ضحى عبدالرؤوف المل
تُتيح كلمات الأديب والرسام «جبران خليل جبران» الانفتاح على الخيال بدقة المعنى الذي ينسكب متلوّنا ومنسجما مع حكمة الحياة، فيتجاوز الفنان الكلمة، لتنجب حركة لونية تضج بالشاعرية والموسيقى التشكيلية التي تشكّلت في أعمال الكثير من الفنانين التشكيليين، ومنهم الفنانة التشكيلية «داليا دبوس» (Dalia Dabbous).
غرقت دبوس في الخيال الجبراني، وأبحرت في لجج معانيه التي تقود الريشة إلى نبع الرؤية الصافية، لحقيقة تابعها بجدّ لتمثل تنوّعات الحياة، التي تُعتبر نوعا من التحوّلات الجمالية القادرة على توليد عدة مجازيات تشكيلية جبرانيا، استكشافية من حيث الإستعارات المبنية على قوة التفاعل مع الأقوال الجبرانية، سواء من خلال الألوان أو الأشكال أو حتى التعبير لخلق قوة من التأثير البصري تعصف بالمتأمل للكلمات والرسومات أو حتى النظرة التشكيلية للكلمات واستعاراتها التشكيلية الخلّاقة، والقادرة على تقديم رؤى مختلفة من المفاهيم الجمالية التي تنبثق عنها وفق العناصر التي وضعتها داليا دبوس في لوحاتها لتكون كالمحاكاة البصرية مع أقوال جبرانية ومنها «إن بيتكم هو جسدكم الأكبر، وهو ينمو بالشمس في النهار وفي سكينة الليل يهجع وهجوعه ليس خلوا من الأحلام».
فهل السخاء اللوني ينضج كلما اختزن الذهن معرفة تلامس جبرانيات اشتق عنها الكثير من اللوحات التشكيلية؟ أم ان تنوّعات الريشة التشكيلية ترتبط بشكل كامل بفهمنا للمعنى الجبراني؟ وهل استطاعت داليا دبوس الإنطلاق بشكل متحرر مع قوله «أيها الغريب الهائم بالأعالي التي لا تدرك لماذا تسكن القمم حيث النسور تبني أوكارها» لتشكّل لوحة تجمع بين القول والشكل واللون والتأثير البصري؟
تُنتج كلمات «جبران خليل جبران» ألف شكل، وتُضيف إلى الاحساس نوعا من الاسترسال في الفهم الجمالي المرتبط بالحكمة تحديدا. إذ يستطيع التأثير على التصورات التخيّلية عند القارئ، فيتوّلد آلاف التعبيرات، وبرؤى مختلفة من شخص لشخص، فنفهم التناقضات والإنسجامات المبنية على قدرة الفن التشكيلية على فتح البصر، ليكون رسالة إنسانية حرّة خالصة من شوائب التقيد بمعنى آحادي، لأن التغيّرات في الأشكال والتعبيرات والتصورات بأساليب تختلف من فنان لفنان هي الجسر الجبراني الحقيقي الذي يمشي عليه الفنان باستقلالية لا يمكن استبعادها عن الجملة أو الكلمة أو حتى الحرف الذي يتشكل كشل ينبع من المخيّلة وبرمزيات مختلفة الأساليب تتكوّن من طبيعة المعاني بجوانبها المجازية تبعا للحالة التي يرسم خلالها الفنان ما يشعر به عند قراءة أقوال «جبران خليل الجبران» التي يمكن لها أن تكون عالما تشكيليا غير محصورة فيه الأشكال، لنشعر بالتحرر مع لوحات داليا دبوس وبالمتعة الحسّية المرتبطة بما جعلته يتماشى مع مشاعرها الخاصة تجاه تعبيرات «جبران خليل جبران» والذي عنده العبادة نافذة تفتح وتغلق عند الحاجة لم يدخل بعد بيت نفسه حيث النوافذ مشرّعة من الفجر حتى الفجر. فهل فتحت الفنانة «داليا دبوس» نوافذها الجبرانية على أقواله التي تجعلها تُنجب الكثير من اللوحات في عالمها الجبراني تشكيلياً؟
تتعدد المعاني في لوحاتها لتتخذ صفة جمالية محبوكة مجازيا بالإتجاهات التشكيلية وأبعادها المختلفة، المفتوحة على تأويلات العناصر الحياتية التي حافظ عليها جبران خليل جبران بنغمات تتصل بأركان الجمال المختلفة من طبيعة الريشة وحتى الوتر ربما وبهذا هو فتح كلماته لتكوين عالما يقبض عليه بما انتجه من مؤلفات ورسومات ما هي إلّا رؤية تتوازى فيها صور الحياة المتشكلة من مفردات تتوارى خلفها الحكمة المصقولة بالفهم العالمي لما حولنا إنسانياً بعيداً عن التعارض والتناغم والتنافر والإنسجام وما إلى ذلك من قدرة كل فنان على إظهار جوانب مختلفة للأقوال الجبرانية. فهل بحثت الفنانة داليا دبوس عن الإنكشاف الجبراني بشكل مجازي في لغتها التشكيلية؟
***
*اللوحات من مجموعة متحف فرحات