إعداد وترجمة: نهاد الحايك
(شاعرة-لبنان)
11- 07- 2024
أحاول اسئناف نشر ترجمات للشعر الأجنبي في سلسلة “من عيون الشعر العالمي”، فأقدّم اليوم ترجمتي لقصيدة من قصائد الشاعرة الأميركية لويز غلوك (Louise Glück)الحائزة على جائزة نوبل للآداب عام 2020. (يمكن الرجوع إلى مقالي المطول عنها المنشور في موقع THAQAFIAT بتاريخ 16-10-2020).
غالبًا ما توصف غلوك (ولدت في نيويورك سنة 1943 وتوفيت سنة 2023) بأنها شاعرة السيرة الذاتية؛ عُرفت كتاباتها بكثافة المشاعر وبالنَهل مرارًا من الأسطورة والتاريخ والخرافات والحكايات القديمة والطبيعة، للتأمل في الاختبارات الشخصية والحياة العصرية.
صنَّف البعض كتاباتها بأدب الاعتراف، لأنها تحكي عن ذاتها وعائلتها وعلاقاتها، باستخدام صيغة المتكلم، أو الأنا، ولكن آخرين رأوا أنها، بذاتيتها، تعكس ذاتية كثير من البشر، وبالتالي ترفع الذاتي إلى العالمي، خصوصًا باستخدام تقنية إحياء الأساطير والنطق بأفواه شخصيات رمزية أخرى. وكتبت الشاعرة فيونا سامبسون (Fiona Sampson) أن “بُروز غلوك كشاعرة على المستوى العالمي، يقول لأجيال مقبلة من النساء إن حياتهن تتسم بالواقعية والقدرة على تمثيل حياة جميع البشر، مثلها مثل حياة الرجال”.
ركزت غلوك في كتاباتها على الجوانب القاتمة للحياة، الألم، الحزن، العزلة، الصدمات، الخيبات، الموت، الخسارة، الأحلام والأوهام، فمرَّرتها في مصفاة الشعر وسكبتها في تشكُّلات اللغة بأسلوب صريح لتحوِّلها إلى جوانب مضيئة.وهي تعتبر أن الصدمات هي ممر إلى تقديرٍ أكبر لقيمة الحياة، والشعور العميق بالخسارة هو قفزة إلى الأمام.
في أول تعليق أدلت به غلوك لدى إبلاغها بفوزها بجائزة نوبل قالت إنها ذُهلت أن “تُمنح الجائزة لها، ويتم تجاهل الشعراء والكتّاب الاستثنائيين الذين تزخر بهم أميركا”. تواضعٌ عظيم إذا ما قورن بطاووسية كثير من الكتّاب والكاتبات والشعراء والشاعرات عندنا، ممن لا يرون أبعد من أنوفهم/هن، وقد تزخر كتاباتهم/هن بالسرقات الأدبية.
إليكم قصيدة بعنوان “ملكة قرطاج”(من المجموعة الشعرية Vita Nova، أي “الحياة الجديدة”، الصادرة عام 1999)، وفيها تتحدث “غلوك” بلسان “ديدو” الشخصية الأسطورية التي عُرفت أيضًا باسم “أليسار”، وهي ابنة ملك صور في فينيقيا القديمة (جنوب لبنان)، وأخت “بيغماليون“، ومؤسِسة قرطاج في شمال أفريقيا – تونس اليوم – وملكتها الأولى. اشتهرت بعد ذكرها في الإنيادة (Aeneid) التي كتبها فرجيل، الكاتب الروماني بين عامي 29 و19 قبل الميلاد، حيث زعم أن قصة عشق ربطت “أليسار” بـ”إينياس”، المحارب الذي سجل بطولات في حرب طروادة. وعُرفت “أليسار/ديدو” بدهائها وحُسن التدبير اللذين سمحا لها بإنشاء وحكم قرطاج التي اشتُهرت بتجارتها الواسعة وسيطرتها على بحار المتوسط.
ملكة قرطاج
(للشاعرة الأميركية لويز غلوك)
بطشٌ أن نحِب.
وبطشٌ أشدّ أن نموت.
أما أن نموت حبًا فبطشٌ لا تطالُه عدالة.
في النهاية، استدعَتْ ديدو نساءها
في انتظار أن يشاهدن المصير
المكتوب لها في الأقدار.
قالت “جاءإينياس إليّ
فوق المياه المتلألئة؛
سألتُ الأقدار
أن تسمح بأن يبادلني العشق الذي أكنُّه،
ولو لفترة قصيرة.
أيُّ فرق بين الفترة وحياةٍ بكاملها:
في الحقيقة،
في مثل هذه الأوقات،
هما سيان، كلتاهما أبد.
أُعطِيتُ هدية عظيمة
حاولتُ إنماءها، إطالتَها.
إينياس جاء إليّ فوق المياه:
البدايةُ أعمتني.
الآن، ستَقبل ملكة قرطاج
المقاساة كما قبلَتْ النعمة:
فانتباه الأقدار لنا
هو،في الحقيقة، امتياز.
أو ربما وجب القول: سدّ الجوع،
إذ هكذا تسمَّى الأقدار أيضًا”.
** ملاحظة توضيحية: فكرة “سد الجوع” تحاكي الفكرة التي وردت في نص الإنيادة(Aeneid)التي كتبها فرجيل، حيث اعتبر أن الأقدار تُظهر نفسها “جائعة” بوحشية لحياة البشر، من أجل أن تحقق أهدافها.ويمكن الاستنتاج بأن الشاعرة غلوك وضعت هذه العبارة على لسان ملكة قرطاج، للتلميح بانتحار هذه الملكة، حبًا وندمًا، كما جاء في حكاية فرجيل؛ حبًا لـ”إينياس”بطل حرب طروادة ولوعةً على رحيله في مهمة حربية، وندمًا على خيانة زوجها، علمًا بأنها عشقت “إينياس” بعد فترة من وفاة زوجها مقتولًا على يد أخيها “بيغماليون”.
من مؤلفات لويز غلوك– Firstborn، “الابن/الابنة البِكر”، 1968 – The House on Marshland، “منزل الأهوار”، 1975 – The Triumph of Achilles، “انتصار آخيل”، 1985 (آخيل” هو أحد الأبطال الأسطوريين في الميثولوجيا الإغريقية. كان له دور كبير في حرب طروادة، وهو البطل المركزي في ملحمة الإلياذة لــ”هوميروس”) – Ararat، “جبل أرارات”، 1990 – The Wild Iris، “السوسنة البرية”، 1992 –Meadowlands، “أراضي المروج”، 1996 –Vita Nova، “الحياة الجديدة”، 1999 – Averno،(وهو اسم بحيرة في إيطاليا جعلتها الميثولوجيا الرومانية القديمة مدخلًا إلى العالم السفلي)، 2006 – A Village Life، “حياةُ قرية”، 2009 |