الدكتور سام نان
1- النصّ من الكتاب:
الأهمّ أن تقولوا إنّ كلّ شيء من الله ويعود إليه. والإنسان الذي يقف أمام حديقة غنّاء، يشكر الله على نعمته والجمال الذي صدر منه. وعندما يقف أمام البحر الهائج والرعد والعاصفة التي تحطّم الأشجار، يعتبر أنّ الطبيعة الغاضبة هي من عمل الله. وعندما يتزوّج اثنان يقول الناس إنّ الله جمعهما لكي لا يفترقا، وإذا مات أحد يقولون إنّها إرادة الله… فلماذا عندما يرتكب المجرم الإثم يقولون إنّ الشيطان هو الذي أغرى به ودفعه إلى الفاحشة؟
المشكلة يا أخوتي هي في الإنسان نفسه، فكما أنّ الظلام هو نور يخبو، والبرد هو دفء يخفّ، والبشاعة هي جمال ينحدر… فهكذا يكون الله فينا، فإذا أحببناه وجعلنا له مسكناً لا يغادره، فلا يقوى الشيطان علينا، ولكن إذا رفضناه وأهملنا حضوره فينا، تسود العتمة والبرد والبشاعة في ضمائرنا، ونترك مجالاً للشيطان لكي يقودنا إلى التهلكة.
والذي يلوم الشيطان على كلّ مخالفاته، يشبه مَن يسقط في طريق، وعندما يسأله العابرون عن سبب سقوطه، يزعم أنّه تعثّر بحجر، ويُخفي أنّه قد شرب خمراً للتوّ، فاصطكّت ركبتاه، ووقع من تلقاء نفسه. وهذا الهروب إلى الشيطان جعل لهذا الأخير وظيفة ثابتة، فلا يخرج من حياتنا، خصوصاً إذا كنّا أشقياء، ونميل إلى الأذى.
2-مطالعة الدكتور سام نان:
الدكتور الأديب جميل الدويهي، أيقونة في عالم الأدب والشعر، تتجلّى ريادته بلمسات ساحرة، ترسم لوحات فنّية رائعة. إنّه صاحب إبداعات لا تُحصى.
تتجلَّى قصصه الفريدة وشعره الجذّاب، وتترك انطباعات عميقة في قلوب القرّاء الذين أوّلهم أنا، وتؤثّر رؤيته الفذّة في أنفسنا من خلال الثقافة والأدب.
استطاع الدكتور جميل الدويهي أن يخلق عالماً متميّزاً، من خياله الخصب، وروحه الراقية، حيث اجتمعت في أعماله الأدبيّة الحكمة والجمال، الفكر العميق، والإحساس الصادق. وقدّم لنا من خلال كتبه الكثيرة من الأدب الروائيّ والقصصيّ، والفكريّ… ما يجعلنا نغوص في عوالمه المدهشة، ونعيش معها مغامرات لا تُنسى.
كما أثرى الدكتور جميل الدويهي مجال الشعر، بأشعاره الرقيقة والمؤثّرة. وكان بين الحين والآخر يهديني باقة ورد، بألوان مختلفة ومبهجة، من خلال كلمات من شعره.
إنّه يجيد التعبير عن مشاعر الحبّ والحنين، ويأسر قلوب القرّاء، بإيقاع كلماته الشاعريّة الجميلة.
ولو كان الأمر بيدي، لصنعت له تمثالاً، كما صنعوا لجبران خليل جبران.
فكما أنّ جبران خليل جبران صانع الجمال الذي ألهم الأجيال بأدبه الفريد، فإنّ
الدكتور جميل الدويهي، يعدُّ رمزًا للإبداع والعطاء في عصرنا الحديث.
ولا يسعني أن أعقّب على كلّ شيء في كتابه “المتقدّم في النور”، وإلاّ احتجت إلى أيّام من الكتابة، ولكن فقط، بما أنّني دارس لعلم النفس، فسوف أعقّبُ على جزئيّة إسقاط الأخطاء على الآخرين… أو على الشيطان، بحجّة أنه هو السبب في وقوعنا في المخالفات.
إنّ إسقاط أخطائنا على إبليس هو تجاوزٌ للمسؤوليّة الشخصيّة. وهذا السلوك قد ينبع من رغبة الإنسان في تبرئة ذمّته، وعدم تحمّل المسؤوليّة عن أفعاله وقراراته، وبالتالي يسمّي علم النفس صاحب هذا النوع من التصرّف بـ”المريض بالإسقاط”.
بالتالي يتعيّن علينا أن ندرك أنّ الإنسان هو المختصّ بتحديد سلوكه، واتّخاذ
القرارات، وبذلك يصبح هو المسؤول الأساسيّ عن أفعاله.
إن إسقاط اللوم على إبليس، أو على البعض الآخر، لا يُسهم في تطويرنا، ولا يساهم في تحسين سلوكنا. فكلّما أقنعنا أنفسنا، بأنّ هناك “آخر” مسؤولاً عن وقوعنا في أيّ خطأ، فلن نتقدّم خطوة إلى الأمام، وسنظلّ على جهلنا وتخلّفنا.
علينا أن نتذكّر أنّ الإنسان لديه قدرة على تبنّي تصرّفاته، واختياراته المستقلّة.
وتحضرني هنا قصّة سمعتها في مصر منذ حداثتي:
إنّ راهباً في الدير -في أيّام الصوم- اشتهى أن يأكل بيضة، فدخل قلاّيته وبدأ
يشوي البيضة على شمعة، فرآه أحد الرهبان، فذهب ليشتكي عليه إلى رئيس الدير. وعندما تمّت مواجهته، اعتذر وقال إنّ الشيطان أغراه ليقع في خطيّة شهوة الأكل… فظهر الشيطان في الجلسة وقال له: لا تفترِ عليَّ، فهي المرّة الأولى التي أعرف بها أنّ البيض يُشوى على الشمعة.
في الختام، أنا محظوظ بمعرفة شخصيّة مثل الدكتور جميل الدويهي، فإنّ وجود كتبه في بيتي بمثابة كنوز لا تقدّر بثمن.
ونتطلّع دوماً إلى مزيد من إبداعاته الرائعة، ونتمنّى أن تستمرّ أعماله في الإلهام والتأثير على الأجيال القادمة.
***
*أفكار اغترابيّة – النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع.
*تصدر وقائع الجلسة في كتاب يصدر قريباً من أفكار اغترابيّة.