جلال خوري في “خدني بحلمك مستر فرويد”… لا للرأسمالية والتزمت والعنف

بقلم: كلود أبو شقرا

“التاريخ مطيّة فيك تأولو إلي بدك ياه” هذا القول للمؤلف والمخرج المسرحي جلال خوري يتجلى بوضوح في مسرحيته الجديدة “خدني بحلمك مستر فرويد” (تعرض على jalal-2خشبة مسرح مونو-الأشرفية)، المتمحورة حول الرأسمالية والتزمت، منطلقاً من كتاب فرويد “موسى الرجل والتوحيد” الذي تطرق فيه إلى ظاهرة الفرعون “أخناتون” (1370- 1337 ق.م.) فاعتبره أول من اختصر الآلهة بواحد، وأقصى كل من يعبد غير إلهه “آتون” بعدما تمثّل به صراحة: “أنا هو”.

لأن المسرح معني بوقع الأوضاع المصيرية في الأذهان: للدلالة والمتعة والمعرفة، كانت مسرحية “خدني بحلمك مستر فرويد” استحضارية هزلية لممثلَين اثنين ومخرج ومشاهد يتحول شيئاً فشيئاً إلى جزء من اللعبة المسرحية.

في حوار بين ممثلة (مي سحاب) ومخرج (فادي متري) ينبض بالتناقضات التي تتحكّم بالتصرفات والعلاقات، يستعرض جلال خوري هذا اللهاث الشرس للإنسانية لتدمير ذاتها بحجة أنها ترضخ لمفاهيم أو تسيرها مصالح معينة قد تسخّر في سبيلها الحروب والإرهاب، وتتدافع نحو إقصاء الآخر وتدمير البيئة واعتناق مبادئ واهية نابعة من زيف الحياة اليومية والسياسية والفنية والاجتماعية… ويخلص في نهاية المسرحية إلى أن الخلاف مع الآخر هو خلاف مع الذات والتصالح مع الآخر هو تصالح مع الذات…

تندرج هذه المسرحية ضمن الخط الذي انتهجه جلال خوري منذ 2006، وهو ما يعرف بالمسرح النخبوي، إيماناً منه بأنه في عصر انحطاط المجتمع، على المسرح أن يكون نخبوياً.jalal khoury

على خشبة مسرح لا ديكور فيه سوى مكتب وكرسيين، وفي زاوية منه ستار أسود يجلس وراءه الفنان سامي حواط وفرقته الموسيقية، يعزف ويغني باعتباره جزءاً من المشهد المسرحي، تتم عملية تعرية الذات سواء للمخرج أو الممثلة… ربطت بينهما علاقة منذ عشرين سنة، إلا أن قناعات معينة تحكمت فيها وأوصلتها إلى الفشل. واليوم يلتقيان وسط ظروف اجتماعية واقتصادية لم تتغير، وواقع ينوء تحت لعبة شدّ حبال بين العقائد والاستبداد والتطرف والتشويه…

لا تحتاج المسرحية إلى ديكورات ضخمة وإضاءة استثنائية… فالحوار بحد ذاته هو البطل يجذب الانتباه ولا يعوزه تفاصيل إضافية، وحده مجسم لأخناتون (صنع جوني خوري) يتصدر المسرح باعتباره أول من نادى بمنطق الأنا.

النص الذي كتبه جلال خوري على مدى سنتين، مكثف ومثقل بوجع وصرخة في وجه من يعبث بالمصير، في وجه العنف على المستويات كافة أسرية واجتماعية، والتكفير والإرهاب… من دون أن يخلو بالطبع من مواقف ضاحكة، قد تجعل المشاهد يسخر من هذا الواقع الذي يسيّره التزمت من كل نوع: ديني واجتماعي واقتصادي، ومفارقات قد تجعل منها الرأسمالية ألعاباً عبثية يكون الناس فيها لاعبين أساسيين مجبرين لا مخيرين…jalal-4

رائد المسرح السياسي

المؤلف والمخرج جلال خوري، أول من أطلق المسرح السياسي في لبنان، وأول مسرحي لبناني ترجمت مسرحياته وعرضت على مسارح العالم، تنوع مسرحه بين النمط الغربي ومسرح الشرق الأقصى والمسرح الواقعي، تميزت مسرحياته بأنها تحمل همّ الإنسان المقهور تحت نير الأنظمة الاستبدادية من بينها: “ويزمانو، بن غوري وشركاه” (1968)، “جحا في القرى الأمامية” (1971)، “الرفيق سجعان” (1974)، “كذاب… أو محاورات شاهين وطنسا” (1982)، “فخامة الرئيس” (1988)، “يا ظريف أنا كيف” (1992)، “رزق الله يا بيروت”… (1994)، “هنديّة، راهبة العشق” (1999)، “الطريق إلى قــانــا” (2006)، “رحلة مُحتار إلى شرْي نَغار” (2010).

حتى في اقتباساته من مسرحيات غربية، لم يخرج عن هذا النمط، أبرز مسرحياته في هذا المجال: قبضاي (1972) عن Play boy of the Western World لجون ميلينغتن سينج، نهوند بند وبند (1993) عن La puce à l’oreille لجورج فيدو.

بدايات جلال خوري في التمثيل كانت سنة 1962 في المركز الجامعي للدراسات المسرحيّة (C.U.E.D.) عبر مسرحية “بانتظار غودو” لصمويل بيكيت بالفرنسية. أما بداياته الإخراجية فكانت سنة 1964 في مسرحية “رؤى سيمون ماشار” بالفرنسيّة، وسنة 1964 في مسرحية “صعود أرتورو أوي” بالعربيّة.jalal-3

شغل جلال خوري منصب أستاذ في معهد الدراسات المسرحية، السمعية المرئية والسينمائية (Iesav) في جامعة القديس يوسف في بيروت، رَئيسَ اللجنة الدائمة للعالم الثالث في مؤسسة المسرح التابعة لليونسكو (I.T.I.) من 1973 إلى 1977، حائز وسام Chevalier des Arts et des Lettres برتبة فارس من الحكومة الفرنسية (2005).

كلام الصور

1 – -مشهد من المسرحية

2- المخرج المسرحي جلال خوري

3 – 4 من المسرحية

اترك رد