نظمت الجامعة الإسلامية في لبنان ندوة بعنوان “القانون الدولي الإنساني والإسلام”، برعاية وحضور رئيس الجامعة الدكتور حسن الشلبي، وشارك فيها كل من: مدير الشؤون الاسلامية في “اللجنة الدولية للصليب الأحمر الدولي” خضر الطري، عميد كلية الدراسات الإسلامية الشيخ محمد شقير، أستاذ القانون الدولي الانساني في “الجامعة الاسلامية في لبنان” شفيق المصري.
ادار الندوة عميد كلية العلوم السياسية ونائب عميد كلية الحقوق الدكتور رامز عمار الذي استهل الندوة بالقول: “إن حماية الإنسان من شرور الحروب وويلاتها ليست فكرة جديدة، إنها، كما يقول أحدهم، ينبوع ماء جار تفجر في ديجور الأزمنة، ثم نما بلا انقطاع ليبلغ اليوم موجة كاسحة تتدفق أمامنا.
وإذا كانت المجتمعات الإنسانية الأولى سادتها شريعة الغاب في أغلب الأحيان، فاننا نلاحظ في ما بعد تبدلا لدى معظم الشعوب المستقرة باتجاه التخفيف من ويلات المعارك والحروب. وفي الشرق القديم أثار حمورابي في مدونته على أن الآلهه عينته لينصر الضعيف ويمنع استبداد الأقوياء بالضعفاء.
وتميزت حقبة الفتوحات في العصر الإسلامي بإرساء قواعد ومبادئ الحرب وأعرافها المستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية، وتجلت القواعد العسكرية التي وضعها الإسلام على القتال في حديث الرسول الكريم لجيوشه التي أرسلها للحرب بقوله: “انطلقوا باسم الله، وبالله، وعلى بركة الله، لا تقتلوا شيخا فانيا ولا طفلا صغيرا، ولا امرأة ولا تغلوا واصلحوا واحسنوا ان الله يحب المحسنين”.
الطري
ألقى الدكتور خضر الطري كلمة شكر فيها الجامعة على استضافتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر في مقر الجامعة، مستهلا محاضرته بشرح القانون الدولي الإنساني على انه جزء من القانون الدولي العام، وهو يسعى إلى حماية كل من لم يشارك أو توقف عن المشاركة في الأعمال العدائية وحماية الأعيان المدنية وتقييد وسائل الحرب، مسلطاً الضوء على الاختلاف ما بين قانون الحرب والقانون في الحرب الذي يطبق في حالتي النزاع الدولي والنزاع الداخلي، معتبراً أن “القانون الدولي لم يأت نتيجة لصراع انساني حديث إلا أنه نشا مع نشأة الأرض إثر الحروب المستمرة بين الشعوب منذ بدء التاريخ”.
أصاف: “عندما نقارب القانون الدولي الانساني من زاوية إسلامية لا نكون بصدد المقارنة بين النص الإلهي وبين النص الإنساني، إلا أننا نحاول أن نبرز أوجه الشبه المتعددة،وعلى سبيل المثال أن فقه السير وفقه الجهاد هما وسائل فقهية لتنظيم النزاع الدولي في حين أن فقه الفتن هو وسيلة تنظيمية للنزاع الداخلي”، مستذكراً “سلوك الإمام علي في النزاعات المسلحة كواقعة رفضه ملكية حصان في المعركة لأنه يرفض الهرب من ساحة المعركة ولا يلاحق فاراً منها مما يعلمنا أهمية عدم الاعتداء على من توقفوا عن المشاركة في الأعمال العدائية. كما استحضر موقف رسول الله من الأسرى اذ علمنا كيفية التعامل معهم موصيا بعدم قتل الأسرى ومعاملتهم معاملة جيدة باستثناء رؤوس الفتنة منهم”.
وختم معرفا الفئات المحمية في القانون الدولي الإنساني وميز بين الأسير في النزاع الدولي والمعتقل في النزاع الداخلي، وكيفية التعامل القانوني معهما، مستعرضا الأعمال الانسانية التي تقوم بها اللجنة الدولية في مختلف المناطق اللبنانية.
شقير
استهل الشيخ محمد شقير كلمته بالقول: “لن يكون أمرا سهلا مقاربة موضوع يتصل بالبعد الإنساني والقيمي في الإسلام من خلال عنوان القانون الدولي الإنساني والإسلام، في ظل كل ما نشهده من أزمات مركبة تعصف بالواقع الإسلامي العام ومن أهم تلك الأزمات: أزمة فهم للدين تجاوزت كل انفلات وكل الضوابط المنهجية وأزمة تطبيق جافت حتى الواضحات من معاني الدين وقيمه. وبالعودة إلى مصادر التشريع وخصوصا القرآن الكريم تظهر مدى عمق جذور القانون الدولي الانساني في الاسلام حيث لا بد من الإشارة إلى أن جملة من النصوص والأحكام الإسلامية تشمل في دلالاتها حتى المقاتلين فضلا عن غير المقاتلين، هذا ويمكن مقاربة هذا الموضوع من خلال مبدأ الإنسانية ومبدأ التفرقة وغيره من المبادىء”.
