ضحى عبدالرؤوف المل
نستكشف حكاية أم عزيز التي فقدت من ابنائها أربعة من خلال صور” مجموعة متحف فرحات” حيث تبرز المأساة لإمرأة طالبت بمعرفة أين أولادها من خلال قضايا المخطوفين.
إذ تسلط الصور الضوء على الحقائق الإجتماعية والسياسية والثقافية، وحتى الفنية التي تحمل القضية الأكبر لهذه المرأة. لنفهم الصور وأحداث ما مضى في قضايا المخطوفين التي تشمل الأبناء الأربعة لأم عزيز، ولعشاق حكاية الصور الفوتوغرافية التي تتكون منها أعظم القصص المؤرشفة بصريا وفنيا . إن من خلال الصورة الفوتوغرافية أو اللوحة التشكيلية ، كمصدر موثق لما حدث لكشف الحقيقة عن مصير من اختفوا، ولم يتم حتى الآن الكشف عن مصيرهم . مما يسبب التعاسة والحزن والمرارة، للأم التي لم تكل ولم تمل في البحث عنهم، وحتى المطالبة في معرفة مصيرهم، وهي فاجعة كبرى للأم الثكلى بالمصير “أم عزيز الديراوي” المقيمة في مخيم برج البراجنة مع أبنائها الأربعة (عزيز ومنصور وابراهيم واحمد ) كان أكبرهم بعمر 32 وأصغرهم 13 .
كما روت لصاحب متحف فرحات السيد ” نعيم فرحات ” المتواجد في الصور الفوتوغرافية، وهو جالس عندها، وقد تم خطفهم يوم 15 سبتمبر أيلول 1982 ولم يُعرف عنهم منذ ذلك الحين، وهي تنتظرهم محتفظة بأغراضهم . لتبقي على تواجدهم معها ، وإن ضمن فجيعة الإنتظار التي طالت وطالت.
فقد وظّف السيد ” نعيم فرحات” الصور الفوتوغرافية وحتى اللوحات التشكيلية لقضيتها التي شغلت العالم . فهل توثيق حكاية أم عزيز في الصور الفوتوغرافية هي امتداد لقضية شغلت حيزاً كبيراً في العالم ؟ وهل تهالكها الإنساني برز في الصور لنشعر بقوة مأساتها التي أحزنت القلوب وأبكت العيون؟
تجاعيد الزمن برزت، ولكن تجاعيد القهر المزمن حفرت بقوة أوجاع الأم التي ما فارقتهم في منزلها حيث تعيش معهم من خلال صورهم، وما تبقى من أغراضهم الشخصية في المنزل الذي ضمها معهم بينما تروي قصتها وأوجاعها لمدير متحف فرحات السيد “نعيم فرحات ” الجالس معها ، وهي تروي وتبكي مرارة انتظارها متكئة على العصا في أواخر أيامها التي فقدت فيها السند الحقيقي لأم عانت وابتهلت لله كثيرا ، لتجد الأبناء الذين اختفوا بغموض لم يتم اكتشاف الحقيقة فيه على مر كل تلك السنوات حتى بعد انتهاء الحرب اللبنانية .
فهل تموت قضية أم عزيز بموتها أم تستمر من خلال صورها الفوتوغرافية ولوحات تشكيلية حملت قضيتها بمختلف التعبيرات الفنية؟ أم اندماج القضية مع الزمن أصبحت صوراً تستمر كرواية موثقة بأرشيف فوتوغرافي موجع انسانياً؟
توثيق فوتوغرافي خالد لا يمكن أن ننسى من خلالها القضية الكبرى التي هزت عروش الأمهات، وخضت مضجعهن، وهي فقد الأبناء فجأة دون معرفة مصيرهم . يظل فهم الصور الفوتوغرافية لأم عزيز مع السيد نعيم فرحات تحديداً هو الأكثر جدلية كمرايا تعكس حالتها وأحاسيسها، وهي تحمل ثياب أولادها التي تحتفظ بهم أكثر حقيقة للواقع الذي عاشت فيه في منزلها المتهالك.
فلا يمكن للمرء في الواقع إهمال التفاصيل الدقيقة في الصور، ولا يمكنه أن يستبدل الصورة بمفهومها الفني عن مفهومها الإنساني. لأنها تقوم بتوسيع المدارك البصرية، وتحرير الذات من ثقل الوجع المرتبط بالمعنى الحقيقي لالتقاط الصورة ونتاجها المرئي المثقل بحركة امرأة زادتها المرارة وجعا وثقلا معقدا في قضيتها التي استمرت سنين، وما زالت مستمرة في حكايتها .
فهل الصورة الفوتوغرافية هي تدوين اجتماعي وسياسي مهم جدا على صعيد التاريخ الحديث؟ وهل أم عزيز ما زالت تقاوم من خلال الصور الفوتوغرافية لمعرفة قضية اختفاء اولادها الأربعة وإن رحلت عن هذه الدنيا الفانية ؟
***
*الصور من مجموعة متحف فرحات