في إطار الندوة الدولية حول “التراث العمراني العثماني في بلاد الشام،” التي انعقدت في عمان بالتعاون بين جامعة العلوم الإسلامية العالمية بعمان/ الأردن ومركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية باستانبول / تركيا، قدم البروفسور الدكتور مزاحم علاوي الشاهري (جامعة الموصل – كلية التربية، العراق – محافظة نينوى )، بحثاً تناول فيه أهم المدارس العثمانية في حلب التي ورد ذكرها في سير العلماء الحلبيين، و الكتب المهتمة بالعمران العثماني في حلب.
كذلك تناول البحث أثر المدارس العثمانية في حلب في الحياة العلمية، ودور علماء حلب في تلك المدارس وعلاقاتهم العلمية والوظيفية مع العاصمة العثمانية، ويشتمل البحث على خاتمة وملاحق لنماذج من تصاميم المدارس العثمانية في حلب. من أبرز المدارس التي تناولها دكتور مزاحم:
– المدرسة الرضائية المشهورة بالمدرسة العثمانية التي بناها عثمان باشا عبدالرحمن باشا الدروكي (ت 1160هـ-1747م) على النمط التركي الجميل المتقن الريازة. أما عن مميزات عمارتها فقد ذكرت لمياء الجاسر “أنها من حيث التصميم استعمل في تخطيطها نظام المجتمعات، وقد ضمت الجامع والمدرسة والمكتب والسبيل والمطبخ، ألا ان اغلبها ابنية مستقلة وبمداخل مستقلة. أما بالنسبة للزخرفة فتنحصر في المقرنصات كما في أعمدة الاروقة والسدة والمنبر والمئذنة…
– المدرسة الخسروية: بناها والي حلب خسرو باشا بن سنان باشا بتولي مولاه فروخ ابن عبد المنان الرومي سنة 952هـ-1545م في عهد السلطان سليمان الاول القانوني، كان محل بنائها في محلة تعرف بمحلة البهائي، حوت أوقافاً ومدارس ومساجد، ومن ذلك دار المحب أبو الفضل بن الشحنة الذي عمرها، والمدرسة الأسدية الملاصقة لها.
اصابها الزلزال سنة 1237هـ-1821م فذهب معظم أوقافها، واختل امر التدريس فيها، وأهمل جامعها وصار مأوى للغرباء وغيرهم، ثم جدد القبلية والي حلب جميل باشا سنة 1302هـ، كما جددت المدرسة سنة 1330هـ بجهود الاستاذ الشيخ رضا الزعيم الدمشقي…
– المدرسة الاحمدية: ترجع إلى العصر العثماني في القرن السابع عشر للميلاد يقول فيها الغزي:” هذه المدرسة في زقاق بني الجلبي ويعرف قديماً بدرب السبيعي نسبة إلى الحسين بن احمد بن صالح الحافظ الهمذاني السبيعي الحلبي من أولاد اسحق السبيعي (-371).. اما واقف المدرسة فهو أحمد افندي بن طه افندي بن مصطفى أفندي (1177ه-1763م) فقد بنى مدفناً في هذه المحلة تجاه البهرامية الشرقي لوالده ودفن فيه ثم بنى عمارة ملاصقة للمدفن مشتملة على سماوي فيه تربة وقبور مرخمة وبجوانبها الأربعة رواقات باعمدة من الرخام وفي الجانب الجنوبي رواق بثلاث قباب راكبات على قناطر وعواميد من الرخام يدخل منه الى المسجد والمدرسة وفي صدرهما محراب من الرخام الاصفر ومن المسجد يدخل الى غرفة كبيرة معدة للكتب وبهذا الرواق تسع حجر للطلاب ومطبخ…
حول أثر المدارس العثمانية في حلب في الحياة العلمية، يقول الباحث إن أهالي حلب حرصوا على اتباع اساليب التعليم المعمول بها في المجتمعات الإسلامية والتي تبدأ أول الأمر في تعليم الأطفال في سن مبكرة، وفي اماكن خاصة تدعى بالكتاتيب، والتي تقام عادة بالقرب من المساجد أو المساجد نفسها، أو منازل المعلمين أنفسهم ، وينصب تعليمهم على قراءة القرآن الكريم وتعلم تلاوته ثم تعلم بعض العلوم الدينية وعلوم العربية …
يتابع أن التعليم في المدارس العثمانية بدأ مع تأسيس الدولة نفسها وهو نفس النظام الذي كان مطبقاً في العهد السلجوقي ثم طرأ عليه تطورات فكان أول تغيير في عهد السلطان بايزيد ثم شهد تطوراً في عهد السلطان محمد الفاتح، وبقي ذلك النظام مستمراً حتى افتتاح المدرسة السليمانية في عهد السلطان سليمان القانوني…
حول المواد التعليمية في تلك المدارس يوضح الباحث أنها اقتصرت على العلوم الدينية ، مع بعض التغييرات، إذا كانت تلك المدارس تدرس طلابها ما يسمى بالجزئيات، كالحكمة والحساب وعلم الهيئة ( الفلك ) والطب والهندسة ويعني هذا أن المدارس تسمح لطلبتها بدراسة العلوم المادية بعد استكمال دراسة العلوم النقلية، وكان يطلق على المدرسين الذين يلقون تلك العلوم وخاصة في مدارس الفاتح بذوي الجناحين .
يشير الباحث إلى أن القرون التي خضعت فيها حلب للدولة العثمانية تؤكد ان أبناء حلب، قد أسهموا بصورة جلية في الحياة العلمية، فلم يقتصر عطاؤهم على ابناء مدينتهم، فحسب، بل اختيروا لوظائف علمية ودينية في أرجاء الدولة العثمانية، ومنها العاصمة نفسها،ومنهم مفتي الحنفية العلامة احمد الكواكبي الحلبي، الفقيه العالم مفتي حلب محمد الاسبيري، الشيخ حسن بن علي الشهير بالحنبلي الشافعي المعروف بالطباخ…
يختم د. مزاحم بحه بجملة نتائج في مقدمتها:
1- تميز المدارس العثمانية في حلب بخصائص كاملة من حيث توفرها على قاعات للتعليم وحجرات للطلاب والمعلمين واحتوائها على جامع لإقامة الصلاة واستمرار اغلبها من خلال مبدأ الوقف الاسلامي الذي شكل دعامة قوية لاستمرارها .
2- خلص البحث الى تشابه المدارس العثمانية في حلب مع خصائص المؤسسات العثمانية المماثلة في العاصمة العثمانية .
3- بيان مكانة العلماء الحلبيين في الحياة العلمية والدينية في زمن العثمانيين
4- استمرار نظام التعليم الاسلامي في حلب وقدرة علمائه على التواصل مع نظام التعليم في العهد العثماني .
مزيدا من هذه البحوث الرصينة التي تكشف للقارئ عبر نافذتكم تالق حضارتنا وانجازات الامة بوركتم