أعداء السياحة والاصطياف

 

 

سعيد غريّب

 

 

ظلّلت تحذيرات المملكة العربية السعودية وبعض دول الخليج، إلى رعاياها في لبنان، سكينة التفاؤل الصيفي العابر إلينا على حذر، وحرّكت بشدّة مخاوف اللبنانيين من عظيم آتٍ يخرق بهجة موسم السياحة والاصطياف. ولم تكتف التحليلات القائمة بالبحث عن المسبّبات الدولية والاقليمية والمحلية لهذه المقاربة الدبلوماسية مع الشأن اللبناني، وانّما تخطّتها إلى التبشير بالشرّ المستطير، باعتمادها أساليب وأصواتاً سوداوية.

ففي الوقت الذي يمرّ لبنان في أخطر تجربة في تاريخه، منذ الاعلان عن دولة الاستقلال، توجّهت الأنظار إلى سلسلة من التطورات، لتقرأ انعكاسها على الداخل اللبناني، وعلى المواقف والتصريحات، وعلى تدحرج الشائعات المربكة. فمن الدخول الأميركي إلى البحر الأبيض المتوسط، إلى انتكاسة الاتفاق السعودي الايراني ومعاودة التصعيد في بعض الدول كاليمن والعراق وسوريا ولبنان، وصولاً إلى تحريك لغم المخيمات الفلسطينية جنوباً، والصراعات بين أجنحتها، ارتسمت صورة القلق والتساؤلات.

وفي هذه الأجواء، نشطت الدبابير الالكترونية، ووجدت ما تقتات به. فانطلقت الشائعات والتكهّنات، لتعمل بقوّة. وما زاد من حدّتها عدم وجود الطرف المخوّل بالرد عليها بثقة وصدقية.

في مواجهة هذا الواقع المأزوم، يستمر شعب لبنان في البحث عن الحياة. إنّها قوّة الحياة لدى شعب ذاق ويذوق طعم القهر والعذاب منذ خمسة عقود، ويسعى منذ خمسة عقود لقهر القهر. صحيح أنّ وطننا لم يتذوّق منذ منتصف الستينات من القرن الماضي طعم الدولة، ولم ينعم منذ ذلك الزمن، شأنه شأن معظم الدول بحكام يمتازون بالزهد والحكمة والرؤية.

ولكن، وعلى الرغم من الآلام التي حفرت عميقاً في الوجدان اللبناني، تتلألأت مصايف لبنان، وتراها بأبهى حللها، ويثبت أبناء هذا البلد الصغير من جديد أنّهم جديرون بحياة طبيعية، عاشقة في آن للجدّ والمرح، للعمل والترفيه. فتراهم خلايا نحل في المكتب والعيادة، في المعمل والمستشفى، في المطعم وأماكن السهر، في ادارة شؤون البيت من الداخل والخارج، في لبنان والمهجر… على مدى سنين طويلة، تكررت محاولات أعداء الفرح والخير تسميم مواسم الاصطياف اللبناني، فأصابوا حيناً ولم يوّفقوا أحياناً، تارة بضخّ الشائعات، وتارة أخرى بخلق مناخات أمنية مضطربة. وما الحالة التي استفاقت في عين الحلوة سوى دليل قاطع على ما يرسم لبلدنا المنهك على الاصعدة كافة، وما التحذيرات التي جاءت من الخليج سوى معالم مناخ مشدود بين المعطيات والنظرة التي تملكها الدول الخليجية حيال واقع الساحة اللبنانية وسقوط الثقة بالسلطة اللبنانية سقوطاً تاماً.

ما هي أسباب الاجراءات الاحترازية؟ صحيح أنّه لا جواب كافياً شافياً لدى المسؤولين اللبنانيين باستثناء تطمينات محدودة وتساؤلات مستغربة، في حين أنّ الحاجة ملحة إلى اشاعة الاطمئنان بدلاً من التوقعات، وتوضيح الصورة أمام الناس لتمكينهم من مواجهة فاعلة لأيّ استحقاقات آتية. إلّا أنّ جوهر المشكلة في هذا المجال يكمن في أن الناس تريد الحقائق وعندما لا تستطيع الوصول إليها فإنّها تتقبل الشائعة التي تطلق خفاء أو جهاراً.

من هنا فإنّ تعزيز الايمان والثقة بالمواقف الرسمية الصادرة يبدو استحقاقاً مطلوباً لمقارعة الشائعات ومواجهة أيّ تطور صعب آتٍ. ولا يمكن ذلك إلّا عبر عرض للحقائق من مصدرها الرسمي منعاً للترويج المفسد. ليس سهلاً بعد التراكم المخيف للأزمات أن نعيد الثقة بالقادة والمسؤولين، بل ندعوهم إلى محاربة الملل والخمول والنجاح في كشف دعاية اعداء لبنان بطريقة واضحة ومحاربة المروّجين لشرور قادمة بكل الوسائل الممكنة.

من السذاجة طرح سؤال: هل لدينا مسؤول واحد يمكن أن يطلعنا على ما يجري بالحد الأدنى وكيف تتم مجابهته؟ بالطبع لا، إلّا اذا كان لدى وزير الاقتصاد الجواب اليقين!

اترك رد