اضاف: “عن مبدأ الإنسانية، حيث ينبغي أن يعد مبدأ شاملا وحاكما على جميع المفردات الدينية ذات الصلة وإن كان من الواضح أن العديد من القراءات قد أفرغت الإسلام من بعده الإنساني، وحشته بعدا عنفيا، لكن هذه المرة بمسميات دينية، وإذا اعتبرنا أن العودة إلى الأصول (القرآن والسنة الصحيحة) تشكل مرتكزا منهجيا صالحا لإعادة قراءة الإسلام، ويتحدث القرآن في الكرامة البشرية لجميع بني آدم، مما يعني أن المعاملة مع جميع بني البشر يجب أن تكون قائمة على هذا المبدأ الإنساني وفي جميع الأحوال سواء في الحرب أم في غيرها، وتصريح بالهدف الاساس لرسالة الإسلام حيث يقول تعالى “وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين”حيث لا يمكن النظر إلى أي معطى ديني بمعزل عن حصرية فلسفة الرحمة وكونها الهدف الأوحد للرسالة.
وعن قاعدة التفرقة، التي تعني التفريق في الأعمال الحربية بين المدنيين والمقاتلين حيث تضمن برتوكول جنيف الأول المضاف إلى اتفاقيات جنيف لسنة 1949م، الصادر عام 1977م هذا الأمر وقد ذكرنا سابقا بعضا من النصوص الإسلامية في ما يرتبط بجملة من المدنيين (النساء، الأطفال، العجزة..) والممتلكات العامة بل وحتى من كان ثم لم يعد قادرا على القتال سواء كان جريحا أو اسيرا، بل إيضا من أراد الفرار أو أراد الاستسلام”.
وخلص الدكتور شقير إلى النتائج والتوصيات التالية:
“1-أصالة القانون الدولي الإنساني في المصادر الإسلامية الأساسية بمعزل عن بعض التجارب التاريخية ذات العلاقة.
2- الحاجة إلى تسييل المفاهيم الإسلامية ذات العلاقة بالقانون الدولي الإنساني في ثقافة الاجتماع الإسلامي العام.
3- تنقية التراث الإسلامي من كل ما علق به من شوائب جنحت به نحو اتجاهات عنفية متطرفة تتنافى مع أصوله ومصادره.
4- نقد وتفكيك الثقافة السياسية وغير السياسية لدى بعض الاتجاهات الفكرية في الإسلام بما هي اتجاهات مولدة للعنف والتطرف.
5- تقديم فهم أصيل ومنهجي للاسلام ينسجم مع الحقائق الواضحة في المصادر الأساسية للاسلام (القرآن والسنة الصحيحة)”.
وختم: “إن ما تقدم قد يساعد على بلورة إستراتيجية أو مشروع عمل لإستيلاد أو تطوير قانون دولي إنساني يحمل مشروعيته الدينية والإسلامية بناء على المصادر الإسلامية الأساس وآراء مختلف المذاهب الإسلامية بما يسهم في التخفيف من آثار النزاعات المسلحة على الإنسان والأعيان ويعيدنا إلى أخلاق الرشد وسماحة الإسلام”.
المصري
تحدث د. شفيق المصري عن نشوء القانون الدولي الإنساني الذي كاد أن يكتمل عام 1949 ولا يزال حتى الآن يسعى بالإحاطة بحقوق الإنسان أثناء النزاعات الدولية أو في دوائر الاحتلال والحروب وحتى الفتن والحروب الداخلية، معتبراً أن “العلاقة بين القانون الإنساني الدولي وبين النصوص الدولية الأخرى المعنية بحقوق الإنسان وكرامته هي علاقة وثيقة وتكاد تكون متشابكة على أكثر من صعيد ومع أكثر من قانون، وبدأت الأمم المتحدة بالتحرك من أجل حماية حقوق المدنيين، وحرص القانون الدولي بالأساس على مبدأ عدم التدخل واعتبره من القواعد الآمرة في القانون الدولي الا بعض الاستثناءات التي شرعها حصرا”.
ولخص الدكتور المصري وجوه العلاقة بين القانون الدولي الانساني وبين مجلس الأمن بما يلي:
“-المرجعيات الموضوعية المشتركة لديهما، ذلك لأن اتفاقيات جنيف التي تعتبر المصدر الأول للقانون الدولي الانساني، هي ذاتها – ولا سيما الاتفاقية الرابعة – المعتمدة احيانا لدى مجلس الأمن.
– المجلس عندما يقرر إجراء زاجراً بحق الدول المتحالفة يستند إلى قانون حقوق الانسان والى القاون الدولي الإنساني أيضاً.
– آلية القانون الدولي الانساني، أي جمعية الصليب الأحمر الدولي، عندما توصي بمعاقبة اي دولة تخالف اتفاقيات جنيف ينتظر ان ترفع الأمر الى مجلس الأمن. وهذا ما تفعله أيضا المحكمة الجنائية الدولية.
وكان سبق لمجلس الأمن أن أحال ملفات جنائية الى المحكمة الجنائية الدولية لارتكابها جرائم دولية. وهي الجرائم الملحوظة في القانون الدولي الانساني ولا سيما المخالفات الجسيمة التي ذكرتها المادة 147 من الاتفاقية الرابعة”.
وختم: ” الذي يعنينا أن القانون الدولي العام تطور باتجاه تعزيز حقوق الإنسان وحمايتها بواسطة كل هذه النصوص والآليات، وبالتالي فانها علها تهدف مبدئيا إلى مآل واحد: حماية حقوق الإنسان سواء تجاه دولة الجنسية او تجاه الدولة العدو أو تجاه أي اتفاقية دولية يمكن أن تخالف قاعدة آمرة. والذي يعنينا أيضاً أن نظام روما 1998 والمحكمة الجنائية الدولية التي تشكلت وبدأت عملها في 2002 استندت في صلاحياتها إلى محاكمة وادانة مرتكبي الجرائم الدولية الأربع. وهي الجرائم ذاتها التي أشارت الى ادانتها اتفاقيات جنيف التي تشكل المصادر الساسية للقانون الدولي الانساني