الشاعر وسام زيدان – ملبورن
1- النصّ من الكتاب:
الدين والعالَم
مهما اختلفت وسائل العبادة، فالدين في كلّ أنحاء العالم، هو لله وحده. وإذا كان كلّ واحد منّا يعبد إلهَه، فليس معنى هذا أنّ عدد الآلهة يتساوى وأعداد البشر. ولقد أراد الله أن يكون للفكر الإنسانيّ حرّيّته في اختيار ما يشاء من ضروب العبادة، فليس حقّاً أن نضطهد مَن يخالف ديننا، ونعاقبه لأنّه لا يشبهنا. وليس من أحد يشبه أحداً قطعاً. ولو جئنا بثمرتَين من شجرة واحدة، لوجدنا أنّ بينهما ملايين الاختلافات، ولو ظهرتا للوهلة الأولى متشابهتين.
الله هو أساس الدين. والانسان أساس الديانات. فقد سلم الله دينه للانسان ولم ينجح هذا الأخير في المحافظة عليه، فقسّمه، وفرّقه، ووزّعه في أقطار المعمورة، وتحوّل الدين الواحد للإله الواحد إلى فِرق، تتناحر وتتواجه، من غير سبب وجيه إلاّ ما اخترعه البشر أنفسهم لتغذية عوامل التحزّب، واستغلال الانتماء، لمصالح سياسيّة وعرقيّة ودينيّة، فإذا بكلّ دين دولة مستقلّة، لها مواطنوها الملتزمون، وراياتها المخضّبة بالدماء، بينما الأصل هو دين السلام.
وإنّ الأمم التي عاشت قبل وجود الديانات الرسميّة، كانت تعرف أنّ هناك خالقاً للوجود. وإذا كان بعضها لم يعلم بذلك في عصور مبكرة، فلأنّ الجهل كان طاغياً، وتطوّر العقل فيما بعد ليصل إلى حتميّة وجود مكوّن للوجود. فليس من العدل أن تكون الشعوب الأولى غير مؤمنة لعدم معرفتها، ولا كانت غير مؤمنة أيضاً في مراحل تطوّرها، لأنّها عندما عرفت آمنت، وإن تكن الطريقة تختلف عن طرقنا…
إذن لا يمكن الحكم على أحد بأنّه غير مؤمن إذا كان يؤمن بالله. والطريق إلى الله تختلف، فقد يذهب إليه امرؤ عن طريق لا نسلكه نحن، بل نسلك غيره. المهمّ أن نصل.
لذلك أرى أنّ جميع الناس مؤمنون، ما عدا الذين يجاهرون بأنّ الله غير موجود. وهؤلاء فقط مَن يحكم الله عليهم وليس نحن. فهو لم يفوّضنا، ولم ينزل من السماء ليبلغنا بأنّ علينا أن نحصّل حقوقه، ونستعيد له ما فقده أو خسره.
ولو عاش الناس جميعاً تحت مظلّة هذه الأفكار، لكانوا في أمان، ولا يصرفون أعمارهم على النزاعات والمشاحنات، والاختلافات، والشرح، والتحليل، والتصويب… فهناك وظائف للبشر غير ذلك، أعني بها تطوير الحياة، وتعزيز الحضارة، والسير معاً، إخوة متضامنين، متحابّين، ومؤمنين بأنّ الله فرّقنا ليجمعنا، لا لنكون متقاتلين من أجل هباء. وما أبشع الحروب التي تقتلنا من غير أن نفهم أنّنا نتقاتل على لا شيء!
2- مطالعة الشاعر وسام زيدان
ما دام الله هو المطلق والقوّة الخفيّة لهذا الكون اللامتناهي، فهذا يعني أنّه بكلّ شيء محيط، وهو جوهر الوجود، وكلّ ما في الوجود يدور في دائرة قدرته وعظمته. ولكنّ الإنسان تميّز عن سائر المخلوقات بالعقل الأرفع ونفسه المتقلّبة بطبائعها، فأيّهما غلب عليها مالت إليه. وفي العودة إلى كتاب “المتقدّم في النور” للدكتور جميل الدويهي، فتبدو وحدة الجوهر عند الإنسان المنسجم مع وحدة الوجود، فذلك النور المقدّس هو قبس من نور الله، لطيف شفّاف أدركه الناسوت من خلال اللاهوت، وعليه أصبح الإنسان المحور والمتلقّي لذاك الجوهر الفريد. ونور الدكتور جميل نفحات فلسفيّة ورؤيا توحيديّة تؤمن بأنّ الإنسان، وإن اختلف عن أخيه في الشكل والصورة يبقى إنساناً، كذلك هي صفة الله تعالى، يبقى واحداً فرداً صمداً، حتّى وإن تعدّدت اسماؤه عند الكثيرين من أبناء البشر.
وممّا لا ريب فيه أنّنا كلّنا ندور في فلك الألوهيّة. وكلّ مظاهر الوجود وخاصّة الأديان التي تُطلق عليها تسميات مختلفة، هي تجلّيات للحقّ المطلق. فإنّ المحبّة الأحديّة والعشق الإلهيّ الذي من خلاله تنكشف الحجب عن الأنفس المظلمة، يقرباننا، بعضنا من البعض، لنبلغ عالم الطمأنينة والكمال.
هذا هو نور الدكتور جميل الدويهي، صاحب مشروع أفكار اغترابيّة للأدب المهجريّ الراقي، فكر خلاّق متجدّد ، مع كلّ كلمة يكتبها، شعراً كانت أم نثراً . نور يرسم شخصيّة هذا المفكر العملاق، والشاعر الفذّ، من خلال كتاباته الرائدة في شتّى المجالات. فهو ثورة فكريّة، وموسوعة ثقافيّة قلّ نظيرها في دنيا الاغتراب، وعلى مساحة الفكر الإبداعيّ الذي لا يحدّه زمان، ولا يتقيّد بمكان… الدكتور جميل حالة استثنائيّة فريدة من نوعها، ترسم ملامحها على مرايا الذات الإنسانيّة المنغمسة بالعطاء، المتعطّشة للعلم، الباحثة عن المعرفة الحقيقيّة، والفهم العميق لدور الفرد الخلاّق في معرفة حقيقة وجوده.
إنّ نور الدكتور جميل، هو نور منبثق من النور الأسمى المقدّس الهائم في مرايا الذات، فهو نور إنسان متحقِّق، استنار بالعقل، وأوجد ذاته بالحقّ، تقمّص سرّ الكلمة علماً وعملاً، أدرك غايته في الفضائل، غاية عكست دوره ورسالته التي أتى بها إلينا، وهو يحيا من أجلها ويخلد فيها.
الدكتور جميل الدويهي لا يختصر بكلمات وسطور، لأنّنا كلّما قرأناه، طلبنا المزيد، وكلّما أبحرنا في فكره العلمانيّ المترفّع عن الأنا الفرديّة، والهائمة في الأنا الجوهريّة.
أخيراً، إذا قلنا إنّه ملأ الدنيا، وشغل العقول والأقلام، بثقافاته المتنوّعة الشاملة، نكون قد أعطيناه قليلاً ممّا يستحقّ.
***
*أفكار اغترابيّة – النهضة الاغترابيّة الثانية – تعدّد الأنواع.
*تصدر وقائع الجلسة في كتاب يصدر قريباً من أفكار اغترابيّة.