة ما إن يتهدّد أمنها وسلامتها.
كان للتحالف الأساسي بين واشنطن والرياض هدفان: أولهما المحافظة على سلامة السعودية والخليج وأمنهما واستقرارهما، وثانيهما استمرار تدفق بترول الخليج على الأسواق العالمية. غير أن ما دعي «الربيع» العربي خلط الأوراق. اختلف الحليفان على «ربيع» تونس ومصر والبحرين، وتفاهما على «ربيع» سوريا لكن بالتزامات وتحالفات متباينة، كما اتفقا على احتواء «ربيع» اليمن.
ثم أتى انتخاب الرئيس حسن روحاني في إيران وبدء مفاوضات باتت حتى اليوم ناجحة حول الملف النووي لإيران، من دون التطرق إلى طموحات النظام الإيراني في العالم العربي، ما أقلق السعودية وأخافها واستأثر بقسم كبير من موازنتها واحتياطها.
من هنا قد تكون القمة الأميركية ـ السعودية أحد أهم الاجتماعات بين قيادتي البلدين منذ زمن بعيد. وعلى رغم شبه الاكتفاء الأميركي الذاتي من الطاقة، تبقى المملكة مهمة لاستقرار أسعار البترول دولياً، لذلك تستمر الأهمية الإستراتيجية للوجود الأميركي الكثيف في دول الخليج العربية.
لكن للرئيس الأميركي باراك أوباما حساباته الشخصية والداخلية: فهو من جهة يؤمن بحق الشعوب في تقرير مصيرها، وبأنظمة ديموقراطية تسود العالم بأجمعه، وهو من ناحية أخرى يتفق مع معظم الشعب الأميركي على أن وظيفة بلدهم ليست أن تكون شرطي العالم، وأن تحريك الجيوش والأساطيل لا يتم إلا إذا تهدّدت المصلحة الأميركية خاصة ومصالح الحلفاء عموماً. يتعارض مفهوم أوباما هذا مع مفهوم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن الذي استعمل القوة والموارد الأميركية لشن حروب وقائية وتغيير أنظمة في دول غير صديقة لتحقيق المصالح الأميركية.
من هنا لا بد من أن الرئيس أوباما طمأن العاهل السعودي إلى أن واشنطن تتحرّك حتماً متى تهدّد أمن السعودية واستقرارها، لكنها لن تكون ذراعاً عسكرياً للمملكة لتحقيق أهدافها الإقليمية، ومن بينها محاربة الإخوان المسلمين وتغيير النظام في سوريا بقوة السلاح الأميركي (برغم أن تغيير النظام يظل هدفاً لواشنطن)، ومحاربة النفوذ الإيراني الذي يعتبره البعض في واشنطن وأوروبا نتيجة غياب المواطنة الحقيقية والديموقراطية الصحيحة ومراعاة الشرعة الدولية لحقوق الإنسان في معظم الدول العربية، مع معرفتهم الواضحة بأن إيران لا تحترم هذه المبادئ والقناعات الدولية.
*********
(*) السفير، الخميس 3 يسان 2014