“ليس بعيدًا عن رأس الرجل- عزيزة ويونس”، هذا هو عنوان الرواية التي أصدرها الشاعر سمير درويش منذ أيام عن دار بتَّانة للنشر بالقاهرة، تقع في (335) صفحة من القطع “جاير”، وقام بتصميم غلافها الفنان حسين جبيل.
تدور أحداث الرواية بين ثلاثة أماكن رئيسية: الأول هو قلب القاهرة حيث ميدان التحرير بزحامه وشوارعه المتفرعة ومعالمه المميزة، والثاني قرية نائية لم يحدد الروائي مكانها، وإن قال إنها تقع على أطراف الشريط الأخضر الذي يحيط بمجرى نهر النيل من جهة الشرق، ومتاخمة للصحراء الشرقية التي تمتد حتى البحر الأحمر، والثالث هو ولاية نيويورك بالولايات المتحدة الأمريكية: مدينتا أستوريا ومانهاتن بالتحديد.
وعلى الرغم من أن الرواية لم تفصح صراحة عن زمنها الروائي، فإن القارئ يستطيع استنتاج أنها تدور من منتصف ستينيات القرن العشرين، وحتى الثاني من فبراير عام 2011.
ترصد الرواية التغيرات التي حدثت على المجتمع المصري في هذه الفترة الزمنية، وانعكاساتها على الشخصيات، والعلاقات بين الناس، كما تتلمس مشاعر الفقد، سواء الفقد النهائي الإجباري بالموت، أو الفقد الاختياري الذي ينتج عن تبدل مصائر الشخصيات واختياراتهم.. لكنه يظل -الفقد- هو الثيمة الرئيسية البارزة، التي تتسبب في تحييد المشاعر، والانعزال، والكثير من الكآبة، واعتزال التفاعل والعمل العام.
معظم الشخصيات الرئيسية في الرواية لا تتقابل، ولا يعرف بعضهم بعضًا، وإنما يربط غالبيتهم علاقتهم بالشخصية المركزية “يونس”، الفنان التشكيلي الذي نشأ فقيرًا في قرية نائية، وحصل على درجة الدكتوراة عن المثال محمود مختار من جامعة نيويورك، وعاش في هذه المدينة العملاقة قسمًا من حياته، قبل أن يقرر العودة إلى مصر وملاقاة مصيره المحتوم.
تنقسم الرواية إلى خطين سرديين: الأول حديث يتعقب حياة يونس منذ دخل الجامعة وعاش بين القاهرة ونيويورك، وتعرف على فتيات وسيدات بحثًا عن معنى مفقود بداخله.. والثاني يرصد ذكرياته في قريته وهو طفل حتى الثانوية العامة، وهذا الجزء مهم في إضاءة مشاعره وأحاسيسه التي تحكم تصرفاته واختياراته عندما كبر.
عنوان الرواية يعكس هذين الخطين السرديين: القسم الأول منه “ليس بعيدًا عن رأس الرجل” فلسفي، يناسب شخصية أستاذ جامعي في الفن التشكيلي حصل على شهادته من أمريكا، والقسم الثاني “عزيزة ويونس” يشير إلى علاقة عاطفية طفولية بين البطل وجارته في القرية، بكل ما فيها من حمولات شعبية، تشير إليها اسميهما، اللذان أخذا من أبطال السيرة الهلالية.
اللغة في الرواية سلسلة، شعرية غالبًا بحكم أن الكاتب شاعر في الأساس، ووصفية محايدة وظيفية أحيانًا، خاصة حين يريد (الشاعر) التأكيد على أنه يكتب لونًا آخر هو الرواية، وأن لهذا اللون مقتضياته التي يعرفها!
يُذكر أن “ليس بعيدًا عن رأس الرجل- عزيزة ويونس” ليست الرواية الأولى للشاعر سمير درويش، فقد أصدر قبلها روايتين: الأولى بعنوان “خمس سنوات رملية” صدرت عن سلسلة الكتاب الفضي بنادي القصة بالقاهرة 2004، والثانية بعنوان “طائر خفيف” صدرت عن كتاب الاتحاد باتحاد كتاب مصر والهيئة المصرية العامة للكتاب 2006.. وأن له غيرها (19) ديوانًا شعريًّا، أولها ديوان “قطوفها وسيوفي” الذي صدر في سلسلة أصوات أدبية بالهيئة العامة لقصور الثقافة عام 1991، وآخرها ديوان “ديك الجن” الذي صدر عن دار ميريت للنشر عام 2021، وله أيضًا كتابان في الفكر السياسي والديني، وكتابان في النقد الأدبي (إعداد وتقديم)، والكتاب الأول من سيرته الذاتية بعنوان “العشر العجاف- من الهزيمة إلىى النصر” صدر عن دار الآن ناشرون وموزعون بالأردن عام 2019.